حازم عياد

بعد انتهاء الرئيس محمود عباس من القاء كلمته امام مجلس الأمن منذ أيام، انسحب من الجلسة ليفجر غضباً أمريكياً وإسرائيلياً؛ فالمندوب الصهيوني قال في تعليقه على مغادرة الرئيس للجلسة لأبو مازن بأنه «انتهى»؛ عبارة تحمل الكثير من التهديد والوعيد لرجل تجاوز الثمانين عاماً.
المرحلة الجديدة لما بعد حقبة الرئيس محمود عباس تثير الكثير من القلق والتوتر، دافعة اطراف المعادلة الى التفكير الجدي بالمرحلة التي تتبع غياب الرئيس الفلسطيني؛ باعتباره عراب أوسلو، بل المتزعم للحل المرحلي والسلمي منذ عام 1968، الذي تبلور في عام 1972، ولعل هذا التوتر وذلك القلق بات بالامكان تلمسه من خلال التخبط الحاصل في المشاريع والصفقات السياسية المقترحة أمريكياً.
وللدلالة على أهمية الرجل، أشير الى أحد التعليقات اللافتة للانتباه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» لمواطن أمريكي داعم للوبي الصهيوني، ففي تعليقه على خبر نقلته صحفية أمريكية مناصرة بقوة للكيان عن خطاب عباس في مجلس الأمن قوله: «هذا هو الرجل الذي بشرتم به وروّجتم له منذ سبعينات القرن الماضي!»؛ ذلك ان أبو مازن كان رقماً مهماً ولافتاً للانتباه للدوائر الأمريكية منذ تلك الحقبة، والرهان على دوره السياسي وتوجهاته البراغماتية كان عالياً جداً؛ تم استثمارها بقوة في تسعينات القرن الماضي، وبعيد وفاة الزعيم الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات.
محمود عباس أدرك ان العملية السلمية التي كرس حياته لها منذ سبعينات القرن الماضي الى الآن وصلت الى طريق مسدود، ورهانه على الأمريكان بات سراباً وصحراء مقفرة، ورغم ذلك فإنه لم يتخلّ عن خطابه السياسي التقليدي مع نزعته الواضحة بالتحذير من السياسة الأمريكية التي لم تلتزم تعهداتها رغم التزام عباس وأنصار التيار ما سمي بالسلام ومن ورائهم الفلسطينيون بأوسلو حتى عام 1999 وما بعده (مشروع دايتون).
النقاش حول مستقبل السلطة ما بعد محمود عباس بات اكثر جدّية الآن، ليس فقط بسبب انهيار العملية السلمية، بل لأن الرقم المهم والعراب المنظر لهذا التوجه في الساحة الفلسطينية بلغ من الكبر عتياً، وبات أكثر عناداً وتشاؤماً من إمكانية الوصول الى حل سياسي بالأدوات السلمية، مستنبطاً النتائح المترتبة عن ذلك بعقلية الباحث والأكاديمي لا بعقلية السياسي وصانع القرار.
الشعور بنهاية هذا النهج لم تقتصر على الرئيس الفلسطيني عباس، إنما نجد لها ترجمة في تصريحات كبير المفاوضين صاحب المقولة الشهيرة «الحياة مفاوضات» صائب عريقات بقوله إن «الرئيس الحقيقي للسلطة هو ليبرمان».
في خضم هذه الحالة لم تتمكن الفيدرالية الامريكية والكيان الإسرائيلي من فرض كامل شروطهما وتصوراتهما على السلطة، سواء من خلال صفقة القرن لإعادة ترتيب أوراق الاحتلال وهيكلته أم اعادة تدويره التعبير الأدق عن الجهود الصهيونية والأمريكية القائمة. كذلك لا يبدو في الأفق ان الدول العربية الصديقة والمتعاونة والمتحالفة مع أمريكا قادرة فعلياً على انتاج حالة فلسطينية تمثل امتداداً لنهج التفاوض اللانهائي، لم تنجح الجهود نتيجة الخلاف والتنافر بين الدول العربية، وهزالة البدائل السياسية المقترحة في تقديم بديل ولو مرحلي لحقبة ما بعد الرئيس محمود عباس.
لعل هذا ما دفع مسؤول العلاقات الدولية في حركة حماس الى القول: «نُعد لمرحلة ما بعد عباس، ودحلان ليس خيارنا»، كذلك فإنها تفسر تصريحات «أبو مرزوق» من المصالحة التي حمل فيها الرئيس عباس مسؤولية التأخر في تسريع خطوات المصالحة التي بدت أكثر من قبل مرهونة بقدرة قيادة السلطة في رام الله على طرح بدائل ممكنة للرئيس عباس، لتوحي بأن الرئيس يرغب في نقل الملف للرئيس القادم، ليستثمر في الاوراق التي يمتلكها لتعزيز مكانته في السلطة ولتسريع خطوات المصالحة كإنجاز ممكن للمسؤول الجديد.
في كل الأحوال، لم تعد مسألة خلافة الرئيس عباس قضية من الممكن نقاشها في الغرف المغلقة، فهي الآن تطفو على السطح باعتبارها القضية الأهم، وفي ضوئها ستقرر الكثير من الحقائق والتغيرات وسيحدد المسار العام الذي سيتطور فيه ملف القضية الفلسطينية، فهي معركة تقرع أبواب البيت الفلسطيني بقوة وإلحاح.}