محمد أمين

تنطلق الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، يوم الثلاثاء، في ظل اعتراف أممي بأن العملية السياسية في سورية «صعبة ومعقدة»، مع استمرار تعنّت النظام السوري ورفضه بحث مبدأ الانتقال السياسي، مقابل إصرار المعارضة، التي تذهب بوفد موحّد هذه المرة، على أن الانتقال السياسي القائم على هيئة حكم كاملة الصلاحيات، هو جوهر العملية التفاوضية مع النظام في جنيف تحت رعاية أممية، وتأكيدها أنها جاهزة للتفاوض حول كل شيء في هذا السياق، وليس في سياقات أخرى يحاول النظام جر التفاوض إليها. وما يزيد من تعقيد الأزمة السورية، عودة التصعيد العسكري من قِبل النظام وروسيا، الذي يتكرر قبل كل جولة من المفاوضات السياسية، مع مقتل نحو 60 شخصاً، أمس، على يد نظام بشار الأسد وموسكو في الغوطة الشرقية لدمشق ودير الزور. فقد قُتل 34 مدنياً، معظمهم من النساء والأطفال، وأصيب آخرون. كذلك أدى قصف للنظام على مدن وبلدات سويدان جزيرة، والعشارة، والقورية، ومحكان، في ريف دير الزور الشرقي، إلى سقوط إصابات في صفوف المدنيين. وفي الغوطة الشرقية لدمشق، أدى قصف جوي وصاروخي من النظام إلى مقتل 25 شخصاً على الأقل، إضافة إلى عشرات الجرحى. وتشنّ قوات النظام حملة قصف على الغوطة منذ أسبوعين، قُتل خلالها نحو مائة مدني.
وتبدأ الجولة الثامنة من جنيف، وسط انخفاض سقف التوقعات بتحقيق اختراق من شأنه التوصل إلى حل سياسي وفق القرارات الدولية الخاصة بالملف السوري، التي بقيت دون تنفيذ على الرغم من مرور سنوات على صدورها، وأبرزها بيان جنيف1 الذي صدر منتصف عام 2012، وتعتبره المعارضة المرجع الرئيسي للتفاوض. ومن المرجح أن تكون هذه الجولة على مرحلتين، يتخللها مؤتمر «الحوار الوطني السوري» الذي تعتزم موسكو عقده في سوتشي، والمتوقع عقده مطلع شهر كانون الأول. وأعلن النظام السوري، يوم الأحد، استعداده لحضور مؤتمر «الحوار الوطني». وقالت وزارة الخارجية التابعة للنظام إن «الانتصارات المتلاحقة» لقوات النظام السوري والمليشيات المساندة «دفعت إلى العمل على المسار السياسي وهيأت الأرضية المناسبة للحوار السوري-السوري».
من جهتها، أكدت روسيا أن رئيسها فلاديمير بوتين سيواصل «ماراثون» التفاوض لحل الأزمة في سورية، وفق تصريح السكرتير الصحافي للرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، الذي أضاف أنه «لا تزال هناك حاجة للقيام بعمل كبير». وأشار بيسكوف إلى أن مباحثات بوتين مع رئيس النظام بشار الأسد في سوتشي ساهمت بشكل كبير في نجاح القمة الثلاثية الروسية-الإيرانية- التركية في منتجع سوتشي.
ومع إدراك الأمم المتحدة صعوبة المضي في موضوع الانتقال السياسي بسبب رفض النظام، تحاول إنجاز تقدّم في ملفات أخرى بانتظار تسويات إقليمية ودولية يبدو أنها لم تنضج بعد، تجبر النظام على التنازل. وفي هذا السياق، أكد رمزي رمزي، نائب المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، الالتزام بالتعامل مع «السلال الأربع» (الحكم، والدستور، والانتخابات، ومحاربة الإرهاب) خلال الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، مع التركيز على سلتي الانتخابات والدستور، مشيراً في تصريحات صحافية إلى أن محادثاته مع نائب وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، ورئيس الوفد النظام المفاوض بشار الجعفري، تركزت على الإعداد لجولة مباحثات جنيف المقبلة. ولم ينف رمزي العملية السياسية في سورية «صعبة ومعقدة لأن الوضع في البلاد معقد»، مضيفاً: «نبني استراتيجيتنا على مبدأ خطوة ثم خطوة»، معرباً عن أمله بأن تساهم الجولة المقبلة بمشاركة فعالة من النظام، مع وجود وفد واحد من المعارضة «في دفع العملية إلى الأمام».
ويترأس وفد المعارضة السورية نصر الحريري، الذي سبق أن ترأس الوفد في الجولتين السادسة والسابعة، ولكن أغلب أعضاء الوفد سيتم استبدالهم بأعضاء جدد، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة الوفد على التفاوض، وهو لم يأخذ الوقت الكافي بعد لترتيب أوراقه التفاوضية، إذ لم يكد ينتهي مؤتمر الرياض2 حتى بدأت الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف. وأكد الحريري عقب اختياره رئيساً للهيئة العليا للمفاوضات، الالتزام «بمبادئ الثورة السورية»، مضيفاً: «جادون في تأسيس هيئة حكم انتقالي، من دون رأس النظام بشار الأسد»، مطالباً بإشراف الأمم المتحدة على أي اجتماعات لحل قضية الشعب السوري.
من جهته، قال عضو الهيئة العليا للمفاوضات أحمد العسراوي، إن وفد المعارضة السورية «جاهز لمناقشة كل الملفات في مفاوضات جنيف، بما فيها الانتخابات والدستور، ولكن في سياق الانتقال السياسي»، مشيراً إلى أن الهيئة «ترى أن إعلاناً دستورياً يحكم المرحلة الانتقالية على أن نضع دستوراً دائماً خلال هذه المرحلة».
وشدد العسراوي على رفض المعارضة القطعي لفكرة تشكيل «حكومة وحدة وطنية موسعة» تحكم المرحلة الانتقالية، كما يعرض نظام الأسد على المعارضة، في محاولة للالتفاف على مسألة هيئة الحكم الانتقالية، مضيفاً: «نصرّ على هيئة حكم مشتركة مع النظام كاملة الصلاحيات وفق القرارات الدولية ذات الصلة».
وليس من المتوقع أن يحصل اختراق كبير في الجولة التفاوضية المقررة يوم الثلاثاء، خصوصاً أن المعارضة لا تزال تصر على أولوية البدء في الانتقال السياسي، فيما يدفع النظام إلى تأجيل التفاوض في هذا الملف، والتركيز على ملف الإرهاب، في محاولة متكررة للقفز فوق القرارات الدولية. كما أن النظام لا يزال ينظر إلى مفاوضات جنيف على أنها «مجرد لقاءات إعلامية لا أكثر»، رافضاً مبدأ الانتقال السياسي، معتبراً بقاء أو رحيل بشار الأسد عن السلطة «خارج التفاوض».}