بسام ناصر

 عكس قرار جبهة النصرة فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، ووقف العمل باسم جبهة النصرة، وتشكيل جماعة جديدة باسم «جبهة فتح الشام»، الذي أعلنه زعيمها أبو محمد الجولاني، في تسجيل مصوّر ظهر فيه للمرة الأولى مؤخراً، مرونة عالية في التكيف مع متطلبات المرحلة الحالية، التي من أبرزها توجيه رسائل للداخل السوري، تعبر عن إمكانية قيام اتحاد موسع بين فصائل الثورة السورية المختلفة.
ومع وجود من يعارض قرار فك الارتباط باعتباره «نقض بيعة شرعية» كما عبر عن ذلك الدكتور هاني السباعي المصري، أحد صقور السلفية الجهادية المقيم في لندن، والقريب من القاعدة في تغريدة له بقوله: «مصطلح فك الارتباط الذي يستميت عليه البعض معناه نقض بيعة شرعية! أنتم فصائل كثيرة فلتتحدوا معاً دون النصرة وبيعتها للقاعدة، بشّار ينتظركم»، إلا إن قيادة الجبهة اتخذت القرار الصعب والحاسم.
بوضوح تام حدّد الجولاني الأهداف التي تسعى حركته لتحقيقها باتخاذها لقرار فك الاربتاط بالقاعدة، والتي جاءت كالتالي:
• العمل على إقامة دين الله وتحكيم شرعه وتحقيق العدل بين الناس.
• التوحد مع الفصائل المعارضة لرص صفوف المجاهدين وتحرير أرض الشام والقضاء على النظام وأعوانه.
• حماية الجهاد الشامي والاستمرار فيه واعتماد كافة الوسائل الشرعية المعينة على ذلك.
• السعي لخدمة المسلمين والوقوف على شؤونهم وتخفيف معاناتهم.
• تحقيق الأمن والأمان والاستقرار والحياة الكريمة لعامة الناس.
وتكشف الأهداف التي ستسعى «جبهة فتح الشام» إلى تحقيقها عن أن الشأن السوري الداخلي بات هو الهم الأكبر للجبهة، ومن مقتضيات ذلك إزالة كل العوائق التي تحول دون إنجاز ذلك، التي يأتي على رأسها فك ارتباطها بالقاعدة بما يعنيه من تحول أيدلوجيتها من «الجهاد المعولم» إلى «الجهاد الوطني المحلي»، ما يسهل عملية التوحد مع فصائل المعارضة السورية المختلفة، وفي الوقت نفسه الاشتغال بما يحقق الأمن والأمان والاستقرار، وتهيئة الظروف والمناخات المناسبة لحياة كريمة لعامة الناس.
وكان تنظيم القاعدة قد أعلن على لسان نائب زعيمه، أحمد أبو الخير، عبر تسجيل صوتي بثته مؤسسة المنارة البيضاء التابعة لجبهة النصرة، دعمه لتوجه جبهة النصرة نحو فك ارتباطها مع تنظيم القاعدة، الذي جاء فيه: «نوجه قيادة جبهة النصرة إلى المضي قدماً بما يحفظ مصلحة الإسلام والمسلمين، ويحمي جهاد أهل الشام، ونحثهم على اتخاذ الخطوات المناسبة تجاه هذا الأمر».
وأوضح أبو الخير في كلمته مبررات ومسوّغات فك الارتباط بقوله: «بعد دراستنا لوضع الساحة الشامية من كلا الجانبين العسكري والسياسي، وما فيه من تحدّيات وصعوبات، يرافق كل ذلك معاناة وقسوة يعيشها أهل الشام، قتلاً وقصفاً وتشريداً، فقد «استقر لدينا مع هذه الرؤية أن نعمل على الحفاظ على كل الأسباب الممكنة للحفاظ على الجهاد الشامي راشداً قوياً، ونبعد عنه كل الذرائع الواهية التي يضعها عدونا لفصل المجاهدين عن حاضنتهم من أهل السنّة».
وقد تضمنت الكلمة مقطعاً صوتياً لزعيم القاعدة، الدكتور أيمن الظواهري، قال فيه: «أخوّة الإسلام التي بيننا هي أقوى من كل الروابط التنظيمية الزائلة المتحولة، وإن وحدتكم واتحادكم وتآلفكم أهم وأعز وأغلى عندنا من أي رابطة تنظيمية، فوحدتكم واتحادكم ووحدة صفكم تعلو فوق الانتماء التنظيمي والعصبية الحزبية»، وهو ما يعكس حرص الظواهري ودعمه لقرار فك الارتباط، من أجل تحقيق وحدة فصائل المعارضة واتحادها.
ما قاله الظواهري وأبو الخير نابع من رحم مراجعة التنظيم لمسيرته السابقة، التي تمثلت في حرص التنظيم على «الحواضن الشعبية» الحامية والداعمة للتنظيمات الجهادية، واستشعار الأخطار الجسيمة المحدقة بفصائل المعارضة، فالجهاد لم يعد جهاداً نخبوياً في مواجهة كل هذه التحالفات الدولية، بل هو جهاد أمة وشعوب، فلا بدّ من صهرها في بوتقة الجهاد، وإقامتها على صعيد واحد في دعمه وتأييده ومؤازرته، وهو ما يُلزم تلك التنظيمات بالمحافظة على تلك الحواضن، والسعي الجاد والحثيث لخدمتها وتخفيف معاناتها الشديدة والقاسية.