العدد 1694 /17-12-2025
أرنست خوري
لا يُبدي مؤيدو
السلطة السورية حكمة كبيرة عندما يظنّون أنّ التسجيلات المصوّرة التي تبثّها هذه
الأيام قناة العربية لبشّار الأسد سائقاً سيارة هوندا في الغوطة المدمرة، وإلى
جانبه لونا الشبل ومساعدها أمجد عيسى، يمارسون هواية النميمة البائخة، إنما تفضح
أي نوعية من البشر هو بشّار الأسد، وبالتالي تحبط عزيمة فلولٍ ينظمهم ويموّلهم
رامي مخلوف وكمال حسن لتدبير انتفاضة مسلحة بحسب ما نشرت وكالة رويترز الأسبوع
الماضي. تحليل يحمل خطر وقوع صاحبه في فخ التعامل بخفّة مع أسباب تدفع كثرا من
السوريين إلى محاربة السلطة الحالية أو التخطيط لفعل ذلك، وكأنّ من قتلوا وعذّبوا
وأجرموا لمصلحة النظام السابق خمسين عاماً، ومن يخطّطون لمواجهة الحكومة وجيشها
الحاليين، إنما فعلوا وسيفعلون ذلك كرمى لعيون حافظ الأسد وعبقرية ابنه. أما
الحقيقة فهي أن لدى أعداء السلطة اليوم محفّزات أهم بكثير من عودة ذلك الرئيس
الهارب الذي كان يوسف عبدلكي سبّاقاً في تجسيد بلاهته في لوحاته، هو الذي لا
يستطيع رسمه إلا بسخرية كما يقول.
لدى كارهي السلطة
الحالية أسباب كثيرة ومتفاوتة، منهم أصحاب مصالح سلطوية ومادية ونظرة إلى العالم
تكره الإسلاميين، كل الإسلاميين، ومنهم لهم رؤيتهم الدموية الفئوية الطائفية إلى
سورية، ولكن أيضاً هناك من راكموا في هذه الأشهر الـ12 الماضية مخزوناً كبيراً من
الحقد والظلم والرغبة في الانتقام، غذّتها وتغذّيها السلطة الحالية أو مليشيات
وعشائر محسوبة عليها بجرائم طائفية ارتكبتها في الساحل وريف دمشق والسويداء،
وبسلوك جماعة طائفية لا دولة. يكفي أن يشاهد المرء فيديوهات للنائب في مجلس الشعب
عن حمص، الشيخ عبد الله غنوم، وحديثه الداعشي عن فظاعة ما رآه، لكي يدرك أنّ
سوريين كثراً يرفضون هذا النموذج الذي يمثله غنّوم وأشباهه من "بيئة"
السلطة الحالية. ويا لهول ما رآه غنوم في شوارع سورية: طفلات يبلغن عشر سنوات
ويلبسن "شورتات"، وسيدات محجّبات مع أزواجهن وأشقائهنّ يدخنّ النارجيلة
في مقاهٍ.
بعد مرور عام على
سقوط ــ إسقاط نظام الأسد، من مصلحة السلطة السورية الحالية عدم الاستخفاف بخصومها
الكثر لتدرك أنها أمام خيارين: إما تصحيح سلوكها لبناء دولة المواطنة والحرّيات
الفردية والجماعية والسياسية والتضحية بمليشيات وعشائر وسلفيين من بيئتها، لتكسب
في المقابل رضى (لا طاعة كما يكرّر أحمد الشرع في أدبياته الدينية) فئات سورية لا
يشعر أفرادها اليوم أن السلطة تمثلهم أو تشبههم أو تحترمهم أو تطمئنهم أو تكفل
حرّياتهم ونمط الحياة الذي يريدونه لأنفسهم. أو أن تواصل السلطة الاتكال حصراً على
كتلة وازنة من الطائفة التي تتحدث باسمها دوناً عن بقية المكوّنات السورية، وهذا
ما لا ينتج استقراراً ولا يبني نهضة اقتصادية ولا يقطع الطريق على إسرائيل وشرّها،
بل يفجر نزاعات دموية دورية، ويقسّم البلد فعلياً إن لم يكن رسمياً، من دون أن
ينفع شيئاً كل الدعم الدولي الذي لم تحصل عليه أي سلطة وليدة في العالم بالمستوى
الذي ناله الرئيس أحمد الشرع وفريقه الحاكم من كل الكوكب إلا من إسرائيل وإيران.
يحق للسلطة
السورية الحالية، في الذكرى السنوية الأولى لسقوط ــ إسقاط الأسد، أن تعيد بثّ
فيديوهات الثرثرات والضحكات البلهاء والمهينة والسافلة للأسد ولونا الشبل بقدر ما
تشاء عبر وسائل إعلامها، ذلك أنه ممنوع نسيان، للحظة، من هو بشّار الأسد وعصابته،
من هو ذلك الشيطان ــ الحمار كما يسمّون في قرى بلادنا الأبله الشرير في آن، كصاحب
عبارتي "الله يلعن أبو الغوطة"، و"لا أشعر فقط بالخجل من سورية، بل
بالقرف"، لكن ليس من مصلحتها أن تصدّق خرافة أن الفيديوهات تلك ضربة قاضية
لأعدائها. وبقدر ما يحق لسوريين أن يشعروا أن السلطة الحالية لا تمثلهم في شيء،
بقدر ما أنه قليل الأخلاق والشرف والضمير من يأخذه كرهه للشرع ولرفاقه إلى التحسر
على نهاية الأبد الأسدي، وإلى التشكيك بأن ذاك النظام كان عدوّاً للطبيعة وللمنطق
وللذوق العام وللحسّ البشري.
هدية السلطة
السورية لقناة العربية، أي فيديوهات الأسد ــ الشبل، لا تُقدّر بثمن إعلامياً، هي
"العربية" نفسها التي يجدر التذكير أنها كانت سبّاقة إلى ترويج سياسة
سعودية قادت حملة تعويم الأسد ونظامه في عزّ المجزرة البعثية، وأعادت له شرعية
عربية رسمية وردّت له مقعده في جامعة الدول العربية وقادت حملة فتح سفارات في
دمشق، بينما كان جريئون وأخلاقيون وأصحاب نظرة ثاقبة يؤسسون قناة سمّوها تلفزيون
سوريا لها ولقلة غيرها حصة من الفضل في خلاص البشرية من الكابوس الأسدي.