العدد 1695 /24-12-2025
مالك نبيل
على وقع مشاركة وزير المالية الإسرائيلي المتطرف
بتسلئيل سموتريتش لجموع المستوطنين المقتحمين لأراضي الفلسطينيين في منطقة البويرة
شرق الخليل، جنوبي الضفة الغربية، أمس الاثنين، في ثامن أيام "عيد
الحانوكا" اليهودي، أعلن عن تدشين حيّ استيطاني يدعى "أوروت
نتنئيل" يتبع لمستوطنة "كريات أربع" المقامة شرق المدينة؛ في خطوة
يُنظر إليها كجزء من مخطط أوسع لربط المستوطنات المنتشرة شرق الخليل بمجمع غوش
عتصيون جنوبي بيت لحم، بما يعزز السيطرة الإسرائيلية على هذا الشريط الحيوي.
وكانت جماعات استيطانية قد أنهت مطلع الشهر
الماضي، أعمال إنشاء الحيّ الاستيطاني الذي أقيم على عشرات الدونمات، فيما جرّفت
آليات الاحتلال الطرق الواصلة بين الحيّ وبين مستوطنة "خارصينا" ورصفها
المستوطنون بمواد أولية (بسكورس)؛ لتسهيل مرور المركبات منها، قبل أعمال تعبيد
الطرقات. وبعدما أطلق المستوطنون على الحيّ الاستيطاني قبل نحو شهر ونصف اسم
"بيت إينوت"، جاء مجلس مستوطنات الخليل ليعلن عن تدشين البؤرة لتكون ضمن
أحياء مستوطنة "كريات أربع" المقامة على أراضي الخليل رغم وقوعها خارج
حدودها، وليكون الإعلان عن اسم الحي الاستيطاني مرتبطًا باسم المستوطن "ناتي
عوزري" الذي قتل عام 2003 في ذات موقع الحيّ الاستيطاني بعد محاولته إقامة
بؤرة في المكان.
ويقول محمود جويحان، أحد أصحاب الأراضي في منطقة
البويرة شرق الخليل، لـ"العربي الجديد"، إن "قوات الاحتلال
الإسرائيلي أغلقت الطرق المؤدية إلى جبل جويحان الذي أقيمت عليه البؤرة منذ ساعات
صباح أمس الاثنين". ويضيف جويحان: "خلال اليومين الماضيين، وضع
المستوطنون لافتات على الطرق المؤدية إلى البؤرة، قبالة منازل الأهالي، كُتب عليها
أن المرور ممنوع بين الساعة العاشرة صباحًا والثانية عصرًا دون أي إخطار رسمي
للسكان من جيش الاحتلال".
وخلال ساعات النهار، كانت تصل إلى المكان حافلة أو
اثنتان كل ساعة، تنقل المستوطنين إلى البؤرة، بالتزامن مع تنظيم فعاليات ترفيهية
في الموقع، إذ حضر ما لا يقل عن ثماني حافلات، نقلت أكثر من 300 مستوطن إلى المكان
للمشاركة في تدشين البؤرة، وفق جويحان، الذي أضاف: "خلال وجود المستوطنين
واحتفالهم، مُنعنا من الحركة عبر المدخل المؤدي إلى جبل جويحان ومنطقة البويرة،
وهو المدخل الرئيسي الذي نستخدمه يوميًا للوصول إلى منازلنا وأراضينا".
ويشير جويحان إلى أن اللافتات التي وُضعت في
المكان كُتب عليها اسم "تل 26"، مؤكدًا أنه لم يتم إبلاغهم بأي قرار
رسمي من الارتباط الفلسطيني، أو هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، أو
بلدية الخليل، ولا حتى من الإدارة المدنية التابعة للاحتلال عن وجود إغلاق للمنطقة.
ويقول: "علمنا بمنع الحركة فقط من خلال اللافتات التي علقها أحد المستوطنين
المقيمين في البؤرة، ومن صفحات مواقع التواصل التابعة لمستوطنة كريات أربع".
ويتابع جويحان: "قبل يومين، سقطت إحدى
اللافتات عن أحد الأعمدة بفعل الرياح، فاتهمنا أحد المستوطنين بإسقاطها عمدًا،
وإثر ذلك، اقتحمت قوات الاحتلال محيط منزلنا برفقة المستوطن، وهددت بالضرب
والتخريب وحرق المركبات في حال تكرار الحادثة، رغم أن أحدًا لم يقترب من اللافتات،
وقد أثبتنا لشرطة الاحتلال، عبر كاميرات المراقبة، أن اللافتة سقطت دون تدخل
بشري". ويشير جويحان إلى أنه في تلك الأثناء كان أحد المستوطنين الرعاة يرعى
أغنامه قرب منزلهم، ويهدّدهم بالاعتداء عليهم.
وتضم البؤرة الاستيطانية (الحي الاستيطاني) حاليًا
ما لا يقل عن 10 بيوت متنقلة، وعشرات المركبات التي تتحرك فيها يوميًا، ومنذ اليوم
الأول لإقامتها، عمد المستوطنون إلى تمديد خطوط مياه وكهرباء، ثم سرقوا خطوط
كهرباء من أعمدة الكهرباء التابعة لبلدية الخليل، ويستخدمونها لتشغيل ثمانية
كشافات إضاءة عالية تعمل على مدار 24 ساعة. ويقول جويحان: "أبلغنا بلدية
الخليل بذلك، حيث وثقت الاعتداء تمهيدًا لمتابعته قانونيًا، علمًا أن هذا الاعتداء
أدى تلقائيًا إلى خفض نسبة الكهرباء التي تصل إلى منازلنا".
ويؤكد جويحان أنه حتى الآن لم يتواصل أي طرف رسمي
معهم لمتابعة الإجراءات القانونية أو لمواجهة شرعنة هذه البؤرة وتوسعها، في ظل
تقصير واضح من العائلات والسكان في التعامل الجدي مع هذا الملف. وجاء الإعلان عن
إقامة الحيّ الاستيطاني وسط مشاركة استيطانية حاشدة، ترأسها وزير المالية
الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، ووزيرة الاستيطان أوريت ستروك، التي تزعّمت
احتفالات "الحانوكا" على قمة جبل طاروسا من أراضي بلدة دورا غرب الخليل،
وفي الحرم الإبراهيمي، إلى جانب مشاركة عضو الكنيست ميخائيل بن آري، ورئيس مجلس
مستوطنات الخليل يسرائيل برمسون، بدعم حركة الصهيونية الدينية، و"نحالا"
الاستيطانية.
ويؤكد مستشار مركز أبحاث الأراضي جمال العملة،
لـ"العربي الجديد"، أن سلطات الاحتلال تعمل وفق خطط منهجية لتطويق شرق
الخليل بسلسلة من البؤر، وربطها بشوارع التفافية، بهدف محاصرة القرى والأحياء
الفلسطينية وعزلها، مشيرًا إلى أن المستوطنين لا يتركون بقعة واحدة دون استهداف.
ويوضح العملة أن الذرائع التي يستخدمها المستوطنون مرتبطة غالبًا بالصلة الدينية
والتاريخية للمواقع وتصدير روايات مضادّة بأنها مناطق سرقها الفلسطينييون، وفق
زعمهم.
وتُظهر هذه السياسة، وفق العملة، جوهر النهج الذي
تتبعه الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي
المتطرف إيتمار بن غفير، وبدعم مباشر من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث يجري
التركيز على التوسع السريع وفرض وقائع ميدانية يصعب التراجع عنها لاحقًا. كما أن
عدم استجابة الحكومة الإسرائيلية لمطلب المجلس الأعلى للاستيطان بضمّ الضفة
الغربية، دفعها إلى "تثبيت حقائق جديدة على الأرض، من بينها اعتبار البؤرة
الاستيطانية جزءًا من مستوطنة "كريات أربع"، وكأنها امتداد طبيعي لها،
وخالقة حالة من الضمّ الفعلي على الأرض".
ويبيّن العملة أن سياسة "تسليح
المستوطنين" التي اتخذها بن غفير إلى جانب دمجهم ضمن قوات حرس الحدود
الإسرائيلي، غيّرت قواعد المحاسبة كليًا للمستوطنين الذين باتوا يستسهلون إقامة البؤر
في أيّ مكان. ويوضح العملة: "في السابق، كان المستوطن يُعد مدنيًا، ويمكن
تقديم شكوى ضده في حال اعتدائه على الفلسطينيين، ولم يكن يحق له طلب الهويات، وإذا
أطلق النار كان يُحاسب، ولو شكليًا، أما اليوم، فقد تلاشت هذه الحدود تمامًا، وهذا
شجّع المستوطن على إقامة البؤر في كلّ مكان".
ويشير العملة إلى أن الأراضي المحيطة بمنطقة
البقعة المحاذية لمنطقة جبل جويحان، الممتدة من بيت عينون شمال شرق الخليل إلى
بلدة بني نعيم شرقًا، تُعد من أخصب وأعلى وأجمل أراضي فلسطين، وتقع بمحاذاة الشارع
الالتفافي من الجهتين اليمنى واليسرى. ويؤكد أنه "لو وُجد عمل استراتيجي
فلسطيني حقيقي لكان بالإمكان الحد من هذا الزحف الاستيطاني في هذه المناطق
الحيوية، لكن غياب الفعل الفلسطيني سيترك المنطقة تغرق بالاستيطان، ليتحوّل الشارع
الالتفافي إلى ممر داخل كتل استيطانية، على غرار ما هو قائم في مجمع "غوش
عتصيون" المقام على أراضي بيت لحم والخليل".
ويشرح العملة أن المخطط المركزي يتمثل في ربط
مستوطنة "كريات أربع" بمستوطنة "خارصينا" والبؤرة الاستيطانية
الجديدة، وتحويل الأراضي السهلية بين البؤرة إلى أراضٍ زراعية لمصلحة المستوطنين،
أو حدائق عامة، أو مناطق صناعية، بما يضمن استغلالها الكامل لمصلحة الاستيطان رغم
عدم إعلان الاستيلاء عليها حتى اللحظة، مؤكدا أن هذا التوسع يؤدي عمليًا إلى تهجير
الفلسطينيين.
ويشير المتحدث ذاته إلى أن جميع الأراضي المحاذية
للشارع الالتفافي الاستيطاني مصنفة ضمن المنطقة (ج) أي خاضعة للسيطرة الأمنية
الإسرائيلية، ويجري العمل فيها على هذا الأساس القانوني. ويتوقع أن تُعزل مستقبلًا
منطقة بيت عينون وما حولها مثل البويرة، والبقعة عن مدينة الخليل، وتُحاصر بأوسع
نطاق من المستوطنات، يرتبط بالبؤرة الاستيطانية في بلدة سعير جنوب شرق المدينة، مع
مستوطنة "معالوت حلحول" شمالًا. ويحذّر العملة من أنه "في حال
أُحيط الشارع الالتفافي بالكامل بالاستيطان، فلن يرى المار سوى المستوطنات، ما
يعني تغييرًا واضحًا للمعالم الجغرافية على الأرض". في المقابل، بحسب العملة،
ستُهجَّر العائلات الفلسطينية القليلة التي ما زالت صامدة أمام نشاط جمعيات
استيطانية تعمل على جلب الدعم الخارجي لمشاريع التهويد، إلى جانب حشد الدعم الرسمي
من دولة الاحتلال.
ويؤكد العملة أن المستوطن ينظر في البؤر الجديدة
إلى وجوده بها باعتباره واجبًا دينيًا ومشروعًا اقتصاديًا في آن واحد كما هو الحال
في بؤرة "أوروت نتنئيل" الاستيطانية، حيث يمكن لمن يستوطن في هذه البؤرة
خلال فترة قصيرة أن يحقق ثروة كبيرة، عبر الرواتب الشهرية التي يحصل عليها هو
وأفراد أسرته، إضافة إلى تغطية جميع النفقات من بيوت متنقلة (كرفانات) وآليات
ومعدات على حساب الجمعيات الاستيطانية، فضلًا عن عائدات الزراعة وتربية المواشي
والمشاريع الصناعية.