د. صالح النعامي

خيارات القوة في تعاطيهم مع الشعب الفلسطيني ومقاومته. فقد تبين فشل استراتيجية «العصا والجزرة» التي بلورها وزير الحرب الصهيوني أفيغدور ليبرمان. فقد سعت هذه الاستراتيجية إلى دق أسفين بين المجتمع الفلسطيني ومقاومته من خلال إعلان عدد من «المغريات» الاقتصادية لمناطق الضفة الغربية التي لا ينطلق منها مقاومون ينفذون عمليات ضد الأهداف الصهيونية، في مقابلة قائمة من العقوبات الجماعية ضد المناطق الأخرى. فقد تبيّن أن الشعب الفلسطيني يرفض ابتداءً فكرة التعايش مع الاحتلال، ومستعد لدفع الثمن المطلوب من أجل اقناع الصهاينة بذلك. فهناك في تل أبيب من يخشى أن يمثل تطبيق هذه الاستراتيجية محفزاً إضافياً لمبادرة المزيد من الشباب الفلسطيني لتنفيذ مثل هذه العمليات، كما دلّ على ذلك انفجار الموجة الأخيرة.
لقد أفرز انفجار عمليات المقاومة الفردية في أرجاء الضفة الغربية والقدس المحتلة، تحدّيات أمنية وسياسية وميدانية للمستوى السياسي الحاكم والمؤسسة الأمنية في تل أبيب، حيث أحرج هذا التطور رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتن ياهو وكبار وزرائه، بعد أن سبق لهم الإعلان، بشكل تظاهري، عن انتصار تل أبيب على موجة من العمليات الفردية التي تفجرت خريف العام الماضي.
فقد تبيّن، بخلاف ما ادعى نتن ياهو، أن الإجراءات الأمنية والعقوبات الجماعية التي نفذها الكيان الصهيوني بشكل منهجي ضد الفلسطينيين لم تنجح في ردع الفلسطينيين عن استئناف تنفيذ هذه العمليات بعد فترة توقف استمرت عدة أسابيع.
وقد أجبرت الموجة الجديدة من عمليات المقاومة عدداً كبيراً من النخب الصهيونية على الدعوة لإعادة تقييم السلوك الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني.
فحسب نير حسون، معلق الشؤون الفلسطينية في صحيفة «هارتس»، فإن عمليات الطعن التي تفجرت فجأة في أرجاء الضفة الغربية والقدس المحتلة هي نتاج «سياسة العقوبات الجماعية التي تفرضها الحكومة الصهيونية على الفلسطينيين.
ولفت حسون الأنظار إلى أن اتساع دائرة العمليات في القدس تحديداً يعدّ «رداً مباشراً» على القرارات التي اتخذها رئيس بلدية الاحتلال في المدينة نير بركات، التي أهانت الفلسطينيين وقلصت هامش المناورة أمامهم.
ولم يفت حسون الإشارة إلى أن بركات «يتصرف كما لو كان الفلسطينيون في القدس مجرد أطفال يريد أن يعلمهم آداب السلوك»، وهو ما دفع الفلسطينيين إلى تعليمه الدرس المطلوب.
وحسب يوسي ميلمان، المعلق في صحيفة «معاريف»، فإن تفجر موجة العمليات يدل على أنه لا يمكن «إجبار الفلسطينيين على التعايش مع الاحتلال وقبوله، محذراً من أن تواصل الواقع الحالي يمكن أن يستعدي العرب خارج الأراضي الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني.
وفي مقال نشرته صحيفة «معاريف»، اعتبر ميلمان أن الهدوء الذي شهدته الضفة الغربية خلال الأسابيع الماضية «ولد وهماً لدى دوائر صنع القرار في تل أبيب بأن الفلسطينيين يمكن أن يقبلوا أن يواصل المستوطنون التصرف كما لو كانوا سادة الأرض في الضفة الغربية»، وحسب ميلمان، فإن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تخشى أن تكون إسرائيل على موعد مع «الأسوأ» في المستقبل. وكان من اللافت الدلالات التي استخلصها ميلمان في إقدام الشاب الأردني سعيد عمرو، الذي استشهد يوم الجمعة قبل الماضي لدى محاولته تنفيذ محاولة طعن في القدس المحتلة، حيث اعتبر أن هذا الحدث يحمل دلالات خطيرة.
فقد أشار ميلمان إلى أن الشاب جاء بعد عدة أسابيع على تنفيذ شاب أردني آخر عملية طعن في منطقة «غور الأردن». ويحذر ميلمان من أن تواصل الجمود السياسي إلى جانب الاستيطان قد يشجع المزيد من الأردنيين على اقتفاء أثر عمرو، ما قد يهدد نسق العلاقة القائم حالياً بين الكيان الصهيوني والأردن.
وخلال مؤتمر نظم في تل أبيب أواخر الأسبوع الماضي حول دور مواقع التواصل الاجتماعي في التحريض على العمليات، قال معلق الشؤون الفلسطينية آفي سيخاروف إن التركيز على دور مواقع التواصل الاجتماعي في التحريض على «العنف مبالغ فيه»، مشيراً إلى أن الفلسطينيين سيواصلون تنفيذ العمليات بغض النظر عن وجود مواقع التواصل الاجتماعي.
قصارى القول، لقد تبين بشكل لا يقبل التأويل أن الرهانات الصهيونية على خيار القوة لم تؤتِ ثمارها. وفي الوقت ذاته، فإن انفجار هذه الموجة من العمليات يدل على بؤس التحركات التي تقوم بها بعض الأطراف العربية الإقليمية التي هدفت بشكل واضح وصريح إلى فرض قيادات على الشعب الفلسطيني تكون أكثر استعداداً للتفريط بالحقوق الوطنية الفلسطينية.
إنه الربيع الفلسطيني الذي سيشكل بداية واعدة لإعادة ترتيب الأولويات بما يتفق مع الوجهة الصحيحة للبوصلة الوطنية والقومية بعكس ما ترغب تل أبيب والعاملون لحسابها.