العدد 1694 /17-12-2025
محمد أبو رمان
تُثار نقاشات
ساخنة في المشهد السياسي الأردني عن مصير جبهة العمل الإسلامي، ونيّات الحكومة
تجاه هذا الحزب، المعارض الأكبر والأكثر شعبيةً كما أظهرت الانتخابات النيابية
أخيراً، وما إذا كان سيُصنَّف أردنيّاً "محظوراً" كما حدث مع جماعة
الإخوان المسلمين، أم ستنتظر عمّان قرارَ إدارة ترامب في ما يتعلّق بالجماعة في كل
من الأردن ومصر ولبنان، وفي حال ذهبت إدارة الرئيس الأميركي ترامب إلى اعتبار جبهة
العمل امتداداً للإخوان، وبالتالي تنظيماً إرهابياً، وهو الحزب الذي يمتلك كتلةً
كبيرةً ووازنةً في مجلس النواب (31 نائباً)، ماذا سيكون موقف الأردن حينها؟...
سارع بعض السياسيين إلى المطالبة بحلّ حزب الجبهة، قبل أن يكون قراراً لإدارة
ترامب، ما يحرج الحكومةَ فتبدو كأنّها تسير في خُطىً مفروضةٍ عليها من الإدارة
الأميركية، بل ذهب سياسيون آخرون أبعد من ذلك بكثير؛ إلى الدعوة إلى حلّ مجلس
النواب وتعديل الدستور لتجنّب المواجهة أو الصدام مع هذه الإدارة، وبدأ آخرون
بالحديث عن تقاسم تركة حزب المعارضة الأكبر بين الأحزاب السياسية الأخرى، في حال
حلّه.
رسمياً، لم يُحسم
القرار بعد، وإن كانت هناك مفاوضات غير مباشرة (سرّية) بين بعض المسؤولين وقيادات
إسلامية، تتضمّن دعوة الحزب إلى استباق الأمور: تغيير اسمه، أو الاندماج في حزب
سياسي آخر، وتعديل عديد من البنود في النظام الأساسي له عن الجهاد والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، لتفويت الفرصة على اللوبيات التي تضغط على إدارة ترامب من أجل
توسيع مساحة الجماعات والأحزاب والأفراد الذين سيشملهم وسم الإرهاب ضمن القرار
المُرتَقب لإدارة الرئيس ترامب. في الجهة المقابلة، يبدو حزب الجبهة في حالةٍ من
السكون الشديد، بل الركود والعجز أو عدم الرغبة في الحركة، كالمريض الذي ينتظر
خبراً من طبيبه عن حالته الصحّية، ما إذا كان سيعيش أم سيكون مصيره الموت؛ فلا
يبادر الحزب بتقديم أيّ خطوات بهذا الاتجاه أو ذاك، سواء على صعيد خطوات أكثر
اعتدالاً وبراغماتية، مثل الاستجابة للمطالب الحكومية السابقة، أو حتى تغيير في
الصف القيادي، الذي يقوده تيار صقوري، أو حتى خطوات تصعيدية في الجهة المقابلة
لرفض خطوات الحكومة تجاه الحزب؛ ما يعكس حالةً غير مسبوقة من الارتباك وفقدان
المبادرة والقدرة على قراءة التحوّلات المحيطة والتعامل معها.
بالطبع، هناك
أصوات داخل الأوساط السياسية الأردنية تشعر بالنشوة لما وصل إليه الحزب، وتدفع بكل
ما أوتيت من قوة إلى إقصائه وحلّه، لكن السؤال الذي تقفز عنه هذه الأصوات: من
سيملأ الفراغ السياسي الهائل في حال خرج أكبر حزب معارضة، بقاعدته الاجتماعية
الواسعة، من اللعبة السياسية؟ وغالبية المحلّلين والمراقبين يعرفون تماماً أنّ
قاعدة الحزب ومؤيّديه لن يكون خيارهم البديل حزباً سياسياً آخر، بل حالة من العزوف
عن العمل السياسي العلني أو التوجّه نحو خطابات راديكالية، خصوصاً من جيل الشباب،
تملأ المشهد العام، سيّما بعد الحرب على غزّة.
صحيح أنّ الحزب
يمرّ بأزمة غير مسبوقة، إقليمياً ومحلّياً، لكن خيارات مؤسّسات الدولة في المقابل
ليست سهلةً أو بسيطةً، فإذا اتجهت الدولة إلى حلّ الحزب فسيدفع هذا أولاً قاعدته
الاجتماعية نحو اتجاهات أكثر بعداً من الخطّ الرسمي، وخارج اللعبة السياسية. وإذا
جاء قرار الحكومة بعد قرار أميركي باعتبار الحزب تنظيماً إرهابياً، ستبدو الحكومة
كأنّها تسير بلا إرادة أو سيادة خلف الموقف الأميركي، ما يزيد الأمر سوءاً وخطورة.
الأخطر ممّا سبق
كلّه أنّ هناك اليوم إدارة أميركية تخلق حالةً من العداء مع قواعد جماهيرية واسعة
وعريضة في الأوساط الشعبية العربية والمسلمة، وربّما هذا يدفع إلى موجة جديدة من
الخطاب الراديكالي المعادي للولايات المتحدة والمصالح الغربية، وربّما هذه المرّة
يستقطب نسبةً أكبر من الشباب الغاضب والمحتقن بعد الحرب على غزّة. وبالاقتران
بذلك، هناك سياسات إقليمية تضع جماعات الإخوان المسلمين جميعاً في مصاف الإرهاب
والتطرّف، وتدفع نحو إقصاء تيارات الإسلام السياسي جميعاً، ولا تمييز بين مَن
يتبنّى عملاً سياسياً قانونياً ومشروعاً ومَن يتبنّى عملاً متطرّفاً وعنيفاً؛ ما
يعزّز البيئة المُحفِّزة للغضب والإحباط والراديكالية في أوساط الشباب العربي،
والمسلم، بصورة كبيرة، فإذا كان باب الديمقراطية مغلقاً إلى حين، ولا يوجد غير باب
العمل العنيف والمسلّح، الذي يبدو في الحالة السورية والأفغانية أكثر جدوى، فإنّ
مثل هذا الخيار سيكتسب شرعية وشعبية لدى نسبة من جيل الشباب نفسه.
أردنياً، أيّاً
كانت الأزمة بين الجماعة والدولة، ثم حالياً الحزب والدولة، وبالرغم من تعمّق هذه
الأزمة وتجذّرها خلال الأعوام الماضية، إلا أنّ هذا لا يعني أن غياب التيار
الإسلامي بصورة كاملة ومطلقة من المشهد السياسي سيكون مفيداً للاستقرار السياسي
والسياسات الوطنية، ومصير التحديث السياسي وشرعية اللعبة السياسية في البلاد، وحتى
العلاقة بين مؤسّسات الدولة وقاعدة اجتماعية عريضة تتوافق مع التوجّهات
الأيديولوجية والسياسية لحزب جبهة العمل الإسلامي، فمثل هذا الخيار يمثّل منعرجاً
غير مسبوق، فضلاً عن الاختلاف الشديد التاريخي بين المنطق الذي يحكم السياسات
الأردنية ودول عربية عديدة فيما يتعلّق بالتعامل مع المعارضة السياسية، أو حتى
إدارة الخلافات الداخلية.
ثمّة خيارات
وبدائل وإمكانات واسعة لتجاوز المرحلة أو اللحظة الراهنة، بما لا يعني بالضرورة طيّ
ملفّ الأزمة الداخلية العميقة بين مؤسّسات الدولة والإسلاميين، لكن يعني على
الأقلّ تجاوز سيناريوهات تدفع نحو مسارات مجرّبةٍ في دول وسياسات عربية أخرى، ولم
تكن ناجعةً، بينما أثبتت التجربة التاريخية الأردنية تميّزها وحكمتها، مقارنةً
بتلك التجارب التي يدفع بعضهم نحو استنساخها أردنياً.