عبد الستار قاسم

تذكرت المحكمة العليا الفلسطينية أن هناك شرعية يجب أن تحرص الأمم والدول والشعوب على إقامتها والإصرار على وجودها، وتجلى هذا التذكر في قرارها الخاص بتأجيل الانتخابات المحلية التي كان من المقرر إجراؤها بتاريخ 8 تشرين الأول 2016 في الضفة الغربية وقطاع غزة. 
وقالت المحكمة في قرارها إن التأجيل يستند إلى استثناء القدس من الانتخابات، وإلى عدم توفر شرعية إجرائية في قطاع غزة، على اعتبار أن المشرفين على الانتخابات في غزة غير شرعيين ولا يستندون إلى شرعية منبعها سلطة رام الله، وقررت المحكمة متابعة القضية في القادم من الأيام.
شرعية الاحتلال
قبل الفلسطينيون قرار الاحتلال عام 1972 بإجراء انتخابات محلية. تمنّع الفلسطينيون بداية عن المشاركة, لكن ضغوط الاحتلال خاصة على أصحاب رؤوس الأموال أثمرت ووافقوا على إجراء الانتخابات. جاء الرفض بداية بسبب ما يمكن أن تضفيه الانتخابات من شرعية على الاحتلال. لا يجوز لمحتل أن ينظم انتخابات ديمقراطية وهو نقيض الديمقراطية، فضلاً عن أن القبول بإجراءاته لتنظيم الحياة العامة وإشرافه عليها وحمايته لها يشكل اعترافاً قوياً بشرعية هذا الاحتلال.
لقد خاض المؤيدون لمنظمة التحرير الفلسطينية الانتخابات المحلية عام 1976، وفاز عدد منهم برئاسة المجالس البلدية مثل نابلس وقلقيلية وطولكرم والخليل وحلحول. وقبل الفلسطينيون بإجراء انتخابات للغرف التجارية عام 1992 تحت إشراف الاحتلال الصهيوني، ونظراً لذلك جرت العادة على إجراء انتخابات دون تفحص انعكاساتها السياسية والأخلاقية والوطنية والقانونية. لقد تورّط الشعب بأعمال تلهيه بصورة كبيرة عن التركيز على الهم الوطني.
الأمر العظيم أن المؤسسات الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية تقبل بشرعية إشراف الاحتلال على الانتخابات، لكنها لا تقبل بشرعية إشراف حركة حماس على الانتخابات في قطاع غزة، هذا سلوك مشين ويؤكد أن العرب أشد خصاماً في ما بينهم منهم ضد عدوّ خارجي.
غزة والقدس
لماذا تتذكر المحكمة العليا الفلسطينية الآن الانتخابات في القدس؟ لقد جرت عدة عمليات انتخابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولم تكن القدس مشمولة في الانتخابات، ولم يثر أحد مسألة الشرعية. لقد جرت الانتخابات وفق إرادة الاحتلال الصهيوني، وبعد موافقته على توفير الأمن يوم الانتخابات في الضفة والقطاع.
عباس لا شرعية له لأن مأموريته انتهت عام 2009، والمجلس التشريعي الممنوع من الانعقاد غير شرعي أيضاً لأن مدة صلاحيته انتهت عام 2010، ورئيس وزراء السلطة غير شرعي.. الخ. لا يوجد من بيده صلاحيات اتخاذ القرار في الضفة الغربية بما في ذلك قرار ترتيب مواعيد انتخابية، وكان من المفروض أن تقوم محكمة العدل العليا بطرد كل المسؤولين من مناصبهم ومحاكمتهم على انتهاكهم للقوانين الفلسطينية، والبحث عن طريقة لإقامة شرعية فلسطينية.
محكمة العدل العليا نفسها غير شرعية لأن قضاتها يتم تعيينهم من قبل رئيس السلطة الفلسطينية الذي لا شرعية له، وهو مغتصب للسلطة ويمسك عنوة بزمامها رغم أنف الشعب الفلسطيني. رئيس السلطة الفلسطينية لا يملك حق التشريع أو حق تعيين قضاة لأنه من المعروف ووفق الأعراف الدولية أن قضاة المحكمة العليا يتم تعيينهم من قبل المجالس التشريعية. 
أما لجنة الانتخابات المركزية فغير شرعية أيضا، ومن المفروض أن يتم تعيينها من قبل المجلس التشريعي وذلك وفق توافق مختلف القوى على الساحة الفلسطينية. رئيس السلطة هو الذي يعين أعضاء هذه اللجنة، وهي ذات صبغة فتحاوية منذ أن تم تعيينها.
حيثما نظرت في الساحة الفلسطينية تصطدم بغياب الشرعية، ولا يحاول المتنفذون سد هذه الثغرة الخطيرة التي من شأنها تأجيج المشاعر وتوليد الكراهية والبغضاء بين الناس، والتسبب في الاقتتال الداخلي. والمجتمع الفلسطيني بالضفة وغزة يعاني من ثلاث أزمات خطيرة جداً وهي: أزمة الشرعية وأزمة الهوية وأزمة التوزيع. هذه أزمات كفيلة بتدمير أي مجتمع إذا تواجدت.
أصدرت محكمة العدل العليا مؤخراً قراراً بعدم شرعية الانتخابات في غزة لأن محاكم غزة غير شرعية، ولم تأت على ذكر القدس، وأقرت إجراءها في الضفة الغربية. هذا قرار سياسي لأنه لا يتطرق إلى عدم شرعية رئيس السلطة وما ينبثق عنه من تعيينات وقرارات إدارية. هناك عدم شرعية في غزة، لكن المؤسسة السياسية في الضفة غير شرعية أيضاً. واضح أن قضاة محكمة العدل العليا لا يبحثون عن العدل، ويجب مساءلتهم بمجرد تغير الأحوال السياسية في الضفة الغربية، والساحة الفلسطينية إجمالاً تعاني من عدم استقلال القضاء وتسييره سياسياً.