محمد هنيد

أفردت صحيفة لوموند الفرنسية العريقة، في السادس من الشهر الماضي، تقريراً استقصائياً مهماً بقلم مراسلها في بيروت «بنجمان بارت»، مخصصاً لمحمد دحلان، وشبكة العلاقات والعمليات التي نفذها في مجال ربيع الثورات المضادة. التقرير جاء بعنوان: «من غزة إلى أبو ظبي صعود الرجل الغامض محمد دحلان».
التقرير لم يحظ بالتغطية اللازمة في منصات إعلام الاستبداد العربي، بسبب سيطرة أذرع دحلان - ومن وراءه من أصحاب خزائن المال الخليجي الداعم للانقلابات - على هذه المنصات. لكنه حظي في فرنسا بتغطية كبيرة، وتناقلته أشهر المواقع الفرنسية والناطقة بالفرنسية؛ نظراً للتفاصيل الدقيقة التي احتواها التقرير.. فمن مخيمات الفلسطينيين في لبنان إلى الخليج، وتحديداً إلى دولة الإمارات، حيث تحوّل الرجل إلى عرّاب الثورات المضادة في مصر وفي تونس وفي ليبيا، وحتى في سوريا، وذلك دون الحديث عن دوره الكبير في محاربة المقاومة الفلسطينية بكل أطيافها، وهذا ما جعله يتحول في وقت قياسي إلى قطعة مركزية في كل المؤامرات التي تحاك ضد الأمة، وضدّ سعيها في التحرر والتخلص من ربقة الاستبداد، ومن أغلال العبودية التي فرضها وكلاء الاستعمار والاحتلال.
يحضر المدعو دحلان، حسب صحيفة «لوموند»، في كل مناطق النزاع، وأينما وجدت بؤر التوتر الغامضة، خاصة خلال الضربات الدامية لمعاول الثورة المضادة، بدءاً من انقلاب العسكر في مصر ومجزرة رابعة، مروراً بمحاولة الانقلاب الفاشلة في تونس خلال صيف 2013، وصولاً للمحاولة الانقلابية التي لا تزال أطوارها تتفاعل في ليبيا، مع أسير الحرب السابق حفتر.
التقرير فصّل كل مظاهر حضوره في ملفات المشرق العربي منذ طرده من منظمة التحرير، وتحوله إلى وكيل الإمارات في المنطقة لمواجهة الحركات الشعبية وثورات الحرية؛ تحت مسمى محاربة الاسلاميين ومحاربة الإرهاب. حضور المدعو دحلان لم يقتصر، كما يذكر التقرير، على إعادة بناء الشبكات الأمنية في دول الربيع العربي من أجل إسناد الثورة المضادة، بل عمل على إمداد الدولة العميقة بكل الوسائل المادية والعسكرية الممكنة؛ من أجل القضاء على الثورات.
اليوم يعود عراب الانقلابات الدامية إلى الواجهة؛ بالزيارة التي قام بها إلى تونس، مهد الربيع العربي ومهد ثورات الحرية والكرامة. ماذا يفعل المدعو دحلان في تونس؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟ وما هو دوره في إتمام الانقلاب الناعم على الثورة هناك؟
في القسم الذي أفردته صحيفة لوموند لتدخلات دحلان في تونس، كشف التقرير عن علاقة دحلان بمدير الأمن الوطني في زمن الرئيس الهارب، بن علي، وكذلك علاقته برئيس حزب مشروع تونس، (مرزوق)، حيث عمل العرّاب على دعم «اليسار الاستئصالي» المعادي للهوية العربية الإسلامية؛ مادياً، ساعياً إلى إفشال المسار الانتقالي ودفع البلاد نحو الفوضى. كيف لا وقد صرّح زعيم حزب مشروع تونس بأن البلاد تستطيع التضحية بعشرين ألفاً من أبنائها؛ في سبيل إسقاط الترويكا المكونة من حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل في الحكم خلال صيف 2013؟
هكذا، وبكل بساطة، يرسم أحد رجال دحلان في تونس خطوط الدم الممكنة للانقلاب على الشرعية، وقد تناسى أن شعب تونس أسقط الطاغية ابن علي عندما بدأ الدكتاتور الهارب في قنص التونسيين بالرصاص. لم يقتصر هدف دحلان على إفشال الثورة التونسية وإسقاطها في بحر من الدماء، بل كان يسعى بدعم إماراتي إلى خنق الثورة الليبية عبر إغلاق الحدود مع ليبيا، وقطع الإمدادات على حكومة طرابلس في سبيل دعم انقلاب حفتر.
إن سعي المدعو دحلان، ومن ورائه دولة الإمارات، إلى إفشال التجربة التونسية، وضرب مسارها الانتقالي نحو منوال ديمقراطي عربي في دولة مسلمة، يعدّ آخر أهداف الانقلابات على ربيع الشعوب. إن تحقيق هذا الهدف يساعد على تثبيت نظرية الفوضى، والتأكيد أن هذه الشعوب لا تُحكم بغير عصا الاستبداد، وأنها لا تصلح للديمقراطية ولا يليق بها إلا الحكم الفردي بما هو حكم شمولي قمعي.
 هذا الهدف ما كان ليتحقق دون نشر الفوضى  وضرب كل خطوط إمداد الثورات المتمثلة في الدول الداعمة لمطالب الشعوب في الحرية، وعلى رأسها قطر وتركيا، من ناحية أخرى. لذا، كانت شيطنة قطر وتركيا ضرورية، وتهدف إلى تشويه كل من يدافع عن الثورات، وهو الدور الذي كلف به دحلانُ إعلامَ العار وأذرعه في المنطقة..
شيطنة قطر وتركيا لم تقتصر على الداخل العربي، بل تجاوزتها إلى أوروبا، حيث عمد إلى الاستثمار في مراكز البحوث والدراسات من أجل التمكين للانقلابات، ووسم الدول المدافعة عن الثورات بالإرهاب وبدعم الإرهابيين وتمويل الإرهاب، وذلك عبر مؤسسة «أبحاث» الإماراتية.
من بين المراكز التي أنشئت من أجل شيطنة قطر وشيطنة الثورات؛ «المركز الدولي للجيوبوليتيك والاستشراف» في فرنسا، الذي يشرف عليه رجل دحلان وسفير الدكتاتور بن على السابق باليونيسكو، حيث لا هدف للمركز إلا الإمعان في محاولة تشويه قطر لدى الرأي العام الفرنسي، لكن دون جدوى.
 إن جماهير الشباب في تونس تدرك حجم الخطر الذي يمثله «دحلان» وأذرعه الداخلية على الأمن القومي والسلم الاجتماعي، وهي تدرك جيداً حجم الأموال التي ضُخت من أجل إفشال التجربة وإلحاقها بالمنوال المصري والسوري والليبي.
هذا الوعي المتقدم للجماهير التونسية، خاصة بعد انكشاف خيوط الثورة المضادة وعرّابيها، يجعل من مساعي كل أعداء الثورات محكومة بالفشل، والفشل الذريع، بل هي تعجل بقدح زناد الموجة الثورية الثانية، خاصة في المساحات التي أنجحت فيها الثوراتُ المضادة انقلاباتِها.}