العدد 1669 /25-6-2025

محمد كركص

أعلنت وزارة الداخلية السورية، اليوم الثلاثاء، عن تفكيك خلية تابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي مسؤولة عن التفجير الذي استهدف كنيسة مار إلياس في العاصمة دمشق يوم الأحد الماضي، والذي أودى بحياة 25 مدنياً وأصاب 63 آخرين، نافية بذلك ما ادعته جماعة غير معروفة أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم. وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، خلال مؤتمر صحافي عقده في دمشق، إن "الوزارة نفذت عملية مداهمة استهدفت أوكار التنظيم، حيث تم ضبط مستودع للأسلحة والمتفجرات، وأسفرت العملية عن تحييد أحد المتورطين في تفجير الكنيسة".

وأوضح البابا أن "التحقيقات الأولية أظهرت أن الخلية تتبع رسمياً لتنظيم داعش، ولا علاقة لها بأي نشاط دعوي"، مضيفاً أن "متزعم الخلية يُدعى محمد عبد الإله الجميلي، وهو من سكان منطقة الحجر الأسود في دمشق، وكان يُعرف بلقب والي الصحراء في صفوف التنظيم". وأشار المتحدث ذاته إلى أن الجميلي "أُوقف خلال مداهمة أمنية، وسيتم لاحقاً عرض اعترافاته المصورة بعد انتهاء التحقيقات معه"، لافتاً إلى أن "الانتحاري الذي نفذ تفجير كنيسة مار إلياس وآخر أُلقي القبض عليه أثناء توجهه لتنفيذ هجوم انتحاري في مقام السيدة زينب بريف دمشق، جاءا إلى العاصمة قادمين من مخيم الهول مروراً بالبادية السورية". وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت، أمس الاثنين، عن تمكنها من تفكيك خلية "داعش" بالتعاون مع جهاز الاستخبارات خلال عملية أمنية في منطقتي حرستا وكفربطنا بريف دمشق، وأكدت أن الخلية مسؤولة عن تفجير كنيسة مار إلياس.

وبيّن البابا أن "الخلية تم كشفها في وقت قياسي بعد مقاطعة معلومات المصادر الميدانية مع الأدلة التقنية، ومن خلال ذلك تم تحديد هوية المشتبه به الذي أوصل الانتحاري الأول إلى الكنيسة، ثم تحديد مكانه". وأضاف البايا: "قوات المهام الخاصة في وزارة الداخلية توجهت لتوقيفه، ليتبين لاحقاً وجود شخص آخر برفقته، وحصل اشتباك مسلح أدى إلى تحييد سائق الدراجة النارية الذي كان ينقل الانتحاريين، وإصابة الشخص الثاني".

وبحسب البابا، "أظهرت التحقيقات أن سائق الدراجة هو من أوصل الانتحاري الأول، وكان بصدد نقل الانتحاري الثاني إلى مقام السيدة زينب". وأوضح أنه "بناءً على اعترافات الانتحاري الثاني، تم الكشف عن الوكر الذي انطلقت منه الخلية الإرهابية، وخلال مداهمته تم إلقاء القبض على متزعم الخلية محمد عبد الإله الجميلي". وأشار إلى أن الجميلي "كشف بدوره عن وجود أربعة أوكار ومستودعات أسلحة ومتفجرات أخرى تابعة للتنظيم، وقد تمت مداهمتها جميعاً، وأسفرت العمليات عن اعتقال عناصر آخرين، وإحباط تفجير دراجة نارية كانت معدة لاستهداف تجمعات مدنية في العاصمة دمشق".

 

وأكد البابا، التزام أجهزة الأمن وإنفاذ القانون في البلاد بحماية المواطنين من مختلف التهديدات، مشيراً إلى أن الوزارة "تعاهد أهلها بأنها ستكون دائماً درعهم وسيفهم في وجه أيّ تهديد إرهابي". وأوضح أن وزارة الداخلية "ستعلن المزيد من المعلومات حول الخلية التي نفذت تفجير كنيسة مار إلياس فور انتهاء التحقيقات اللازمة، وذلك عبر معرفاتها الرسمية". وأضاف أن "سورية كانت وما تزال أرض التسامح والإخاء ومنارة الحضارة، ولن يجد الإرهاب فيها إلا ما يخيب شره"، مشدداً على أن العمل الأمني في البلاد يسير وفق "مسارات متعددة ومتوازية تشمل جوانب توعوية واجتماعية وأمنية وتواصلية، ويحاول تنظيم داعش اختراقها".

"سرايا أنصار السنة" تتبنى تفجير كنيسة مار إلياس

وفي وقت سابق اليوم، تبنّت مجموعة غير معروفة تُطلق على نفسها اسم "سرايا أنصار السنة"، العملية الإرهابية التي استهدفت كنيسة مار إلياس في دمشق. وفي تعليقه على بيان "أنصار السنة"، قال البابا إن "هذا التنظيم وهمي، ولم يتبنَّ العملية إلا بعد صدور التحقيقات الأولية عن وزارة الداخلية السورية"، معتبراً أن "تنظيم داعش تعرض لضربة أمنية قاصمة لم يكن يتوقعها خلال العملية التي أدت إلى تفكيك الخلية". وأكد المتحدث أن الوزارة "تحرص على أن تجد العدالة سبيلها الأمثل لمحاكمة هؤلاء المجرمين"، لكنه أشار إلى أنه "لا يمكن الجزم بوجود صلات خارجية للخلية الإرهابية قبل انتهاء التحقيقات الأولية بالكامل".

وفي بيان تبنيها للعملية، قالت "سرايا أنصار السنة" في بيان على تطبيق "تيلغرام"، "أقدم الأخ الاستشهادي محمّد زين العابدين أبو عثمان... على تفجير كنيسة مار إلياس". وقالت إن العملية جاءت "بعد استفزاز" من مسيحيي دمشق "في حق الدعوة وأهل الملَّة". ونفت الجماعة الرواية الرسمية حول وقوف "داعش" خلف العملية الإرهابية ووصفتها بأنها "عارية عن الصحة، وملفقة لا يسندها دليل"، مضيفة أنها "محاولة لبثّ الوهم في زمن عزّ فيه من يُخدع"، على حد تعبيرها.

ظهور غامض بعد عملية سابقة

في الأثناء، يُعد هذا التفجير هو العملية الثانية التي تتبناها المجموعة المجهولة خلال أشهر قصيرة، إذ أعلنت في مطلع فبراير/شباط مسؤوليتها عن مجزرة وقعت في بلدة أرزة ذات الغالبية العلوية في ريف حماة الشمالي، والتي أدت إلى مقتل 11 شخصاً، بينهم مدنيون وضباط سابقون في جيش نظام بشار الأسد قبل سقوطه، كما سبقها تبني المجموعة لعدد من عمليات القتل والتصفية التي طاولت عدداً من الأشخاص في مناطق متفرقة من سورية. ومن اللافت أن جميع عمليات التبني لهذه المجموعة جاءت متأخرة بيوم على الأقل عن توقيت تنفيذ الهجمات، كما حصل في مجزرة أرزة وتفجير كنيسة مار إلياس ما يثير تساؤلات حول مدى الوجود الفعلي للمجموعة على الأرض.

وفي هذا السياق، تواصل "العربي الجديد" مع عدد من الباحثين المختصين في الشؤون الأمنية والجماعات المتطرفة، وقد أكدوا جميعهم عدم وجود أدلة على وجود فعلي للجماعة، مشيرين إلى أنها لم تظهر في أي دراسات أو بحوث سابقة، وظهرت فقط بعد سقوط نظام بشار الأسد بشهرين تقريباً. ويرى هؤلاء الباحثون أن تبني الجماعة عمليات نوعية بعد فترة قصيرة من ظهورها يعزز من الفرضية القائلة بأنها كيان افتراضي، وربما تُستخدم واجهة لأجندات أخرى.

وتركّز "سرايا أنصار السنة" في خطاباتها على جميع المكونات الدينية وتركز خطاباتها على الطائفتين المسيحية والعلوية، إضافة إلى المرشدية والدروز، وتشن حملة تحريضية مستمرة عبر قناتها في "تيلغرام" ضد الحكومة السورية التي تشكلت عقب إسقاط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، متهمة إياها بـ"العمالة". كما تهاجم الجماعة يومياً الرئيس السوري أحمد الشرع، وتحرّض بشكل مباشر عليه، مستخدمة خطاباً دينياً متشدداً يدعو إلى "القصاص" و"التوبة قبل فوات الأوان". وتثير هذه التصريحات قلقاً متزايداً بين الأوساط السياسية والمجتمعية، لا سيما في ظل غياب معلومات مؤكدة عن هوية قادتها أو موقع نشاطها.