محمد أمين

تراوح العملية السياسية في سورية مكانها ودخلت في مرحلة «انسداد الآفاق»، بحسب ما يعتقد مراقبون، مرجحين أن الجهود الدؤوبة للمبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، من أجل التوصل إلى حل سياسي، ستذهب سدى في ظل تعنت وتصلب نظام بشار الأسد واستمراره مع حلفائه في قتل المدنيين، ما يطرح احتمال أن يعمد الموفد الأممي إلى إعلان «يأسه» وتخليه عن مهامه على غرار أسلافه.
ورمى دي ميستورا الكرة في ملعب مجلس الأمن الدولي، عندما أشار يوم الخميس 23/6 إلى أن فرص عقد جولة جديدة من محادثات السلام السورية ستكون أوضح بعد أن يناقش مجلس الأمن الخيارات المختلفة في 29 حزيران الجاري».
في موازاة ذلك، كانت الولايات المتحدة، تؤكد من جديد خلال الأيام الماضية، أنها لن تتدخل عسكرياً للضغط على نظام الأسد كي ينصاع للقرارات الدولية ويبذل ما يكفي لتسهيل التوصل لاتفاق سياسي يسهم في وضع حد لسفك الدماء الذي يمارسه بحق المدنيين، ويؤسس لمرحلة انتقالية تقودها هيئة حكم كاملة الصلاحيات دون وجود للأسد. وهو ما ترجم بتصريحات المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إرنست، والتي قال فيها إن بلاده ليست في صدد التفكير باستخدام القوة ضد نظام الأسد، مشيراً إلى أن ذلك قد يؤدي إلى حرب شاملة، ويشتت الجهود لإلحاق الهزيمة بتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش).
في غضون ذلك، تقول مصادر في الائتلاف الوطني السوري، إنها باتت مقتنعة بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما «سيرحّل القضية السورية إلى الإدارة المقبلة، وأنه ليس في صدد مواجهة الإصرار الروسي على دعم بشار الأسد ونظامه، والضغط أكثر على المعارضة من خلال اتباع سياسة التوحش والفتك بالمدنيين». وتشير المصادر نفسها إلى أنها «باتت مقتنعة بأن دي ميستورا لم يعد بإمكانه فعل أي شيء من شأنه أن يفضي إلى بدء مرحلة انتقالية في سورية خلال الصيف الجاري، كما تأمل الأمم المتحدة». ووفقاً للمصادر فإن «اجتراح الحلول مهمة صعبة في ظل تمسك بشار الأسد بالسلطة، وعدم الاكتراث بالقرارات الدولية، مستفيداً من دعم روسي وإيراني، وعدم قدرة الحلفاء الإقليميين للمعارضة السورية على فعل شيء قادر على موازنة الكفة السياسية، إثر تكبيل الولايات المتحدة لهم».
دي ميستورا يلحق بأقرانه
وتشير المصادر إلى أن دي ميستورا بدأ في الآونة الأخيرة يشعر بـ«اليأس»، وبينما تلفت إلى أنه «أطول عمراً من سابقيه، ويمتلك قدرة على الصبر»، تعبّر عن اعتقادها أنه «بات قريباً من الاستقالة، وقد رشح عنه أنه بات يشعر بخيبة الأمل، ولا يدري لمن يصغي».
وكان الموفدان الدوليان السابقان إلى سورية، كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، قد أعلنا استقالتهما عقب اصطدام جهودهما بحائط رفض الأسد التخلي عن السلطة، وعدم قبوله بحلول سياسية تساعد على إنهاء مأساة ملايين السوريين. وأعلن عنان في بداية شهر آب من عام 2012 تخليه عن مهامه كموفد من قبل الأمم المتحدة إلى سورية، مشيراً إلى أنه لم يتلق دعماً من المجتمع الدولي، مؤكداً أن «تصاعد العسكرة على الأرض، وانعدام الإجماع في مجلس الأمن الدولي، غيّرا دوري بشكل جذري».
وجاءت استقالة عنان في حينه بعدما كان قد نجح في إصدار ما يُسمّى بيان «جنيف1» أواخر حزيران من عام 2012، الذي تتمسك به المعارضة أساساً للحل، وهو يدعو إلى «إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية، وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية، ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة»، وفق ما جاء في البيان. ولم ينتظر خلفه الأخضر الإبراهيمي طويلاً قبل أن يعلن هو الآخر استقالته بعد فشل مفاوضات «جنيف2» في شباط من عام 2014، حين أغلق الأسد كل أبواب السياسة إثر إصراره على إجراء انتخابات رئاسية، ومضيّه في خيار الحسم العسكري الذي جعل سورية عرضة للتقسيم الدموي.
النظام.. ومؤيّدوه
اتهمت المعارضة السورية روسيا باستخدام أسلحة محرمة دولياً في سورية، داعيةً الأمم المتحدة إلى فتح تحقيق بهذا الشأن، مشيرةً في رسالة وجهها منسق اللجنة العليا للتفاوض، رياض حجاب، إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إلى أن قوات جوية روسية «أطلقت بصورة متكررة قنابل حارقة وقنابل عنقودية لقتل وترهيب المدنيين السوريين ومن بينها عشر حوادث موثقة على الأقل». وأضافت الرسالة: «لقد انتهكوا معاهدة حظر وتقييد أسلحة تقليدية معينة وخرقوا القانون الإنساني الدولي». ووثق ناشطون سوريون استخدام مقاتلات روسية لقنابل حارقة، وأخرى عنقودية في قصفها لمناطق تسيطر عليها المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي خلال الأيام القليلة الماضية.
وتصر المعارضة السورية على أن تنحي الأسد عن السلطة شرط أساس من أجل بدء عملية انتقالية مجدية في سورية، تساعد في تجنيب البلاد سيناريوهات «مفزعة»، في مقدمتها التقسيم. في المقابل، يتمسك الأسد بالسلطة مهدداً بمواصلة «سفك الدماء» لتحقيق غايته وفرض نفسه، وهو يبدو غير مكترث بالجهود الدولية، مكتفياً بالسيطرة على جزء من الجغرافيا السورية، ومسلطاً مقاتلاته على المناطق التي تقع تحت سيطرة قوى المعارضة وتنظيم «داعش» ومرتكباً المجازر باستمرار. وفي السياق، يشير مصدر في الائتلاف الوطني إلى أن السوريين «ضحايا الصمت الدولي، وهم وحدهم يدفعون ثمن لعبة الكبار في حلبة الصراع الدولي»، وفق المصدر.