العدد 1628 /4-9-2024
رفضت القاهرة، الثلاثاء، الاتهامات المباشرة وغير
المباشرة التي وجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمصر في ما يتعلق
بمحور فيلادلفيا، على الحدود بين مصر وقطاع غزة. ودارت اتهامات نتنياهو حول تصويره
بأنه لطالما كان معبر تهريب السلاح والذخيرة لحركة حماس في عهدي الرئيسين المصريين
الراحلين حسني مبارك ومحمد مرسي. في المقابل، نفت حركة حماس أي مشاركة لها في
اجتماعات اللجان الفنية الخاصة بمفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع.
وأعربت مصر وفق بيان لوزارة الخارجية، أمس، رفضها
التام لتصريحات نتنياهو. وذكر البيان أن رئيس حكومة الاحتلال "حاول الزج باسم
مصر لتشتيت انتباه الرأي العام الإسرائيلي، وعرقلة التوصل لصفقة لوقف إطلاق النار
وتبادل الرهائن والمحتجزين، وعرقلة جهود الوساطة التي تقوم بها مصر وقطر والولايات
المتحدة". كما أكدت مصر "رفضها لكافة المزاعم التي يتم تناولها من جانب
المسؤولين الإسرائيليين في هذا الشأن". وحمّل البيان الحكومة الإسرائيلية
"عواقب إطلاق مثل تلك التصريحات التي تزيد من تأزيم الموقف، وتستهدف تبرير
السياسات العدوانية والتحريضية والتي تؤدي إلى مزيد من التصعيد في المنطقة"،
مشدّداً على "حرص مصر على مواصلة القيام بدورها التاريخي في قيادة عملية
السلام في المنطقة بما يؤدي إلى الحفاظ على السلم والأمن الإقليميين ويحقق استقرار
جميع شعوب المنطقة".
خطوات بوجه اتهامات نتنياهو
وحول الخطوات العملية التي يمكن للقاهرة أن تقدم
عليها في مقابل اتهامات نتنياهو وإصراره على استمرار احتلال ممر فيلادلفيا، ومعبر
رفح البري على الحدود المصرية مع قطاع غزة، بما يخالف معاهدة السلام المصرية
الإسرائيلية والملاحق الأمنية لها، وأيضاً اتفاقية المعابر لعام 2006، مثل
الانسحاب من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية أو تعليقها، أو حتى الإقدام على
خطوة دبلوماسية أقل حدة مثل استدعاء السفير المصري في تل أبيب، توفرت معلومات
لـ"العربي الجديد" بأن التقديرات في وزارة الخارجية المصرية والأجهزة
المسؤولة عن إدارة الأزمة في قطاع غزة، تستبعد اللجوء إلى هذه الحلول في الوقت
الحالي.
وتكتفي تلك الجهات، وفق المعلومات، بالإصرار على
ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من محور فيلادلفيا من خلال قنوات الاتصال المفتوحة مع
الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية، والمتمثلة في اللجان الفنية التي تعمل
حالياً على الاتفاق. يأتي ذلك وسط رهان بأن الضغط الداخلي الذي يمارس على نتنياهو
من قبل عائلات الرهائن الإسرائيليين، والخارجي من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن،
قد يؤدي إلى زحزحة رئيس حكومة الاحتلال عن موقفه.
وقدّم مسؤولون مصريون الكثير من المعلومات حول
الإجراءات التي اتخذتها مصر في سبيل وقف عمليات التهريب بين سيناء وقطاع غزة. وفي
إبريل/ نيسان الماضي، رد رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، ضياء رشوان، على
ادعاءات نتنياهو حول وجود عمليات تهريب للأسلحة والمتفجرات والذخائر ومكوناتها،
إلى قطاع غزة من مصر بعدة طرق، ومنها أنفاق بين جانبي الحدود، قائلاً إن "مصر
لديها السيادة الكاملة على أرضها وتحكم السيطرة بشكل تام على كامل حدودها الشمالية
الشرقية مع غزة أو إسرائيل". وأشار إلى أنه "تم تدمير أكثر من 1500 نفق
وتتم تقوية الجدار الحدودي مع قطاع غزة".
مسائل عالقة
على صعيد آخر، أكد القيادي بحركة حماس، موسى أبو
مرزوق، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، عدم مشاركة الحركة في أي من
اللجان الفنية المشتركة التي تتباحث بشأن المسائل العالقة والتي تخص قطاع غزة
والوضع في محور فيلادلفيا، بين مصر والاحتلال الإسرائيلي. وقال إن "حركة حماس
متمسكة باتفاق الثاني من يوليو/تموز الماضي والمبني على إعلان الرئيس الأميركي جو
بايدن وقرار مجلس الأمن الدولي"، مضيفاً أن الحركة "غير مشاركة في أي
حوارات أو لجان فنية".
وحسب معلومات توفرت لـ"العربي الجديد"،
فإن النقطة الرئيسية التي تسببت في فشل مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع،
كانت محور فيلادلفيا، والتي تدور اتهامات نتنياهو حوله، إذ بدا الجانب الإسرائيلي
مستعداً لتقديم تنازلات مستقبلية بشأن محور نتساريم الذي يفصل شمال قطاع غزة عن
جنوبه. ووفقاً للمعلومات، فإن نتنياهو وتحالفه اليميني، "بدوا غير متشددين
بشأن مستقبل محور نتساريم على عكس محور فيلادلفيا الذي شدد نتنياهو لوفود التفاوض
الإسرائيلي على عدم التنازل عن الوجود فيه تحت أي ظرف، وهو ما أفشل صفقة تبادل
كانت على وشك الدخول حيز التنفيذ أخيراً".
وفي ظل اتهامات نتنياهو أفادت المعلومات بأن أسباب
الرفض المصري للوجود الدائم لجيش الاحتلال بمحور فيلادلفيا، لا تقتصر فقط على تلك
الأمنية أو المرتبطة بمخالفة ملاحق الأمنية في معاهدة كامب ديفيد، لكن الأمر مرتبط
بأسباب أخرى. أحد تلك الأسباب وجود مخاوف مصرية من عمليات إسرائيلية لرصد آبار
ومخزون المياه الجوفية في سيناء ومن ثم سحبها عبر تقنيات متطورة من الجانب
الفلسطيني لرفح، حيث النقاط التي حددها الاحتلال للتواجد الدائم والتي رفضتها مصر
بشكل قاطع خلال جولة المفاوضات الأخيرة.
وتتعلق المخاوف المصرية في هذا الإطار من كون وجود
إسرائيل في نقاط تماس مع سيناء قد يمكنها من استخدام آليات وتكنولوجيا متقدمة
للسحب من مخزونات المياه الجوفية في شمال سيناء بعد تحديد مواقعها ونقاط وجودها.
وفي السياق، رأى الرئيس السابق لمصلحة المياه الجوفية بوزارة الري والموارد
المائية، الدكتور سامح عطية صقر، أن "كل الاحتمالات واردة في هذا
الإطار"، مضيفاً في تصريحلـ"العربي الجديد"، أن "كل شيء ممكن، ولكن يبقى المحدد
الأساسي لذلك، الأبعاد الاقتصادية والأهداف السياسية". وأضاف صقر، أنه
"من الناحية العلمية، فإن الإجابة على مسألة قدرة الجانب الآخر على استخراج
المياه الجوفية الخاصة بمصر باستخدام وسائل تكنولوجية حديثة، لن تكون قاطعة، لأن
المياه الجوفية ليست كالمياه السطحية".