العدد 1694 /17-12-2025
سلام حسن
تتزايد المؤشرات على تنفيذ جزئي ومتدرّج لبعض بنود
اتفاق العاشر من مارس/ آذار بين الحكومة السورية و"قوات سوريا
الديمقراطية" (قسد)، في وقتٍ يترافق فيه المسار التفاوضي مع تسريبات بشأن
تحركات إقليمية لـ"قسد"، بالتوازي مع تصاعد توترات ميدانية على نقاط
تماس حساسة شمال حلب وشرقها، ولا سيما في محيط سد تشرين ودير حافر. وأفادت مصادر
سياسية مطّلعة بأن الاتفاق الموقع في مارس بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، وقائد
"قسد"، مظلوم عبدي، لم يتوقف عملياً، رغم تعقيدات المشهد السوري، مشيرةً
إلى أن لجاناً مشتركة لا تزال تواصل بحث آليات تنفيذ بنوده، ولا سيما ما يتصل
بملفي الدمج العسكري وشكل الدولة.
وفي هذا السياق، قال الرئيس المشترك لمكتب
العلاقات في "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد)، حسن محمد علي، في مقابلة
مع قناة "المشهد"، إن الاتفاق "غير محدد بسقف زمني قصير"،
معتبراً أن تراكم الأزمات خلال عقود، وخصوصاً خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة،
يتطلب "الصبر والإرادة السياسية من الطرفين". وأضاف محمد علي أن وفد
شمال وشرق سورية يمتلك "إرادة كاملة" لتنفيذ اتفاق العاشر من مارس،
كاشفاً عن "بوادر إيجابية" وإمكانية إعلان أخبار متقدمة نهاية العام
تتعلق ببعض البنود.
وأوضح أن الحكومة السورية أرسلت ورقة مقترحات تخص
الدمج العسكري، مضيفاً أنه جرى التوافق مبدئياً في دمشق على تشكيل ثلاث فرق عسكرية
لـ"قسد" في شمال سورية وشرقها، على أن تبقى التفاصيل الفنية والتنظيمية
قيد النقاش بين اللجان المختصة، بما يشمل طبيعة العلاقة مع وزارة الدفاع وآليات
الحركة والانتشار. وفي الشق الدستوري، أشار إلى وجود "توافق مبدئي" على
مبدأ اللامركزية، لافتاً إلى عقد لقاءات إدارية في حلب مع محافظي دمشق وحمص وحلب،
وبدء نقاشات حول الصلاحيات الإدارية. كذلك أكد وجود قبول دولي متزايد لفكرة
اللامركزية، مع الحاجة إلى تطوير نموذج سوري يراعي خصوصية البلاد وتنوع مكوناتها.
زيارة بيروت بين التوضيح والتسريب
بالتوازي، أثارت زيارة وفد من "قسد"
لبيروت جدلاً سياسياً واسعاً، بعد تسريبات تحدثت عن لقاءات مع أطراف لبنانية
موالية لإيران، من بينها "حزب الله". وفي تصريحٍ خاص لـ "العربي
الجديد، نفى ممثل "الإدارة الذاتية" في لبنان، عبد السلام أحمد، الطابع
السياسي التحالفي للزيارة، مؤكداً أن الحضور إلى بيروت كان "دبلوماسياً
سياسياً مدنياً تعريفياً"، ويهدف إلى فتح قنوات تواصل مع الحكومة اللبنانية
والقوى السياسية والثقافية والإعلامية، وشرح تجربة "الإدارة الذاتية"
بكونها نموذجاً لامركزياً.
وأوضح أحمد أن النشاطات اقتصرت على لقاءات سياسية
وفكرية، وندوات ثقافية، ومشاركات إعلامية "ضمن إطار علني يحترم القوانين
اللبنانية"، مشيراً إلى عقد لقاءات محدودة مع جهات أمنية لبنانية رسمية،
اقتصرت على ملفات تقنية، أبرزها آليات تسليم نساء لبنانيات مع أطفالهن من عوائل
تنظيم "داعش" في مخيم الهول، وبحث مخاطر تصاعد نشاط التنظيم والتحديات
الأمنية المشتركة. وشدد على أن زيارة الوفد "جرت علناً" وأُعلنَت رسمياً
من قبل وزير الداخلية اللبناني أحمد الحجار.
من جهته، قال رئيس حزب "السلام" وعضو
المكتب السياسي لـ"مجلس سوريا الديمقراطية"، طلال محمد، في تصريح
لـ"العربي الجديد"، إن كلمة عبدي حملت رسائل متعددة، مفادها أن اتفاق
العاشر من مارس يمكن أن يشكل أساساً لدستور سوري جديد، وأن "قسد" تسعى
للانتقال من قوة عسكرية محلية إلى "لاعب سياسي وطني" ضمن إطار الدولة،
على أساس اللامركزية وضمان حقوق المكونات.
وأضاف أن الخطاب تضمن رسائل طمأنة إقليمية، خصوصاً
لتركيا، بأن وجود "قسد" لا يشكل تهديداً لدول الجوار. واعتبر أن
"مسد"، الذي تأسس أواخر عام 2015 ليكون مظلة سياسية لـ"قسد"،
يقف اليوم أمام مفترق طرق، بين التحول إلى فاعل وطني جامع، أو البقاء محصوراً في
إطار جغرافي ضيق، مشيراً إلى أن شرعنة اللامركزية دستورياً تمثل "نقطة قوة
وضعف في آنٍ واحد"، في ظل قبول دولي مقابل تحفظات داخلية ومخاوف إقليمية.
ميدانياً، ألقت التطورات الأمنية بظلالها على مسار
التفاوض، إذ أعلنت "قسد"، اليوم الثلاثاء، إصابة اثنين من مقاتليها جراء
انفجار طائرة مسيّرة انتحارية في أثناء إسعاف مدنيين قرب دير حافر شرقي حلب، متهمة
فصائل تابعة للحكومة السورية بتنفيذ الهجوم. واعتبرت "قسد" استهداف فرق
الإسعاف "تصعيداً بالغ الخطورة" وانتهاكاً للقوانين الدولية، محمّلة
الحكومة في دمشق مسؤولية التداعيات، مع تأكيدها الاستمرار في "حماية
المدنيين" واحتفاظها بحق الدفاع عن قواتها. وتأتي هذه الحادثة في ظل احتكاكات
متكررة على خطوط التماس قرب سد تشرين ودير حافر، ما يضع مسار تنفيذ اتفاق مارس
أمام اختبار ميداني وسياسي صعب.