حسين عبد العزيز

تشهد المرحلة الثالثة من عملية «درع الفرات» بطئاً لم تشهده المرحلتان الأولى والثانية (السيطرة على جرابلس وعلى الشريط الجغرافي الممتد نحو بلدة الراعي غرباً).
 تركيا وفصائل «الجيش الحر» ولأسباب عسكرية، تريد تطويق مدينة الباب من الشمال والشرق قبيل اقتحامها، وهذا ما يتطلب خلوّ المنطقة الممتدة من منبج إلى أعزاز من أي وجود عسكري كردي، خوفاً من وجود طابور خامس قد يعرقل العملية العسكرية أولاً، ولعدم تقديم إنجاز عسكري في الحرب ضد «تنظيم الدولة» دون الحصول مسبقاً على مكتسبات ثانياً، ولمنع تنظيم الدولة من القيام بهجمات التفافية كما حدث مع الهجوم الذي شنه على معبر أطمة غربي حلب ثالثاً.
 لكن أمام تركيا وفصائل «الجيش الحر» مهام صعبة تتمثل في:
 ـ-  تحرير القرى التي تخضع لسيطرة تنظيم الدولة شمال غرب مدينة الباب (اخترين، صوران، دابق)، ومن دون السيطرة على هذه القرى لن تتمكن تركيا وفصائل الحر من إنشاء منطقة آمنة تمتد من جرابلس شرقاً إلى أعزاز غرباً مع عمق يصل إلى منبج والباب، وهي منطقة تمتد على عرض نحو مئة كيلومتر.
وعلى الرغم من نجاح «درع الفرات» في السيطرة على قرية تركمان بارح الواقعة على بعد ثلاثة كيلومترات شرقي قرية دابق، إلا أن معركة دابق ستكون الاختبار الفعلي الأول للمرحلة الثالثة من العملية العسكرية لفصائل المعارضة، لأن لها عمقاً أيديولوجياً يتجاوز مكانتها الجغرافية.
- معركة الباب تختلف كثيراً عن معركة جرابلس، فالأخيرة لم تكن ذات قيمة عسكرية لكل أطراف الصراع بسبب موقعها الملاصق للحدود التركية، ووقوعها في منتصف المسافة الحدودية بين الشمال الشرقي لسوريا والشمال الغربي، ولإدراك الفرقاء أنها تنضوي ضمن العمق القومي التركي، والمعركة فيها ستكون لصالح أنقرة بطبيعة الحال.
أما الباب، فتشكل المعقل الأهم للتنظيم في حلب وقلعته الرئيسة، وليس من السهولة اختراق المدينة، والمعطيات التي مكنت فصائل «الجيش الحر» بدعم تركيا لن تكون متوافرة في معركة الباب، لأسباب عدة، أهمها البعد الجغرافي واقتراب قوات النظام من المدينة، وهنا يكمن أحد أهم الأسباب في إصرار أنقرة على انسحاب الأكراد إلى شرق الفرات كي لا تقع فصائل «الجيش الحر» بين مطرقة قوات النظام في الجنوب وسندان «وحدات الحماية» في الشمال.
وعند هذه النقطة أيضاً يأتي البعد الدولي لمعركة الباب، فالأمر يتطلب ضوءاً أخضراً أمريكياً، لأن السيطرة عليها ستضع فصائل المعارضة المدعومة من تركيا على تماس مباشر مع قوات النظام، وهو أمر مرفوض الآن روسياً وأمريكياً.
- إمكانية انتقال قوى إسلامية للقتال مع تنظيم الدولة بعد صدور فتاوى تحرّم القتال إلى جانب تركيا والحر، وفي حال حصول ذلك، فإن المرحلة الثالثة من عملية «درع الفرات» ستصبح في مفترق طرق.
- السقف العسكري والسياسي للعملية، فالولايات المتحدة وروسيا لم يسمحا لتركيا بهذه العملية إلا بعيد حدوث ضمانات متبادلة، يتنازل الأمريكيون والروس للأتراك في الملف الكردي، مقابل تأكيد أنقرة أن هدف العملية دحر تنظيم الدولة بالاعتماد على «الجيش الحر» وقوى عربية في الشمال، وعدم الاستعانة بأية فصائل إسلامية، بما فيها «أحرار الشام» المدعومة من تركيا.
وإذا كان الواقع العسكري الآن يسمح بهذه المقايضة، فإن الأمر قد لا يكون على حاله بعد أشهر، إذا نجح النظام والروس في الهيمنة على حلب أو على الأقل إسقاطها عسكرياً وإخراجها من المعادلة.
وفي اليوم التالي لحصول ذلك، لن يبقى النظام مكتوف الأيدي حيال المناطق التي يسيطر عليها الحر بدعم من تركيا، وهي مناطق قد تتحول بفعل التغيرات السريعة في الساحة السورية إلى منطقة آمنة أو عازلة، وعليه يرجح أن تعود الأمور إلى مربعها الأول، اللهم إلا إذا كانت صفقة مدينة حلب من ضمن الصفقة الأمريكية الروسية التركية.
وما يدعم وجهة النظر هذه عودة حصار المناطق الشرقية لمدينة حلب، والهجوم الشرس الذي يشنه النظام والروس على المدينة.