د. علي العتوم

الأسرى هم أحرار الأمّة ورجالها الأشاوس المدافعون عن حياضها بأرواحهم وأجسادهم، إباءً منهم أن تقتحم أو أن  تنتهك حرماتها، ولولا ذلك ما حنِقَتْ عليهم (إسرائيل) وما زجّتهم بسجونها، وضيّقت عليهم في كلّ شيء من أسباب الحياة: الحريّة والنّور والهواء والدّواء والاجتماع والاتصال بالعالم الخارجي.
وأنا أتكلّم هنا عن أسرى فلسطين خاصّة، أولئك الأبطال الذين رفضوا بكلّ أنفةٍ وشمم أن يقرّوا لليهود اغتصابهم لأرض الآباء والأجداد الذين توارثوها عنهم منذ مئات السّنين، بل آلافها على الرّغم من أنّ الكثيرين من أبناء جلدتهم في فلسطين نفسها من النّخب أو الزّعماء أو ذوي المال والإمكانيّات الوفيرة، أعطوا بأيديهم لليهود يستجدون صلحهم الرّخيص، ولا يحرّكون ساكناً تُجاه أولئك الليوث المقيّدة في آجامها، بل قد يعدّونهم من المشاغبين الذين يعكّرون عليهم صفو العلاقة الدّنسة بينهم وبين الغاصبين.
إنّ الأسرى الفلسطينيين الذين يعدّون بالآلاف في شتّى أنحاء فلسطين مزجوجين في سجون الاحتلال البغيض التي تنيّف على العشرين كشطّة وعسقلان ونفحة والنّقب والجلمة وأيلون ومجدّو وهداريم والسّبع ونيتسان يعيشون منذ سنوات عديدة قد يصل بعضها إلى ما يقرب من ثلاثين عاماً حياةً عسيرةً تدل على شدّة خبث سجّانيهم ولؤمهم وحقدهم الدّفين وعدائهم المكين لأبناء هذه الأمّة المنافحين عن ثرى بلادهم الطّهور.
إنّ الأسرى في ديننا وتاريخنا فئة من الأمّة مقدّرة، انتصاراً لهم ورعايةً لحقوقهم، وحرصاً على أن لا يبقوا في قبضة العدوّ . فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول يوماً وهو جالسٌ مع أصحابه بعد الهجرة – وقد تخلّف عنه بعض المسلمين لحبس قريش لهم عن اللحاق به كالوليد بن الوليد بن المغيرة، رضي الله عنه، وقد أرّقه أن يبقى في قبضة المشركين يؤذونه –: من لي بالوليد؟! فنهض أحدهم لتوّه وذهب إلى مكّة يقتحم على الوليد معتقله ويخرجه منه، ويعود به إلى المدينة، فتقرّ بذلك عين القائد | وعيون أصحابه، إخوان الوليد رضي الله عنهم.
وهذا الصّحابي الجليل عبد الله بن حذافة السّهمي، عندما أُسر في بلاد الرّوم يوماً إثر قتالٍ معهم، وقد أسر معه ثمانون من إخوانه من أفراد الجيش المسلم، رفض عروض القيصر على شدّة إغرائها، لأنّها تمسّ دينه، ولم يقبل منه – وقد عفا عنه القيصر لتقبيله رأسه – إلاّ أن يخرج له إخوانه الأسرى الثمانين من محبسه مطلقي السّراح محرّرين. وهذا كتاب الله عزّ وجل يجعل من صفات المؤمنين الكرام أن يحسنوا إلى الأسير، فيقول: >ويطعمون الطّعامَ على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيرا<. وهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يندب في أحاديثه فكاك العاني، وهو الأسير نصرةً له من جهة وإباءً أن يبقى في أيدي عدوّه من جهة أخرى.
ومن القيم الخلقيّة ومعالم السّياسة السّامية في الإسلام الإحسان إلى الأسرى والمنّ عليهم، مقابل نفعٍ يقدّمونه للمجتمع المسلم أو رجاء إسلامهم . فها هو | يحسن إلى أسرى بدر ويفكّهم مقابل مالٍ دفعوه أو لقاء تعليم الواحد منهم عشرةً من صبيان المدينة الكتابةَ. وها هو يمنّ على أربعين من أسرى غزوة الحديبية  تبياناً لحسن التّعامل مع هذا الصّنف من النّاس، وطمعاً بإسلامهم، ولعلّهم أسلموا في ما بعد جميعاً أو بعضهم. وقد كان منهم عكرمة بن أبي جهل الذي أسلم وحسن إسلامه. ولعلّ من هذا القبيل ما يشير إليه قوله تعالى: >يا أيّها النّبي قل لمن في أيديكم من الأسرى: إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم<. ولعلّ من هؤلاء من أسلم في ما بعد، ومنهم العبّاس بن عبد المطّلب رضي الله عنه .
إنّ إخواننا الأسرى في سجون الاحتلال يعاملون معاملة لئيمة قاسية، لأنّ آسريهم غلاظ القلوب قساتها، بل هي أشدّ قسوة من الحجارة الصّماء كما وصفها القرآن الكريم. وإزاء ذلك قاموا منذ ما يقرب من أربعين يوماً يعلنون الإضراب عن الطّعام، وذلك بعدد ألف وخمسمئة منهم في سجونٍ متعدّدة، مع أنّ المطالب التي ينادون بها حقوقٌ طبيعيّة لهم من مثل: الامتناع عن الحبس الانفرادي والاعتقال الإداري، ومطالبتهم بتركيب هواتف عامّة لهم ليتكلّموا بها مع أهلهم وتحسين أوضاعهم الصّحية وما إلى ذلك.
وأقول للأسرى جواباً عن تساؤلي في العنوان: إنّ لكم إخوانكم أصحاب الشّهامة من جماهير الأمّة والأحرار من حكامها، فإن لم يكونوا فلكم الله، وللمتخاذلين الخسة والشنار.}