ما بعد طوفان الأقصى
العدد 1590 /29-11-2023 د. وائل نجم

وبعد سبعة وأربعين يوماً من العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة نزلت حكومة الاحتلال وقواتها على شروط المقاومة الفلسطينية لناحية الهدنة الإنسانية ووقف إطلاق النار ودخول المساعدات الإنسانية، وتراجعت هذه الحكومة عن أهدافها التي أعلنتها في القضاء على المقاومة الفلسطينية، والتي لم تعلنها في تهجير الشعب الفلسطيني من غزة إلى سيناء أو إلى أيّ مكان في العالم.

ذكرى الاستقلال .. لبنان في مهبّ المجهول!
العدد 1589 /22-11-2023 د. وائل نجم

أتت الذكرى الثمانين لاستقلال لبنان عن الاحتلال الفرنسي هذا العام يتيمة، باهتة، ومن دون أفق معروف. فلبنان الذي كان ذات يوم يُسمّى بـ "سويسرا الشرق" لتقدّمه وازدهاره واستقراره واقتصاده القوّي وفسحة الحرّية التي كان يتمتّع بها لم يعد هو. ولبنان الذي كان مقصداً للسيّاح من كلّ حدب وصوب بات أبناؤه يفرّون منه في أيّة فرصة تتوفّر لهم نحو أصقاع الأرض المجهولة. ولبنان الذي كان خزينة لأموال العرب وغيرهم، يناضل أبناؤه اليوم من أجل استعادة أموالهم المنهوبة من المصارف بعد أن حجزب هذه المصارف عليها وراحت تتقاذف المسؤولية عن نهب أموال المودعين مع المصرف المركزي ومع الدولة. ولبنان الذي كان ينتج ويصنع الكتاب والقراءة للعرب ولغيرهم بات اليوم يغطّ في سبات عميق عن الثقافة والحرب واللغة. ببساطة لبنان الذي كنّا نتغنّى فيه، أو الذي قيل عنه "نيّال مَن عنده مرقد عنزة في لبنان" اختفى ولم يعد له وجود. لقد حوّلوا لبنان إلى غابة ليس فيها شريعة ولا قانون سوى قانون الأقوى. أتت ذكرى الاستقلال هذا العام ولبنان يعيش فراغاً وشغوراً على مستوى الرئاسة الأولى. عقد المجلس النيابي أكثر من اثنتي عشرة جلسة لانتخاب الرئيس، غير أنّ غياب الحسّ الوطني والشعور بالمسؤولية وانعدام الأخلاق والشعور بالمواطنين أطاح بكلّ تلك الجلسات وكرّس الفراغ في سدّة الرئاسة حتى بات الشلل حاكماً على كلّ مؤسسة دستورية أو حكومية. فهذه الحكومات لا تجتمع إلاّ عند اجتماع مصالح الذين تتشكّل منهم، وهو ما ينعكس على حياة المواطنين بشكل مباشر. وهذا المجلس النيابي أيضاً لا يلتقي ويجتمع إلاّ إذا اقتضت حاجة القوى السياسية والكتل النيابية ذلك، أمّا ما سوى ذلك فمحكوم بالتعطيل ونصب الأفخاخ وحرفها الأمور عن مساراتها الطبيعية. وهذه مؤسسات الدولة الإدارية مصابة بالشلل شبه التام حتى أنّه يمكن القول إنّ أغلب هذه المؤسسات لا تؤدّي ما عليها من عمل سوى بمقدار ما نسبه 20% في أحسن الحالات. وهذا الفراغ والشغور يتسلّل إلى المواقع الإدارية الأولى في الدولة حتى باتت أغلب هذه المواقع تُدار بغير الأشخاص الذين أناط بهم الدستور إدارتها، وربما هذه من الأمور الإيجابية التي تجري، خاصة وأنّ دستور الطائف أشار إلى مبدأ المداورة في إدارة مؤسسات الدولة حتى لا تبقى أيّة إدارة حكراً على أيّة طائفة في بلد الطوائف والمذاهب. أتت ذكرى الاستقلال والاقتصاد في حالة انهيار كبير حيث تخطّى الفقر عتبة 80% وفقاً لتقارير دولية أو حتى محلّية. وبلغ انهيار سعر صرف الليرة مستويات كبيرة حيث فقدت الليرة ما قيمته 90% تقريباً من قيمتها أمام العملات الأجنبية الأخرى. ونسبة النمو تكاد لا تذكر. ونسبة البطالة فاقت في بعض الأحيان 35% ونسبة العجر بلغت مستويات غير مسبوقة، وتخلّفت الحكومة عن سداد الديون للدائينين، وهو بدوره ما جعل شركات التأمين تصنّف لبنان في مستويات متدنيّة تؤثّر بشكل سلبي على سمعته، ولا يلوح في الأفق أيّ أمل بإمكانية الخروج من الأزمة الاقتصادية حتى لو تمّ الاتفاق على مخارج للأزمة الاقتصادية. أتت ذكرى الاستقلال وتراود عقول بعض اللبنانيين فكرة للتخلّي عن هذا اللبنان من أجل إنتاج لبنان آخر يكون على "قـــدّ" طموحات وأفكار ونوايا هؤلاء. هؤلاء الذين باتوا يفكّرون في عقولهم بتقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ والعودة بعقارب الساعة إلى زمن المتصرفية أو القائمقامية في انطواء جديد على الذات حتى لو أدّى ذلك إلى العزلة والانعزال، أو لو أدّى ذلك إلى ضرب هذا البلد في صميمه. أتت ذكرى الاستقلال هذه المرّة ولبنان في رأس أطماع "إسرائيل" بعد أن تمكّنت من الاستيلاء على جزء من حقّه في المياه البحرية تحت عنوان ترسيم الحدود البحرية وبالتالي الاستيلاء على نفطه وغازه المكتشف لا لشيء إلاّ لأن البعض أراد تسجيل إنجازات وانتصارات وهمية وربما لصالح من هو خارج الحدود السيادسية التي يدّعي الدفاع عنها. لبنان اليوم في ظلّ كلّ ذلك يسير بصراحة نحو المجهول، فلا نعرف متى سننتخب رئيساً، ولا متى نشكّل حكومة، ولا متى تعقد الحكومات اجتماعاتها؛ لا نعرف إن كنّا سنعيّن قائداً جديداً للجيش أم سنمدّد للقائد الحالي، ولا إذا كنّا سنعيّن مديراً جديداً للأمن الداخلي أم سنمدّد للحالي، ولا إذا كنّا سندير الدولة بطريقة المراسيم الجوّالة أم بغيرها. لا نعرف إذا كان الاقتصاد سيتعافى أم سيستمرّ بالانهيار وصولاً إلى قاع القاع. لا نعرف إذا كنّا سنستفيد من الثروة الوطنية الغازية والنفطية المكتشفة أم ستوزّع على القوى الدولية والإقليمية الفاعلة والمؤثّرة ؟!! كلّ هذه الأسئلة الهواجس قائمة وحاضرة فيما الإجابات غائبة ومتناقضة، وليس من أمر معروف الآن سوى أنّ لبنان يعيش حالياً في مهبّ المجول!!

القمّة العربية الإسلامية المشتركة .. نتائج دون طموحات الشعوب
العدد 1588 /15-11-2023

انعقدت يوم السبت الواقع في الحادي عشر من تشرين الثاني / نوفمبر الجاري القمّة العربية الإسلامية المشتركة في مدينة الرياض السعودية بمشاركة سبع وخمسين دولة عربية وإسلامية وذلك لمناقشة وبحث العدوان الإسرائيلي الصهيوني على قطاع غزة والمدنيين الفلسطينيين فيه. وقد أتت هذه القمّة بعد مرور أكثر من شهر على بدء العدوان، وبعد تجاوز أعداد الشهداء من الأطفال والنساء والمدنيين أكثر من عشرة آلاف شهيد، وبعد تدمير مساحات واسعة من المناطق المعمورة بالقطاع، وبعد مجازر موصوفة ولا تحتاج إلى دليل ومن ذلك قطع المياه ومنع إدخال الوقود وقطع الكهرباء حتى عن المشافي التي تقوم بمعالجة المرضى والمصابين وفرض الحصار الشامل وقطع الاتصالات، واستهداف المشافي ودور العبادة والمدارس والمساكن والأبراج والحجر والشجر والبشر وكل شيء في القطاع حتى أنّ الرأي العام الغربي الذي كان في الأسبوع الأول للعدوان منساقاً ومصدّقاً للرواية الإسرائيلية التي زعمت أنّ المقاومة الفلسطينية ارتكبت فضاعات بحق الإسرائيليين، عاد وعرف الحقيقة وبدأ يضغط بشكل كبير على حكومات بلاده لوقف العدوان وتجريم الإبادة الجماعية وفك الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في القطاع وهو أيضاً ما طالب به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. لقد جاء انعقاد القمّة متأخراً كثيراً قياساً بهذه الإبادة الجماعية التي تجري بحق الشعب الفلسطيني، ولكنّ العرب والمسلمين على متسوى العالم وربما الشعب الفلسطيني أيضاً علّقوا بعض الآمال عليها علّها تفك الحصار وتنهي العدوان وتتخذ قرارات تعيد الاعتبار لهذه الأمة المترامية الانتشار، وتُوقف هذه الجريمة البشعة بحقّ الأطفال الفلسطينيين في غزة وحتى في الضفة وكلّ المناطق الفلسطينية. لقد كانت طموحات الشعوب العربية والإسلامية كبيرة وعالية جداً وهم يرون أنفسهم أمّة المليار ونصف، ويعرفون أنّ بلادهم تختزن في داخلها من المقدرات العظيمة والكبيرة ومن بينها النفط والغاز التي يحتاجها العالم ولا يمكنه الاستغناءعنها، والتي فيما لو تمّ التلويح مجرد التلويح باستخدامها كسلاح لوقف هذا الغطاء الغربي المجرم للجريمة الإسرائيلية لانصاعت تلك الحكومات الغربية المجرمة وتدخّلت وفرضت وقف إطلاق النار، ولتمّ إنقاذ الطفولة البريئة في غزة. العرب والمسلمون في العالم يعرفون أنّ أمّتهم تمتلك جيوشاً جراراة على مستوى العدد والعتاد والقوّة وبإمكانها أن تزيل هذا الكيان الغاصب من أرض القداسة فلسطين. يعرفون أنّ مجرد الموقع الجغرافي الذي تتمتّع به بلادهم كفيل بسدّ كل طرق التجارة الدولية على كلّ الدول والقوى المتربّصة بالعرب والمسلمين شرّاً. يعرفون أنّ كلّ الشعوب العربية والإسلامية مستعدّة من غير الجيوش أن تقوم بواجب الدفاع عن فلسطين وأطفال ونساء غزّة فيما لو خلّت الأنظمة والحكومات بينها وبين ذلك، ولكلّ هذا علّقوا الآمال والطموحات على القمّة المشتركة على أساس أنّها ستوقف آلة القتل، فإذا بهذه القمّة تتمخّض في نتئاجها عن "فأر" متواضع لا عن جبل كبير، وبدل أن تفرض إرادتها وقراراتها راحت تناشد وتطلب الحلّ من الدول المشاركة بالعدوان والمؤمّنة له كلّ أسباب الاستمرار بالقتل. لقد ناشدت القمّة فك الحصار عن غزة لإدخال المساعدات الإنسانية، وإحدى أبرز هذه الدول تحاصر غزة ولا تفتح المعبر الذي يتيح للمساعدات الدخول، وقد تحدّث رئيسها ذات يوم عن الأمن العربي وعن مسافة السكّة وبدا كما لو أنّ مسار السكّة بعيد عن غزة مع أنّه لا يفصل القطاع عن جنود مسافة السكّة سوى أمتار!! لقد أصدرت القمّة قرارات فارغة من المضمون وبدا كما لو أنّها منحت العدوان إشارة ضوئية خضراء لمواصلة العدوان لاجتثاث غزة وأهلها ومقاومتها. بدا كما لو أنّها أرادت إظهار عجزها أمام جبروت العدوان فلم تلجأ لاتخاذ أي قرار حقيقي يوقف المجزرة. لقد قيل إنّ بعض الدول العربية رفضت مقترحاً تضمّن بضعة بنود تشكّل ضغطاً حقيقياً على العدو الإسرائيلي لوقف عدوانه، ولكنّ الاقتراح سقط لعدم موافقة هذه الدول عليه، إمّا خوفاً من السيّد الأمريكي الذي يرعى العدوان ويوفّر له أسباب الاستمرار بالجريمة والإبادة، وإمّا تآمراً على غزة ومقاومتها بهدف سحق الشعب الفلسطيني والتخلّص من قضيته التي باتت تشكّل بالنسبة لبعض الأنظمة والحكومات عبءاً يريدون التخلّص منه!! القمّة العربية الإسلامية في نتئاجها لم تكن على مستوى طموحات الشعوب العربية والإسلامية، ولم تشكّل أيّ ضغط حقيقي لوقف آلة القتل الإسرائيلية، وإنّ هذا سيكون له تداعياته لاحقاً بعد أن تتوقف الحرب، وستتوقف، وستحين لحظة محاسبة بعد أن تُحقّق المقاومة الفلسطينية نصرها المنتظر بعد طوفان الأقصى، هذا الطوفان الذي قد يمتدّ إلى حيث تنعدم الكرامة والحسّ بالمسؤولية والتخلّي عن مبدأ الأمّة الواحدة.

العدوان السداسي على غزّة.. إلى متى؟!
العدد 1587 /8-11-2023 د. وائل نجم

دخل العدوان الإسرائيلي على قطاع ومدينة غزّة شهره الثاني وسط استمرار المجازر بحق المدنيين من الإطفال والنساء، ووسط المزيد من استهداف المشافي والمدارس ودور العبادة والمخابز والمساكن تحت عنوان قصف الأماكن التي يتواجد فيها أو يلجأ إليها مقاتلو المقاومة الفلسطينية، والحقيقة أنّ التصعيد والمجازر غالباً ما يعكس عجزاً وفشلاً في الميدان، وقد ارتفع عدد الشهداء حتى الآن إلى قرابة عشرة آلاف شهيد أغلبهم من الأطفال والنساء، والجرحى إلى أكثر من عشرين ألف جريح، والمفقودين تحت الأنقاض غير معروف حتى الآن، بينما يصمت العالم الذي كان يتشدّق بحقوق الإنسان والديمقراطية تاركاً الاحتلال يعبث بكل ما هو موجود في غزة من بشر وحجر وشجر من دون حسيب أو رقيب. والحقيقة أنّ غزّة وأهالي غزّة يتعرّضون لعدوان سداسي تشترك فيه بشكل مباشر الدول التالية: الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا إضافة إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي. لقد حشدت هذه الدول جنودها وسفنها الحربية وحاملات طائراتها وغواصاتها في شرق البحر الأبيض المتوسط قبالة قطاع غزة، ولا نعرف على وجه الدقّة والتحديد ماذا تفعل هذه القطع الحربية الكبيرة في شرق المتوسط، ولا حجم المشاركة الميدانية في العدوان والحرب. لقد اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال لا الحصر، أنّ أحد أبرز ضباطها وقادتها الميدانيين أصيب بجراح ونقل إلى الولايات المتحدة ولكنّها لم تعترف ولم تقل أين أصيب هذا الجنرال، فهل أصيب في غزة؟ ربما قد يكون ذلك، وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على المشاركة الفعلية الميدانية. كما اتهم ضباط في سلاح الجو الإسرائيلي زملاء لهم في سلاح الجو الإمريكي أنّهم هم الذين قصفوا بعض المرافق المدنية في قطاع غزة، وهذا الاتهام أيضاً قد يكون صحيحاً ويعني أنّ الأمريكيين يشاركون في العدوان بشكل مباشر ميدانياً إضافة إلى تأمين الأجواء لهذا العدوان على المستوى الدولي. كما وأنّ الأنباء والشهادات تحدّثت عن مشاركة متطوعين من إيطالياً وأسبانياً إلى جانب قوات الاحتلال وهذا ايضاً يكشف حجم المشاركة الميدانية من هذه الدول وغيرها بالعدوان على غزة. إلاّ أنّه على الرغم من كلّ هذا العدوان، وعلى الرغم من المجازر المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين غير أنّه على المستوى الميداني العسكري لم يحقّق هذا العدوان السداسي أي إنجاز ميداني ولو بحدّه الأدنى وبالتالي فقد فشل حتى الآن وأصيب بالخيبة والخسران، بينما تمكّنت المقاومة الفلسطينية من الصمود والاستمرار في مواجهة العدوان حتى بات المشاركون في العدوان السداسي يبحثون عن إنجاز متواضع يشكّل بالنسبة لهم سلّماً للنزول عن الشجرة التي صعدوها عندما وضعوا هدفاً لهم هو القضاء على القضية الفلسطينية وتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء، ثم بدأوا بعد ذلك يتراجعون في أهدافهم وصولاً إلى سلّم ينزلهم عن الشجرة. لقد كشف هذا العدوان السداسي وجه الغرب القبيح الذي يتحدّث دائماً عن حقوق الإنسان والحريّة والديمقراطية ثم إذا كان ذلك في غير مصالحهم أطاحوا به عرض الحائط، ولجأوا إلى ارتكاب أبشع المجازر والإبادة الإنسانية، أو غضّوا نظرهم وأشاحوا بوجوههم عن تلك الإبادة كما لو أنّها غير موجودة أو لم تحصل. فشل العدوان السداسي على غزة على الرغم من كلّ التدمير والتهجير والإبادة الجماعية الإنسانية، وتحوّلت هذه المجازر إلى لعنة تطارد وستظلّ تطارد الغزاة والمتوحشين الذين ارتكبوها، كما سيُسقِط هذا العدوان في وقت لاحق أولئك الذين وقفوا على التلّة ينتظرون النتيجة حتى يحتفلوا بالنصر مع المنتصرين في وقت كانوا يتمنّون أن ينهضوا يوماً ويجدوا أنّ العدوان السداسي اجتثّ غزة من جذورها ولكنّهم سيتفاجأون أنّ طوفان الأقصى الذي بدأ من غزة سيصل إليهم ولو بعد حين. لن يستمرّ هذا العدوان السداسي ولن ينتصر حتى لو ارتوى من دماء الفلسطينيين فالنصر في هذه المعركة كُتب منذ اليوم الأول ولن يمحوه شيئٌ بعد ذلك.

لبنان يلبّي.. لبنان قضيتي!
العدد 1586 /1-11-2023

منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى في السابع من شهر تشرين الأول الماضي انخرط لبنان في هذه المعركة بشكل متدرّج بعد أن قام حزب الله في اليوم الثامن من تشرين الأول بقصف مواقع الاحتلال الإسرائيلي في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، ثم تدحرجت الأمور على الجبهة الجنوبية وراحت تأخذ كلّ يوم منحىً تصاعدياً وتصعيدياً بحيث توسّعت رقعة المواجهات المباشرة لتشمل القطاعات الثلاثة: الغربي على الساحل، والأوسط في منطقة بنت جبيل، والشرقي في مرجعيون وحاصبيا، ودخلت على خط المواجهات للمرّة الأولى "كتائب القسّام" و "سرايا القدس" حيث تمكّنت مجموعات منهما من الدخول عبر الحدود إلى شمال فلسطين المحتلة والاشتباك مع قوات الاحتلال هناك، كما مارست كلّ منهما قصفاً بالصواريخ استهدف مواقع الاحتلال ومغتصباته داخل الاراضي المحتلة. كما وأنّ "قوات الفجر" التابعة للجماعة الإسلامية شاركت في عمليات قصف مواقع الاحتلال واستهدفت إحدى العمليات مواقع الاحتلال في محيط مغتصبة "كريات شمونة" في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ وهكذا ظلّت الجبهة الجنوبية محافظة على سخونتها اليومية تحاكي جبهة غزّة في الداخل، وظلّ الانتظار سيّد الموقف لناحية إمكانية واحتمالات تحوّل هذه الجبهة من جبهة إشغال إلى جبهة مفتوحة بشكل كامل وواسع. وأمام مشهد العدوان المجرم على قطاع غزة حيث تستعمل قوات الاحتلال كلّ أنواع القذائف والصواريخ في قتل المدنيين العزّل، وترتكب بحقّ الأطفال والنساء والمشافي ودور العبادة من مساجد وكنائس كلّ أنواع الاعتداءات والتدمير، فضلاً عن قصف واستهداف الأبراج السكنية كنوع من الانتقام لهزيمة الاحتلال في السابع من تشرين الأول؛ وأمام مشهد تصاعد احتمالات انخراط لبنان في مواجهة الاحتلال من خلال الجبهة الجنوبية، انبرى بعض اللبنانيين من الناشطين والسياسيين والإعلاميين إلى إطلاق "وسم مرحلي" (هاشتاغ) تحت عنوان "لبنان قضيتي" في محاولة لتحييد لبنان عن ما يجري في فلسطين على اعتبار أنّ القضية تعني أهل غزة وربما حماس والقسّام على وجه التحديد ولا تعني غيرهم. وهذا من أخطر أنواع التفكير الذي يعمل على تقسيم المجتمعات والأمم والشعوب لاستسهال السيطرة عليها والتحكّم بها وسرقة مقدراتها وخيراتها وجعلها في حالة عبودية لأصحاب القوة والسطوة والمال. وقد جهدت القوى الكبرى الطامحة للسيطرة على العالم وعلى مقدرات وخيرات الشعوب إلى اعتماد هذا التفكير وآلياته وبالفعل تمكّنت في مراحل سابقة من السيطرة على أمم وشعوب تفوقها عدداً بمئات آلاف المرّات، وتفوقها على مستوى الجغرافيا مساحة أيضاً بمئات أو ربما آلاف المرّات، وكلّ ذلك بفضل سياسة "فرّق تسُد". وفي مقابل ذلك انبرى عدد كبير من اللبنانيين إلى إطلاق "وسم مرحلي" (هاشتاغ) آخر تحت عنوان "طوفان الأقصى.. لبنان يلبّي"، بمعنى يلبّي نداء الأقصى ويرى أنّ هذه المعركة الدائرة في غزة وفلسطين لا تعني أهل غزة وحدهم، ولا الفلسطينيين وحدهم، بل تعني الأمتين العربية والإسلامية وكلّ شريف حرّ في العالم، ولذلك فإنّ الانخراط فيها لا يعني نصرة أهل غزة فحسب، بل يعني أيضاً الدفاع عن النفس أيضاً لأنّ التفكير الصهيوني ومن يقف خلفه يريد النيل من كلّ المنطقة وشعوبها ولن يكون أيّ شعب أو منطقة بمنأى عن أطماعه وعن أهدافه للسيطرة عليها والتحكّم بشعوبها ومقدراتها وخيراتها. وبهذا المعنى هي معركة تستهدف اليوم أهل غزة ومقاومتها، ولكنّها غداً ستنتقل لتستهدف منطقة أخرى وشعباً آخر وهكذا؛ والدليل على ذلك ما صرّح به وكشفه قادة في قوات الاحتلال عندما أظهروا نيتهم في تهجير أهالي غزّة إلى مصر، وغداً أهالي الضفة الغربية إلى الأردن، وبكل تأكيد يخفون ويبيّتون نيّة سيئة للبنان. وأمّا فيما خصّنا نحن في لبنان فإنّ من مصلحة لبنان المتحقّقة أن ينخرط في هذه المعركة ولا ينتظر كثيراً، ولا ينخدع أحد بأنّ الحياد سيكون الخلاص للبنان؛ ربما يكون لطبقة من السياسيين تريد أن تظل متحكّمة برقاب اللبنانيين وهي بالأصل مسؤولة عن معاناتهم اليومية جراء ما أوصلت لبنان إليه وهي تبدي اليوم خشيتها على لبنان من أي عدوان إسرائيلي! والسؤال : ما الذي نشخى عليه في لبنان، الكهراباء؟ هي أساساً غير متوفّرة. الماء؟ هي أساساً لا تصل إلى المنازل. الطبابة؟ المرضى يموتون على أبواب المستشفيات دون أن يتمكنوا من دخولها. التعليم؟ المدارس الرسمية في حالة إضراب شبه دائم، والخاصة تحوّلت هذا العام إلى مسالخ. الدولة؟ رئاسة الجمهورية شاغرة، والحكومة مستقيلة ومجلس النوّاب شبه معطّل. على ماذا نخشى؟! أمّا الثروة النفطية والغازية التي تمّ اكتشافها في البحر فقد صارت في خبر "كان" لأنّ إرادة السيّد الأمريكي القوي أرادت ذلك، وهو يريد أن يقرّر مصير معركته في غزة ومن ثمّ يقرّر بعدها مصير نفطنا وغازنا ويقرّر أيضاً النسبة التي سيتصدّق بها علينا في مقابل أن نعمل عنده ولديه. وأمّا السياحة التي كنّا نتغنّى بها فعلينا أن ننساها في زمن التطبيع مع كيان الاحتلال الذي سيكون وجهة السائحين الأولى من دول التطبيع العربي. وتجارة الترانزيت لا تختلف عن ذلك أيضاً خاصة بعد انفجار المرفأ. هذا فضلاً عن توطين اللاجئين الذي يخشى منه كثير من اللبنانيين. على ماذا نخشى ونخاف إذاً ونطلق دعوة حياد لبنان عن الذي يجري في فلسطين؟! هي معركتنا كما هي معركة فلسطين وفق قواعد المصالح قبل قواعد الإخوة في الدين والعروبة والإنسانية والتاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة، ولكلّ ذلك لبنان يجب أن يلبّي اليوم قبل الغد ولا يتأخّر في التلبية حتى لا يفوت الأوان. د. وائل نجم

تداعيات العدوان على غزّة وعلى لبنان
العدد 1585 /25-10-2023 د. وائل نجم

معركة طوفان الأقصى المستمرة والمتواصلة والمترافقة مع عدوان صهيوني واسع ومجرم يستهدف المدنيين الفلسطينيين بشكل أساسي ومباشر بهدف إلحاق الضرر الكبير بهم كجزء من عملية الضغط على المقاومة الفلسطينية لإرغامها على رفع الراية البيضاء، أو بهدف تفريغ قطاع غزّة من سكّانه كما بات واضحاً للعيان كجزء من مشروع إعادة تشكيل المنطقة وفق المنطق والمشروع الأمريكي، وهو ما أكّد على أنّ المعركة أو العدوان على غزّة هي بداية حرب إقليمية تستهدف المنطقة كلّها وليس عزّة فقط. وبموازاة العدوان الصهيوني على غزّة والردّ الفلسطيني عليه تحرّكت جبهة جنوب لبنان منذ اليوم الثاني في الثامن من تشرين الأول وتزداد سخونتها وتصاعدها كلّ يوم عن اليوم الذي سبقه وإن كانت حتى اليوم ما تزال تتحرّك ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها، وإن كانت تؤكّد بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ الأمور يمكن أن تخرج عن هذه القواعد في أيّة لحظة، وبما يؤكّد أيضاً على أنّ هذه المواجهات تُعدّ جزءاً من الحرب الإقليمية التي تتصاعد وتنخرط فيها بقية دول المنطقة بشكل تدريجي وبطيء. لم تكن الجبهة الجنوبية هي الوحيدة التي تحرّكت على وقع الحرب والعدوان على غزّة، فهناك جبهات ومناطق أخرى بدأت أيضاً تنخرط بشكل متدرّج في هذه الحرب وبأشكال مختلفة ومتعدّدة. فإيران التي تتزّعم محور المقاومة بدأت تنخرط بشكل متصاعد في هذه الحرب من خلال السماح لحلفائها باستهداف المواقع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وما جرى في العراق وسوريا من استهداف أكثر من خمس عشرة مرّة المواقع الأمريكية دليل على هذا الانخراط. وأنصار الله في اليمن (الحوثيون) أطلقوا صواريخ بالستية ومسيّرات نحو كيان الاحتلال اعترضتها مدمّرة أمريكية في شمال البحر الأحمر، وهذا يؤكّد أنّ انخراط هذا المحور في الحرب آخذ بالتصاعد والتوسّع بموازاة توسّع العدوان على غزّة. وأمّا مصر التي تقع في جوار غزّة فإنّ موقفها السياسي الرافض للعدوان وتهجير الفلسطينين نحو محافظة سيناء، تنخرط أيضاً في هذه المعركة ولكن بطريقة سياسية حيث ترفض العدوان وتعمل على إدخال المساعدات ووقف إطلاق النار في وقت بدأت تتعالى الأصوات في القاهرة بدعوة الجيش المصري للردّ على جرائم الاحتلال خاصة بعد استهداف برج للمراقبة للجيش المصري عند معبر رفح أصيب فيه عدد من الجنود. والأمر ذاته بالنسبة للأردن الذي انخرط في هذه الحرب من زاوية سياسية ترفض تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية نحو الأردن، وهو يطالب أيضاً بوقف النار وإرساء الحلّ السياسي. ويتسلّح الموقفان المصري والأردني بدعم عربي واسع وهو ما يعني أنّ الحرب المندلعة حالياً هي حرب إقليمية ولكنّها تأخذ أشكالاً متعدّدة بينها العسكري وبينها السياسي. وطالما أنّ هذه الحرب باتت إقليمية فإنّ نتيجتها ستقرّر مستقبل المنطقة ودور ومصالح الدول فيها، وبهذا الاعتبار لا يمكن للبنان أن يبقى على الحياد فيها، ولا أن يدسّ رأسه بالتراب على قاعدة أنّه لا يرى ما يجري ولا دخل له فيه. إنّ نتيجة هذه الحرب ستقرّر مستقبل كل بلد من البلدان المحيطة لأنّها باتت تشكّل مشروعاً واضحاً للمنطقة كلّها، وعليه فإنّ لبنان معني بذلك إن لناحية مستقبل اللجوء الفلسطيني فيه حيث أنّ كيان الاحتلال يعمل على تصفية قضية اللاجئين وتالياً توطينهم في أماكن تواجدهم، وهذا ما يعني أنّ فوزه في هذه المعركة فيما لو حصل سيوطّن الفلسطينيين في لبنان ولو بالقوة، وهذا يتعارض مع مصالح لبنان. ثمّ في الجانب الاقتصادي وبعد ترسيم الحدود البحرية فإنّ كيان الاحتلال استفرد باستخراج النفط والغاز من البحر ويمنع بأشكال متعدّدة لبنان من الإفادة من ذلك، وبالتالي فإنّ أي هيمنة لهذا الكيان على المنطقة ستفرض المزيد من الشروط على لبنان في الثروة النفطية والغازية وبالتالي خسارة لبنان لهذه الثروة. فضلاً عن ذلك فإنّ استقرار المنطقة لصالح الكيان سيعني أنّه سينافس لبنان في موضوع النقل البحري والبرّي والجوي وتجارة الترانزيت، وهو ما سيلحق أضراراً بالغة بالاقتصاد اللبناني هذا فضلاً عن مسألة السياحة فيما لو جرى تطبيع العلاقات بين هذا الكيان وبقية دول الجوار. لكلّ هذه الاعتبارات فإنّ مصلحة لبنان المتحقّقة هي في عدم الحياد في هذه الحرب لأنّ الحياد سيضرّ بمصلحة لبنان على الأكيد، وإذا حرص هو على الحياد فإنّ كيان الاحتلال لا يعنيه ذلك، ولعلّ التجربة مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية خير دليل على ذلك، حيث يعمل الكيان على الإضرار بها على الرغم من معاهدات التسوية و"السلام" معه، ولكلّ هذا من المصلحة الوطنية العليا أن يكون لبنان حاضراً من أجل الحفاظ على مصالحه أولاً وكجزء من واجبه العربي الإنساني بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق ثانياً.

الجبهة الجنوبية تتحرّك على وقع الجبهة الغزّاوية
العدد 1584 /18-10-2023 د. وائل نجم

نذ اليوم الثاني لمعركة طوفان الأقصى تحرّكت الجبهة الجنوبية للبنان مع فلسطين المحتلة حيث أقدم حزب الله في اليوم الثاني للمعركة فجر الأحد (8/10/2023) على قصف مواقع الاحتلال الإسرائيلي في مزارع شبعا المحتلة

طوفان الأقصى يطيح الحدود ويرسم معالم المنطقة
العدد 1583 /11-10-2023 د. وائل نجم

مفاجئاً ومدوّياً وصاعقاً الهجوم الذي نفّذته المقاومة الفلسطينية فجر يوم السبت الماضي على مواقع الاحتلال الإسرائيلي ومستوطناته في منطقة غلاف غزّة حيث تمّ تحرير مساحات واسعة من الأراضي، وأسر المئات من جنود وقوات الاحتلال، وقتل المئات منهم، فضلاً عن إظهار حجم الإذلال الذي مارسته المقاومة على "الجيش" الإسرائيلي الذي كان يوصف أنّه لا يُقهر، وقد صدم هذا المشهد كيان الاحتلال الإسرائيلي على مستوى القيادة والحكومة والمستوطنين حتى جُنّ جنون هذا الكيان فزاد من حجم جرائمه ولجأ إلى سياسة الأرض المحروقة دونما اعتبار لأي شيء فقطع عن قطاع غزة المياه والكهرباء وإمدادات الدواء وكل المواد الانسانية، وشنّ غارات همجية استهدفت السكان المدنيين في القطاع فضلاً عن رفض إدخال أيّة مساعدات إنسانية إلى غزة في محاولة لحرق الأرض بشكل كامل ومسح قطاع ومدينة غزة عن الخريطة مدعوماً وللأسف بدعم من دول كثيرة وكبيرة في العالم بدءاً من الولايات المتحدة الأمريكية مروراً بأغلب الدول الأوروبية من دون اعتبار من هذه الدول لحجم المعاناة الإنسانية التي عاشها ويعيشها الشعب الفلسطيني على مدار عقود من الزمن. لقد أثبتت معركة طوفان الأقصى هشاشة الكيان الإسرائيلي وضعفه، وأثبت الشعب الفلسطيني ومقاومته أنّهم قادرون على تحرير فلسطين من هذا الاحتلال لولا الدعم الغربي المفتوح، ولولا التغطية الغربية على جرائم هذا الاحتلال؛ كما أثبتت معركة طوفان الأقصى أنّ الكيان المحتل كيان مجرم بكل ما تحمله الكلمة من معنى وأنّه لا يتورّع عن ارتكاب أيّة جريمة بحقّ أي مخلوق من أجل تحقيق أهدافه في السيطرة والتوسّع وسرقة مقدرات البلاد والعباد، وأثبتت أيضاً أنّ أغلب العالم الغربي لا يقلّ وحشية وجريمة عن هذا الكيان وقد سكت هذا العالم على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين على مدى عقود، وها هو اليوم يؤمّن الدعم والتغطية لجرائم هذا الاحتلال، بل يشجّع ويموّل هذا العالم الاحتلال ويطلب منه القيام بجرائمه التي باتت تنقل على الهواء مباشرة من غزّة المحاصرة منذ ما يقارب 18 عاماً. والسؤال، إذا كان هذا الكيان المجرم والغاصب والمحتل له بواكي تتداعى لنجدته ومساعدته على جرائمه المتنوّعة، أفلا بواكي للشعب الفلسطيني المقهور والمظلوم والمغلوب على أمره؟ ألا من ناصر يؤيّد وينصر هذا الشعب الذي ذاق أصناف المرارة على أيدي الاحتلال؟ ألا من ناصر يقف إلى جانبه في ظل هذا التمادي بالجريمة من عالم لا يحترم ولا يقف إلاّ للأقوياء؟ وإذا كان من "حقّ" هذا الكيان أن يحصل على النجدة والمساعدة من دول كبرى، وإذا كان من "حقّ" هذه الدول الكبرى والمتجبّرة أن تساعد وتنجد هذا الكيان، أليس من حق الشعب الفلسطيني أن يتلقّى الدعم والمساعدة ممن يشاركه المعاناة والمرارة والقهر؟! أليس من حق الذين يعانون مما يعاني منه الشعب الفلسطيني أن يقفوا إلى جانبه ويمدّوه بأسباب الصمود والقوّة؟! أليس من حقّ أبناء الشعب الفلسطيني في أصقاع العالم أن يتحركوا من أجل نجدة ونصرة أهلهم وأبنائهم وإخوانهم في فلسطين؟! وهل هذا منطق العدل؟! هل هذا هو منطق الأخوّة في الوطن والدين واللغة والتاريخ والتحدّيات؟! كيف يحقّ لدول كبرى أن تتداعى لتقديم الدعم المالي والعسكري والذخيرة القاتلة وتستقدم الأساطيل لتغطية جريمة هذا الكيان المستمرة ولا يحقّ لأبناء فلسطين وأبناء الأمة معهم تقديم الدعم المالي والصاروخي وبكل أنواعه في هذه المعركة الفاصلة التي يمكن أن تكون وجودية؟! كيف يحق لتلك الدول أن تنتهك ما يُسمّى سيادات غير آبهة بشيء ولا يحقّ للمظلوم والمقهور أن يقدّم الدعم لإخوانه المقتولين الذين يمارس بحقّهم أبشع أنواع الإجرام والقتل تحت عنوان الحفاظ على سيادات الدول وعدم التدخل فس شؤون الآخرين؟! ألم تتدخّل الدول الكبرى في العديد من البلدان خلال العقود الأخيرة وخاضت حروباً تحت عنوان الحق الإنساني كما في أحداث شرق أوروبا في تسعينات القرن العشرين وغيرها؟! فلماذا لا يحقّ لغيرهم التدخّل نصرة للشعب الفلسطيني تحت عنوان الحق الإنساني؟! أمّا بالنسبة للخائفين من ردّات الفعل فآن لهم أن يعرفوا ويدركوا أنّ ما يجري هو فصل من فصول كتابة السيطرة والهيمنة على المنطقة لعقود إلى الأمام، ولو تمّ ذلك وفقاً لتخطيط الدول الداعمة للكيان المحتل فإنّ ذلك سيعني أنّ هذا الكيان سيكون سيّد المنطقة وأنّنا جميعاً لن نكون بنظره سوى حيوانات بشرية وفقاً لما نطق به وزير حربه خلال الأيام الأخيرة ولكم أن تتخيّلوا كيف سيتعامل مع هذه "الحيوانات"!.

تصاعد الخطاب العنصري ضد اللاجئين!
العدد 1582 /3-10-2023 د. وائل نجم

تصاعد في المرحلة الأخيرة في لبنان الخطاب العنصري ضد اللاجئين السوريين والفلسطينيين بشكل عام، وذلك في ضوء الحديث عن موجات "نزوح" ولجوء سوري كبيرة وواسعة نحو لبنان حتى أنّ بعض الوسائل الإعلامية تحدثت عن آلاف السوريين الذين يعبرون بطرق غير شرعية وقانونية من سوريا ومن مناطق النظام تحديداً نحو الداخل اللبناني. وقد ترافقت نبرة الحديث هذه عن تحذيرات من مخاطر وجودية صرّح بها بعض المسؤولين على اعتبار أنّ تعاظم اللجوء السوري في لبنان يشكّل خطراً على لبنان تماماً كما حصل مع اللجوء الفلسطيني قبل نحو خمسين سنة أو أكثر وما زال مستمراً إلى اليوم في ذهينة وعقلية البعض. لقد وجد البعض في لبنان في اللجوء السوري شمّاعة يعلّق عليها أزمات لبنان العديدة والكثيرة؛ ووجد البعض الآخر في ذلك فرصة للتخلّص من مسؤولية ما بلغته الأوضاع في لبنان؛ ووجد آخرون في ذلك فرصة للمتاجرة بهذه المأساة على قاعدة التخويف والتهويل من أجل تحقيق مكاسب سياسية داخلية؛ ووجد غيرهم في ذلك فرصة لغسل اليدين من الدم السوري عبر الظهور بمظهر المهتم بهؤلاء اللاجئين الباحث لمأساتهم عن حلول وقد وجدها في ضرورة فك الحصار الأمريكي مرّة وفي انتهاء الحرب الكونية على سوريا النظام مرّة ثانية. لقد بات الحديث عن اللجوء السوري مادة للكثير من السياسيين الذين يجدون في ذلك فرصة للإلهاء اللبنانيين أو لإيجاد "خطر" جديد يهدّدهم وهم الذين يعانون بشكل مستمر من الأزمات المتلاحقة، فيما الطبقة السياسية دائماً ما تطرح القضايا والمواضيع التي تجعلها تهرب إلى الأمام. كثيراً ما يحدثنا المسؤولون عن مخاطر اللجوء السوري، وعن الأكلاف الكبيرة التي يتحمّلها لبنان بسبب هذا اللجوء، وأنّ هذا اللجوء بات عبئاً كبيراً على لبنان كما لو أنّه المسؤول عن أزمات لبنان كلّها، ويصدّق اللبناني المسكين هذه المقولات وينقاد لهذه الإدعاءات التي يريد مطلقوها تحقيق المكاسب السياسية أو المصالح الخاصة، فيتحولون إلى دمى بأيدي هذه الطبقة التي باتت تحسن المتاجرة بقضية اللاجئين حتى لو كان ذلك على حساب الإنسانية أو جرى فيه الترويج لبث الروح العنصرية. قبل أيام قليلة كان وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال القاضي عباس الحلبي ضيفاً في أحد البرامج التلفزيونية وكان يتحدث عن انطلاق العام الدراسي وعن مشكلة إضراب المعلمين، غير أنّه كشف خلال حديثه أمراً في غاية الأهمية إذ اعترف أنّ صناديق المدارس التي تؤي طلال سوريين لا تعاني من نقص مالي، وأنّ بعض مدراء المدارس يطالب بفتح قسم للطلاب السوريين في المدرسة التي يشرف على إدارتها بهدف تحقيق وفر مالي لصندوق المدرسة، فكيف يمكن أن يكون اللاجىء السوري بهذا الاعتبار عبئاً على لبنان؟! إنّ مسألة اللاجئين في لبنان باتت مجردّة من كلّ المعاني الإنسانية والأخلاقية وباتت خاضعة للاعتبارات السياسية والمصلحية فحسب، في حين أنّ المطلوب، وبسبب المعاناة المشتركة بين اللبنانيين وبين اللاجئين أن يكون الشعور مشتركاً والتفّهم قائماً والتعاون لإدارة هذه المرحلة موجوداً بعيداً عن أي خطاب عنصري حاقد فلبنان لا يتحمّل مثل هذه الخطابات.

استحقاق انتخاب الرئيس .. هل ينجح القطريون حيث أخفق الفرنسيون؟
العدد 1581 /27-9-2023 د. وائل نجم

اثنتا عشرة جلسة كان آخرها في 14 حزيران الماضي عقدها المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية ولم ينجح بذلك لأنّ بعض النوّاب أو بعض الكتل النيابية كانوا يتسرّبون من القاعة العامة إلى خارجها لإفقاد الجلسة نصابها القانوني والدستوري، وبالتالي تعطيل انتخاب الرئيس. والعديد من الجولات والوساطات التي قادها مبعوثون فرنسيون لم تنجح أيضاً في تدوير الزوايا وفي إقناع الكتل النيابية والقوى السياسية بضرورة انتخاب رئيس يكون محل قبول وثقة وقناعة كلّ اللبنانيين أو أغلبهم على أقلّ تقدير. ربما يعود السبب في ذلك إلى عدم ثقة واطمئنان بالطرح الفرنسي الذي ظهر كما لو أنّه يعمل من أجل تأمين مصالح فرنسا على حساب انتخاب رئيس للجمهورية، أو لنقل إنّه أراد تقديم المصلحة الفرنسية وصفقاتها مع القوى المحلية والإقليمية على حساب المصلحة اللبنانية التي تتطلّب انتخاب رئيس يعمل على حلّ الأزمات ويعيد الاعتبار للعلاقات اللبنانية مع العمق العربي بشكل أساسي، ويؤمّن نوعاً من التوازن الداخلي بين القوى السياسية والمكوّنات اللبنانية، وليس رئيساً يكون محسوباً على طرف داخلي أو محور خارجي، أو على أقلّ تقدير لا يظهر بهذا المظهر. عبثاً حاول الفرنسيون بعد فقدان الثقة بهم، وهم إلى الآن ما زالوا يتحرّكون على خطوط الوساطات حتى يظلّوا شركاء بصناعة الحلّ انطلاقاً من حرصهم على مصالحهم في ضوء الضربات التي يتلقونها في غرب أفريقيا. ولكن الآن تقّدم وسيط آخر هو الوسيط القطري الذي وصل مبعوثه إلى بيروت وشرع في لقاءات مع الفاعلين في القرار الانتخابي، وهو يجسّ النبض اللبناني في مسألة الأسماء، وربما يحمل مقترحات في هذا السياق، ويستمع إلى اقترحات القوى والكتل اللبنانية، فهل ينجح القطري حيث فشل الفرنسي؟ وهل تولد التسوية على يديه وفي أي وقت؟ للتذكير فإنّ القطري قاد وساطات في أكثر من مكان وملف ونجح فيها نجاحاً واضحاً حتى بين قوى ودول كانت على طرفي نقيض كما في المسألة الأفغانية على سبيل المثال عندما استضافت الدوحة مفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان. كما نجح عندنا في لبنان باستضافة حوار في العام 2008 أنتج في حين تسوية الدوحة التي أتت بالرئيس ميشال سليمان رئيساً للجمهيورية. وقبل أسابيع قليلة نجحت الدوحة في وساطة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في ملف إنساني له بعد سياسي عندما تبادل الطرفان إطلاق مسجونين لدى كلّ منهما بالإضافة إلى الإفراج عن أموال إيرانية كانت محتجزة في كوريا الجنوبية. إذاً هي نجاحات مشهودة للوسيط القطري في ملفات حسّاسة ودقيقة ومعقّدة ومتشعّبة، ولعلّ من أسباب نجاح الوساطات القطرية أنّ المساعي الحميدة تكون مجردّة عن أيّة مصالح خاصة، وأنّ الثقة من الأطراف المتخاصمة أو المتواجهة ثقة تامة بالوسيط القطري الذي يتعامل من دون قفّازات، وبالتالي فإنّ هذه الأسباب كفيلة بنجاح المسعى القطري. غير أنّ هذه الأسباب ليست وحدها المؤثّرة باستحقاق الرئاسة اللبنانية والكفيلة بإقناع القوى المعطّلة التي تتقاذف المسؤولية بالتعطيل، بل هناك عوامل أخرى من بينها مصالح القوى الخارجية المؤثّرة، وهي بالمناسبة قوى تتعامل مع لبنان باعتباره ساحة لها. وهناك القوى الداخلية التي لها حسابات خاصة محكومة بتوازنات داخلية. وهناك المنافسة أو الصراع في المنطقة وتداخل ذلك مع ما يجري في لبنان. كلّ هذه العوامل تحتاج إلى معالجة قبل أن تصل الأمور إلى خواتيمها السعيدة، وهي ستصل يوماً لكنّه قد لا يكون قريباً. د. وائل نجم

12345678910...