العدد 1401 / 19-2-2020

تكبدت المعارضة السورية المسلحة شمال غرب سوريا في الآونة الأخيرة أكبر خسائرها خلال الشهرين الفائتين بسقوط عشرات المدن والبلدات بيد قوات النظام السوري المدعومة بقوات روسية خاصة ومليشيات إيرانية وبتغطية جوية من الطيران الروسي.

وشكل سقوط مدن عندان وحريتان وحيان وعنجارة وبلدات الشيخ عقيل وكفر ناها وأورم الكبرى والصغرى وعشرات القرى بريفي حلب الغربي والشمالي، الصدمة الكبرى للمعارضة التي انسحبت منها خلال يومين ثم سيطرت عليها قوات النظام السوري.

وأثار سقوط تلك المدن والبلدات تساؤلات كثيرة حول جدية دفاع قوات المعارضة وصمودها وأسباب انسحابها المفاجئ من مدن تعتبر مهد الثورة في الشمال السوري وحول مصير ما تبقى من مناطق شمال حلب وغربها.

تفاوت القوى العسكرية

واتبعت قوات النظام السوري التي تقودها قوات روسية خاصة ومليشيات إيرانية تكتيكات عسكرية ساهمت في سقوط تلك البلدات والمدن من خلال قطع طرق الإمداد للفصائل المعارضة عبر القصف الجوي والالتفاف على القرى والخواصر الضعيفة للمعارضة، إضافة لاستهداف التجمعات السكنية والمشافي، ما حال دون استمرار بقاء المدنيين والمعارضة فيها.

ويقول ناجي مصطفى الناطق باسم الجبهة الوطنية للتحرير (أحد فصائل المعارضة) إن "قوات الاحتلال الروسي وضعت كل ترسانتها العسكرية -خاصة بريفي حلب الغربي والجنوبي- وذلك عبر قوات خاصة روسية وعبر مليشيات إيرانية للسيطرة على تلك المناطق مستخدمة سياسة الأرض المحروقة وقطع طرق الإمداد".

ويؤكد مصطفى أن قوات المعارضة خاضت معارك كبيرة وتمكنت من تدمير عشرات الآليات وقتل مئات العناصر إلا أن عدم توازن الترسانة العسكرية وغياب الأسلحة النوعية دفع قواتهم للانسحاب من تلك المناطق.

حرب استنزاف

ورغم انتكاسة المعارضة خلال الحملة الأخيرة لقوات النظام السوري وروسيا على ريفي حلب الغربي والشمالي، فإنها ما زالت تسيطر على حوالي 23% من محافظة حلب وريفها بينما تسيطر قوات النظام على نحو 53% وتسيطر ما تعرف بقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد على 24% من المحافظة.

ولا تزال قوات "الجيش الوطني السوري" والجبهة الوطنية للتحرير، التابعة للمعارضة، تملك أوراق ضغط تسعى من خلالها لخوض حرب استنزاف لوقف تقدم قوات النظام وروسيا، ومن ثم محاولة استعادة تلك المناطق.

وما زال الريف الشمالي والشرقي لحلب بنسبته الأكبر يخضع لسيطرة المعارضة ويطل على مدينة حلب من مواقع إستراتيجية، ما يعني أن أي مبادرة للهجوم قد تعطي المعارضة الأسبقية.

ويتابع الناطق باسم الجبهة الوطنية للتحرير في هذا الشأن أن قواتهم تسعى لاستنزاف قوات النظام وروسيا عبر تدمير آلياتها وقتل عناصرها دون الخوض في معارك مفتوحة معها حتى إيقاف تقدمها ومن ثم القيام بأعمال هجومية واسعة لاستعادة المناطق، خاصة أنها مساحات واسعة لا يمكن تغطيتها بشكل كامل.

الأرتال التركية

ويطرح مراقبون ومحللون أسئلة كثيرة حول الوجود التركي في شمال سوريا، وهل يُمكنه أن يفرض واقعا جديدا بعد المحادثات؟

ويجيب عبد الوهاب عاصي الباحث في مركز جسور للدراسات عن هذا التساؤل بالقول، إن من الواضح أن الحشود العسكرية التي دفعت بها تركيا نحو إدلب، لا تهدف إلى ترجيح الخيار العسكري ضد النظام السوري وحلفائه بقدر ما هي استعداد لاستخدام هذا الخيار في حال تعثر الحل السياسي والمباحثات الثنائية مع روسيا. وبالتالي يسمح هذا الوجود لتركيا برفع سقف مطالبها خلال المحادثات أو على أقل تقدير ألا تقبل بالشروط الروسية التي تريد تقويض نفوذ تركيا وتأثيرها في سوريا والإقليم.

ويقول عاصي في حديثه إنه في حال لجأت تركيا إلى استخدام الخيار العسكري لحماية مصالحها وتبديد مخاوفها الأمنية بعد تعثر السبل الدبلوماسية، فإنها سوف تعتمد بطبيعة الحال على "الجيش الوطني السوري" كركيزة للعمليات البرية، وذلك على غرار عمليات درع الفرات، وغصن الزيتون، ونبع السلام، إذ لا يمكنها أداء مهمة القتال البري بمفردها.

ومع ارتفاع وتيرة الأعمال العسكرية ومحاولة النظام وروسيا بسط سيطرتهما العسكرية على كامل سوريا وغياب الحل السياسي والمفاوضات، لا تزال المعارضة السورية تأمل بحلول سياسية، خاصة أنها تعتبر صراعها ضد النظام السوري صراعا سياسيا من أجل الحرية والكرامة وليس صراعا جغرافيا.

ويقول يحيى العريضي عضو لجنة التفاوض في المعارضة السورية، إنه رغم خسارة بعض المناطق جغرافيا فإن المعارضة لم تخسر الثورة وأهدافها، ويؤكد أن صراعها هو صراع حقوقي وسياسي وهو من حقوقها دوليا وأن "الأعمال الإجرامية التي قام بها النظام مسجلة وموثقة"، وأن "الانتصار الذي يتحدث عنه النظام هو انتصار لآلة الموت الروسية على شعب أعزل".

وحول مستقبل العملية السياسية يقول العريضي، إن "النظام السوري يعتاش على القتل والموت والدمار ولم يبحث أساسا عن حل سياسي، وهو ما دعمته به روسيا وتستمر في ذلك إلا إذا ما جاء حل يناسب تطلعاتها في سوريا".