الرهانات الجوفاء ومحاولات نشر الفتنة
العدد 1662 /7-5-2025

دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تسعى إلى تغيير معالم المنطقة العربية أو ما يُسمّى بـ "الشرق الأوسط" من أجل ضمان الهيمنة عليها والاستئثار بخيراتها وثرواتها تسعى لإشعال الفتنة بين مكوّناتها، ونشر الفوضى فيها بهدف إضعافها وتفتيتها وتقسيم ما بقي منها، وضرب ما تبقّى من قدرات لدى حكوماتها وشعوبها، وكان آخر فصول هذه المحاولات الاعتداءات على سورية، والتدخّل في شؤونها، وإعلان حماية أحد مكوّناتها ( الموحدون الدروز) على الرغم من صدور بيان عن مشيخة عقل الموحدين بإدانة العدوان الإسرائيلي على سورية، ورفض التدخّل في شؤونها، ورفض الحماية الخارجية من أيّ طرف أو دولة أو فريق، فالدروز ليسوا بحاجة إلى حماية لأنّهم عنصر مكوّن وأساسي من الشعب السوري، وليس لديهم عداء مع أحد، ليسوا ندّاً أو ضدّاً للدولة السورية، وبالتالي فإنّهم يرفضون الادعاءات الإسرائيلية، ويؤكّدون على ولائهم لسورية وارتباطهم بها، وهو موقف يقطع الطريق على المحاولات الإسرائيلية التي يدرك الجميع أنّها تسعى وتعمل لاستخدام الآخرين "أكياس رمل" ومتاريس للدفاع عنها، ومن ثم ترميهم عند أول مفترق. لن تكلّ ولن تملّ دولة الاحتلال في سعيها لإشعال الفتنة ونشر الفوضى، وما يحصل في سورية يأتي في هذا السياق، والعدوان على لبنان وعدم الالتزام بموحبات وبنود وقف إطلاق النار يأتي أيضاً في هذا السياق، واستمرار العدوان على غزة والضفة الغربية يأتي أيضاً في هذا السياق، سياق إشعال الفتن ونشر الفوضى والاقتتال الداخلي لإضعاف كلّ الأطراف، وتمدّد ذلك إلى بقية دول المنطقة، بما فيها تلك التي تقيم علاقات تطبيع مع دولة الاحتلال، والهدف من وراء كل ذلك هو التفتيت والتقسيم واستخدام الجميع في أتون حرب لا تنتهي، تكون فيها دولة الاحتلال بمنأى عن أيّ خطر، وتضمن فيها استغلال واستخدام الجميع حتى تظلّ هي السيّد المطاع والمحرّك لكل شيء، والمتحكّم بمصير المنطقة وثروات شعوبها. هذه حقيقة ينبغي أن يعرفها الجميع؛ ولكن هناك حقيقة أخرى يبدو أنّ البعض لا يعرفها، أو أنّه يريد أن يغامر ويقامر بمصير شعوب المنطقة وبعض مكوّناتها من خلال المراهنة على دولة الاحتلال، ومن خلال الإصغاء إلى وعودها والسير في خططها وبرامجها الفتنوية، غير آبه بما يمكن أن يلحق شعوب المنطقة ومكوّناتها من أضرار أو ويلات لحساب دولة الاحتلال. هناك حقيقة أنّ البعض في لبنان وسورية كشف عن وجهه الحقيقي واستعان صراحة وبكل وضوح بدولة الاحتلال، ودعاها للتدخّل في شؤون المنطقة وشعوبها، بل إلى قصف وتدمير البنى التحتية لهذه الدول والشعوب، بحجج واهية لم يقم دليل صحيح ومنطقي عليها. هناك حقيقة أنّ البعض أعلن ارتباطه بدولة الاحتلال عندما راح يهدّد باسمها ويستمد العون والقوة منها، مراهناّ عليها لتنفيذ مشاريع وخطط مشبوهة لا تخدم سوى أعداء المنطقة المتربّصين بها شرّاً. هناك حقيقة أنّ هؤلاء راهنوا على الاحتلال عندما ظنّوا أنّه بات الأقوى والأقدر على ترتيب المنطقة وإعادة هيكلتها من جديد؛ لقد اصطفّ هؤلاء إلى جانب "نتنياهو" في تقرير مصير المنطقة، ولكن غاب عن ذهنهم أنّ الذي يراهنون عليه يبحث عن حلّ لأزمته، وعن أمن لكيانه، وعن طمأنينة لمستوطنيه، وعن ثقة بهذه الدولة الجوفاء التي بان وجهها، وانكشفت قوّتها المزيّفة إذ أنّها ليست سوى "نمر من ورق" لا قوّة ولا قيمة له من دون الدعم الخارجي، وهذا الدعم لن يستمرّ إلى أبد الآبدين، ولن يبقى هذا الجبروت إلى ما لا نهاية، عندها من يأتي بالأمن لدولة الاحتلال؟! ومن يضمن السلامة للمراهنين عليها؟! العابثين بمصير ومستقبل شعوب المنطقة؟! من يحمي حينها مشعلي الفتنة وناشري الفوضى ومروّجي منطق الخيانة؟! كلّ أولئك سيندمون قريباً، وهم لا يؤدّون هذا الدور، دور الخيانة والفتنة والفوضى إلّا لأنّهم متورطون فيه - كما يبدو - منذ زمن بعيد. أيّها العقلاء يا أصحاب الحكمة خذوا على أيدي أولئك المتلاعبين بمصير أهلهم وشعوبهم، وكفّوا أذاهم عن أهلهم قبل غيرهم، واحجروا عليهم حتى لا يكونوا لقمة سائغة بيد الاحتلال، فالرهانات التي يقدمون عليها جوفاء لا قيمة لها، والعاجز في فلسطين لن يكون بطلاً في سورية، وفاقد الأمن لنفسه لن يمنحه لغيره، هذه حقائق الجغرافيا والواقع قبل أن تكون روايات التاريخ.

إلى متى استباحة لبنان والمنطقة؟!
العدد 1661 /30-4-2025 د. وائل نجم

ما يجري في هذه المرحلة من أحداث وما يُطلق من مواقف هو استباحة واضحة للمنطقة العربية دون أيّ اعتبار لاتفاقات مبرمة، ولا لسيادة دول، ولا لقانون دولي، ولا لحقوق إنسان؛ ما يجري هو تكريس لمنطق القوّة والبلطجة، وفرض الهيمنة على الدول والحكومات، والتحكّم بمصير الشعوب وخيراتها وثرواتها وليس أكثر من ذلك ولا أقلّ. خلال الأيّام الماضية أغار الطيران الحربي الإسرائيلي على منشأة مدنية خالية ومفتوحة (هنكار) في الضاحية الجنوبية لبيروت فدمّرها ودمّر ما حولها وأحال الحياة في جوارها إلى جحيم تحت حجّة وذريعة أنّها منشأة عسكرية لحزب الله تهدّد الأمن الإسرائيلي، والجميع يعلم أنّ هذا الزعم ليس سوى الحجّة لتوجيه رسالة سياسية للبنان لإرغامه على الخضوع للشروط الإسرائيلية التي تريد أن تكتسب "الحقّ" بالتصرّف الحرّ في لبنان. والحقيقية أنّ هذه الغارة العدوانية الجبانة ليست سوى استباحة لسيادة لبنان وحقّه وأمنه واستقراره وحياة أهله، في ظلّ صمت وسكوت حتى من الذين رعوا اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي. خلال الأسابيع الأخيرة أيضاً أغار الطيران الإسرائيلي على العديد من القرى والبلدات الجنوبية وصولاً إلى مشارف بيروت حيث اغتال الأستاذ الجامعي الدكتور حسين عطوي، ومن قبله اغتال أحد الشخصيات الفلسطينية في وسط مدينة صيدا ليلاً، في استباحات لا تُعدّ ولا تُحصى دون أيّ اعتبار لشيء! ولم تقف حدود الاستباحة عند لبنان بل امتدت أيضاً إلى سورية حيث شنّ الطيران الإسرائيلي العديد من الغارات على مناطق متفرقة في سورية فضلاً عن الخروقات والاستباحات الحدودية في منطقتي القنيطرة وجبل الشيخ وحتى في أطراف محافظة درعا، وجرت هذه الاستباحات منذ اللحظة الأولى لإسقاط النظام السابق واستلام السلطة من قبل الحكومة السورية الجديدة، المنهمكة أصلاً في ترتيب الوضع السوري وفرض الاستقرار واستعادة النظام العام وهيبة الدولة. لقد حصلت هذه الاستباحات من دون إقامة أيّ اعتبار للقوانين الدولية ولا الشرائع ولا المواثيق ولا المعاهدات ولا غيره من الأمور. ناهيك عن استباحات غزة وقطاعها المدمّر حيث لم تعد الطائرات الحربية الإسرائيلية تجد ما تدمّره، فراحت تقصف بالصواريخ الكبيرة حتى الخيام التي تأوي النازحين. خلال الأيام الأخيرة خرج الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بموقف يتماهى مع استباحات كيان الاحتلال للمنطقة، فصرّح ترامب وطالب بعدم دفع رسوم عبور للسفن الأمريكية، التجارية والحربية، خلال مرورها في قناة السويس في مصر، زاعماً أنّ الأمريكيين ساهموا في شق وبناء هذه القناة؛ وكان ترامب من قبل أعلن عن بيع غزة، وضم كندا وغرينلاند، وقناة بنما، وربما يعلن غداً ويطالب بضمّ شرق الجزيرة العربية وجنوب العراق وغرب إيران، هذه المناطق الغنيّة بالنفط والغاز؛ أو ربما يعلن عن المطالبة بأرز لبنان ومرجان البحر الأحمر وغيرها وغيرها من الأمور. إنّها استباحة كاملة وواضحة لكل شيء كما لو أنّ هذا العالم ليس له قانون وليست فيه مبادئ ولا مواثيق تنظّم شؤونه وتحفظ حقوق الشعوب والدول. إنّها شريعة الغاب التي يأكل فيها القوّي الضعيف، ولكن إلى متى هذه الاستباحة والتسلّط على حقوق الناس وأمنها واستقرارها؟! إنّ هذا النهج لا يقود إلّا إلى مزيد من الغضب والاحتقان الذي يمكن أن ينفجر بوجه أصحابه في أيّ وقت. إنّ هذا النهج لن يسهم في صناعة السلام المزعوم الذي يدّعيه صنّاع القرار في عواصم العالم، بل سيفضي إلى ثورة واصطفافات دولية ستقود العالم إلى حروب جديدة هو بالغنى عنها. آن لشعوب المنطقة وحكوماتها أن تدرك أنّ هذا القادم من خارجها يستهدفها جميعاً. هذه الاستباحة لا تفرّق بين شعب وشعب ولا بين حكومة وحكومة ولا بين حكومة وشعب؛ إنّها استباحة تريد أن تلتهم الجميع دون استثناء، ولذلك فإنّ المنطق يقول إنّها يجب أن تضع خلافاتها جانباً لمواجهة هذه الهجمة الشرسة وهذا التغوّل الذي لا حدود لها، وإلاّ فإنّ الجميع سيكونون ضحيته وعندها لا ينفع الوقوف على الأطلال لأنّه لن تبقى أطلال.

أبا البراء .. تليق بك الشهادة
العدد 1660 /23-4-2025

لا أدري أأجزع لرحيلك أم أستبشر لنيلك الشهادة؟! الحقيقة يا أبا البراء مُرّة، والفراق صعب، ولكن لا أقول إلّا ما يُرضي ربّنا، وقد اتخذك الله واصطفاك شهيداً إنْ شاء الله في علّيين مع الأنبياء والشهداء والصدّيقين. في طفولتنا مع أبناء العمومة والخؤولة (عبدالله وقاسم وحسين) وفي حارات قريتنا وحقولها وبساتينها وجبالها كنت مميّزاً بيننا في عنفوانك وفي تمرّدك حتى في ألعابنا الطفولية حيث كنت دائماً تجسّد شخصية البطل الذي يأبى الخضوع ويرفض الاستسلام ويقف شامخاً بوجه الظلم والاستبداد ويمدّ يده لمساعدة كلّ مظلوم أو مقهور. قتل الاحتلال الغادر والدتك (عمّتي رشيدة) الصابرة، المجاهدة، المرابطة، المحتسبة، بقذيفة جبانة عمياء استهدفت قريتنا الهبّارية، وأنت ما زلت دون العاشرة من العمر، فأشعل فيك ذلك حماسة أكبر للوقوف بوجه العتاة والظالمين والمحتلين، وولّد داخلك شعوراً لا يعرفه كثير من الناس، شعوراً يعرف بجدّ معاناة أطفال فلسطين وهم الذين يفقدون أمهاتهم وآباءهم كلّ يوم دون أن يرفّ للعالم الظالم جفن. وعندما اشتدّ عودك اخترت مسارك في الحياة عاقداً العزم والنيّة على العمل لرفع الظلم حيث أمكن ذلك، ومواجهة الاحتلال حيث سمحت الفرصة والقدرة، ومساندة كلّ مقهور حيث توفّرت الإمكانية، وخلال كلّ هذه المراحل ظللت متمرّداً ثائراً مميّزاً كما في طفولتك لا تخضع لقواعد أرادوا تكبيل شعوبنا وأمّتنا بها. خضت ميادين الجهاد في بداية شبابك وأنت دون العشرين من العمر، وتمرّست في فنون القتال حتى أضحيت قائداً فذّاً لا يأبه ولا يخاف، وبقيت قبضتك على الزناد حتى لحظة الشهادة. آمنت أنّ العلم سلاح ميدانه لا يقلّ عن ميادين الجهاد، فامتشقت قلمك مدافعاً عن لغتنا العربية الأصيلة في مؤتمرات عقدتها وأشرفت عليها في لبنان والخارج لإيمانك بأنّ اللغة تحصّن المجتمع من الاختراق، وليقينك، وأنت الخبير في الحرب النفسية، أنّ الهزيمة تبدأ من هزيمة الأنفس، والنصر يولد من عنفوانها. كانت القدس ومسجدها الأقصى يراودان تفكيرك على الدوام، وأنت المسكون بحبّ فلسطين، وبوجع أهلها وأطفالها، فخطّ قلمك رواية "حارسها الأخير" وكأنك أردت أن تقول للجميع حرّاس القدس والأقصى لا ينتهون، بل يتوارثون الراية حتى تحريرها وزوال الاحتلال. أمس غدر بك الاحتلال الجبان، وأخذك على حين غرّة ظنّاً منه أنّه قد نال منك، ومن عنفوانك وعزيمتك، لكن راح عن باله أنّ الله اصطفاك إلى جواره مع الشهداء والأنبياء والصدّيقين فهنئاً لك الشهادة التي تليق بك أخي "أبو البراء". رحمك الله وتقبّلك عنده في علّيين.

عن سحب السلاح واستراتيجية الدفاع الوطني
العدد 1659 /16-4-2025

تكثّف في الفترة الأخيرة الحديث عن سحب أو نزع السلاح وحصريته بيد الدولة وبموازاته عن ضرورة اعتماد استراتيجية دفاع وطني تحمي لبنان من الأطماع، وتحمي سيادته بما يجعله ويمكّنه من أن يكون صاحب القرار فوق أرضه وترابه وعلى مواطنيه؛

هل تقع الحرب الكبرى؟
العدد 1658 /9-4-2025 د. وائل نجم

بلغ التصعيد والتوتّر ذروته خلال الأيام الأخيرة على مستوى المنطقة العربية، بل على مستوى العالم أيضاً. فالولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب تريد أن تنتهي من الملف النووي الإيراني، بل تريد فرض وإحكام السيطرة على المنطقة ونفطها وغازها وثرواتها ومقدراتها لمئة عام قادمة أو أكثر أو أقل. وكيان الاحتلال الإسرائيلي، القاعدة العسكرية المتقدمة لأمريكا، يريد أن يكون شريكاً كاملاً وأساسياً في هذه العملية، والحديث عن الملف النووي الإيراني والتهديد بضربه ليس سوى الشمّاعة التي يجري التعليق عليها، والتلطّي خلفها بهدف استكمال المخطط الذي تحدّث عنه نتنياهو في أواخر أيلول/ سبتمبر من العام 2024 عندما اغتال زعيم حزب الله في لبنان، وقال يومها إنّه سيغيّر النظام في لبنان ومنه في المنطقة بشكل عام. ترامب أرسل رسالة عبر سلطنة عُمان إلى الإيرانيين وأعطاهم فيها مهلة شهرين لتسوية ملفات: النووي، والصواريخ، والنفوذ في المنطقة، وإلاّ الضربة العسكرية؛ وأرفق ذلك باستعدادات عسكرية حقيقية حيث حرّك طائرات استراتيجية وبوارج وحاملات طائرات إلى المناطق المحيطة بإيران وإن كانت تقع على بعد آلاف الأميال عن الأراضي الإيرانية. وكيان الاحتلال الإسرائيلي استأنف عدوانه على قطاع غزة وأطاح باتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى، كما عاود اعتداءاته على لبنان وسورية بهدف تقويض أيّة مساعي وجهود يمكن أن يقوم بها أيّ طرف تؤثّر لاحقاً على تحركاته فيما لو اعتزمت الولايات المتحدة توجيه ضربة لإيران. عملياً الكيان الإسرائيلي تولّى عملية تسديد الضربات المستمرة لحلفاء إيران بهدف منعهم من التحرك المجدي والفعّال في حال قرّرت الولايات المتحدة توجيه الضربة. والقيادتان العسكريتان الأمريكية والإسرائيلية عقدتا سلسلة اجتماعات مطوّلة قبل أيام قليلة قد تكون بهدف وضع اللمسات الأخيرة على أيّ تحرك عسكري جدّي وحقيقي تجاه إيران. وبالطبع فقد ردّت إيران على الرسالة وعلى التهديدات وعلى التحركات برسالة جوابية وبتهديدات مضادة وبتحركات ميدانية، ولكن الجميع بات يدرك أنّها لم تعد بمستوى التهديدات والتحركات والتهديدات التي كانت تمتلكها من قبل تلقّي حلفاء إيران في المنطقة الضربة القويّة خلال العام الماضي. هل تقع الحرب الكبرى؟ ليس بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وكيان الاحتلال الإسرائيلي فحسب؟! بل حتى بين دول أخرى في المنطقة والعالم ستجد نفسها معنيّة بالدخول فيها أو الانزلاق إليها، خاصة في ظلّ الحرب الأخرى التي يشنّها ترامب على مختلف دول العالم والمعروفة بـ "حرب الجمارك" التي يفرض فيها ترامب المزيد من الجمارك على الدول الأصدقاء والأعداء لأميركا على حد سواء. ترامب يتقن لعبة الذهاب في مفاوضاته إلى حافة الهاوية، كما يتقن سياسة رفع سقف المطالب والشروط للحصول على المكاسب بأقل الأثمان. وإيران ليست أقلّ خبرة من ترامب في هذا المضمار بل تكاد تكون سيّدة من أتقن هذه السياسة وأدّاها، ولذلك فإنّها لم تصدّ دعوة ترامب للمفاوضات، ولم ترفض شروطه ومطالبه مرّة واحدة، بل على العكس بدأت رحلة تفكيك هذه الشروط، وتمييع المطالب على أمل أن تتجنّب المواجهة المكلفة لأنّها فقدت الكثير من عناصر قوّتها، وأن تحتفظ بدور وحضور وإن كان لا يرقى ولا يصل إلى نصف ما كان عليه قبل شهور وليس سنوات. أمّا كيان الاحتلال، خاصة بقيادة نتنياهو ولاعتبارات عديدة، فإنّه معني بشكل جدّي بتوجيه ضربة عسكرية لإيران تضع حدّاً للملف النووي، ولمسألة الصواريخ والنفوذ في المنطقة لأنّ من شأن ذلك أن يُطلق يد كيان الاحتلال في المنطقة بشكل كامل. ماذا عن مفاوضات يوم السبت بين الولايات المتحدة وإيران في عُمان؟ التقديرات تشير إلى أنّ ترامب لا يريد حرباً بل يريد التزاماً إيرانياً بشروطه ومطالبه؛ وإيران لا تريد حرباً أيضاً بل تريد النجاة من هذه المصيدة والخروج منها بأقل الأضرار، فالحفاظ على الدولة في هذه المرحلة، بالنسبة لهم، أهم بكثير من نشر الثورة، ولذلك قد تقدّم إيران تنازلات غير منتظرة أو متوقّعة لتفادي الضربة العسكرية مع الحفاظ على الصوت العالي والمرتفع في مواجهة أميركا، ولعلّ مسؤوليها بدأوا يتحدثون عن الاستعداد لتقديم بعض التنازلات في سياق تفريغ القوّة العسكرية الأمريكية من مضمونها. تبقى الخشية من أمر آخر وهو أن يكون "الطبل والزمر في مكان والعرس في مكان آخر"، بمعنى أن تكون الخشية من حرب كبرى مع إيران فإذا بها تكون حروب موضعية على حساب دول وشعوب أخرى في المنطقة أولهم العرب والأتراك.

الرهان على الحماية الدوليّة!
العدد 1657 /26-3-2025 د. وائل نجم

استمر الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على الشعبين اللبناني والفلسطيني على الرغم من اتفاقي وقف إطلاق النار في لبنان وفلسطين. ففي لبنان لم يتوقف الاحتلال عن ممارساته العدوانية ولو ليوم واحد منذ الاعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار وانسحابه من الجنوب؛ فهو لم يوقف إطلاق النار وظلّت مسيّراته تغير على اللبنانيين تحت حجّة وذريعة أنّهم قاموا بأعمال تشكّل خطراً على الاحتلال، ولم ينسحب من كلّ الأراضي اللبنانية بل ثبّت احتلاله لخمس تلال حاكمة على أقلّ تقدير في الجنوب، ورفض الانسحاب منها على الرغم من مناشدات الحكومة اللبنانية لرعاة وقف إطلاق النار التدخّل من أجل إقناعه بالانسحاب. وفي غزة الوضع ليس أفضل حالاً فقد استمر الاحتلال بعدوانه على الشعب الفلسطيني الأعزل، وقتل في ليلة واحدة من الغارات الحربية التي شنّتها الطائرات أكثر من خمسماية فلسطيني في المخيمات والمباني السكنية وحتى في المشافي ومناطق الإيواء؛ وهو مستمر بجريمته يومياً حيث يسقط كلّ يوم عشرات الشهداء، حتى أنّه استهدف بشكل مباشر بإحدى غاراته مبنى للصليب الأحمر الدولي غير آبه بما يمكن أن ينتج عن ذلك، لأنّه بكل بساطة أمن أيّ عقاب، وعلم أنّ الحديث عن مجتمع دولي، وعن قانون دولي يُطبّق على الضعفاء والفقراء وغير أولي القوّة، أمّا هو وأسياده ورعاته فهم المجتمع الدولي، وهم من صنع القانون الدولي، وقد صنعوه لخدمتهم ليس لإقامة العدالة وإنصاف المظلومين في هذا العالم. يخرج بيننا من يراهن على المجتمع الدولي والأمم المتحدة والقانون الدولي من أجل حمايتنا من غطرسة الاحتلال وممارسته، ويدعو إلى تجريد مجتمعنا من كلّ عناصر وأسباب القوّة التي يمكن أن تشكّل توازناً، ولو بالحدّ الأدنى، يجعلنا نشعر بالأمن والاستقرار النسبي، ويطالبنا بالخضوع لإرادة الاحتلال والتغاضي عن ممارساته واللجوء إلى المجتمع الدولي وقانونه ومنظماته، ونحن أمام أمثلة شاخصة لعجز المجتمع الدولي عن القيام بأدنى دور ومسؤولية في حماية المدنيين، وفي تأمين حقوقهم التي أقرها هو نفسه، وفي الضرب بيد من حديد على أيدي العابثين بالاتفاقات التي تمّ التوقيع عليها برعاية ووساطة المجتمع الدولي، فهل أمّن هذا المجتمع الحماية والرعاية والعناية للمدنيين؟ ها هو الاحتلال الإسرائيلي يرتكب المجازر بحق الفلسطينيين واللبنانيين، ويخرق الاتفاقات في فلسطين ولبنان وحتى في سورية، ويهدّد أمن مصر والأردن والخليج العربي، دون أن يقيم أيّ اعتبار للمجتمع الدولي والقانون الدولي! ها هو الاحتلال الإسرائيلي يريد أن يفرض قانونه الخاص الذي يسمح له بتسيّد المنطقة على حساب أهلها وشعوبها، فأين المجتمع الدولي، والقانون الدولي، والأمم المتحدة؟! بصراحة الرهان على كلّ هؤلاء لا يسمن ولا يغني من جوع، وليس سوى عملية خداع لشعوبنا التي تُساق إلى المقصلة الإسرائيلية سوقاً. قد يقول قائل: وما هو البديل في ظلّ موازين القوى القائمة والمائلة لصالح الاحتلال ورعاته؟ ويضيف: هل من خيار آخر متاح غير الرهان على المجتمع الدولي وقانونه؟ نعم هناك، خيار المواجهة ولو بالحدّ الأدنى من دون إهمال أيّة وسيلة أخرى تشكّل ضغطاً ولو جزئياً وبسيطاً على الاحتلال ومنها المجتمع الدولي وأدواته، ولكن من دون إسقاط خيار المواجهة كلّياً. وإذا كان خيار المواجهة في مرحلة من المراحل صعباً ومكلفاً فهذا لا يعني الاستغناء والتخلّي عن أدوات القوّة بشكل كامل، فهذه الأدوات، على بساطتها وبدائيتها، شكّلت لنا ذات يوم فرصة حقيقة تمتّعنا فيها بشيء من الاستقرار وشعرنا معها بشيء من العزّة والكرامة والقوّة، فقد كان أهل الجنوب يعيشون في قراهم الحدودية المحاذية إلى الشريط الحدودي دون خوف أو قلق، وكان أهالي غزة يشعرون بالثقة والعزّة ومواجهة الاحتلال على الرغم من الحصار الجائر والظالم الذي كان وما زال مفروضاً عليهم. أمام الواقع الذي نعيشه ونراقبه ونتابعه، وأمام عجز وفشل المجتمع الدولي حيث تحوّل هذا العالم إلى ما يشبه الغابة التي تسودها شريعة القوّي الذي يأكل الضعيف، لا يمكن الرهان على هذا المجتمع ولا على قانونه، ولا يمكن إسقاط عناصر القوّة المتبقية في أيدينا، نحن أبناء هذه الأرض وهذا الشرق، كما لا يمكن الذهاب إلى مواجهات مفتوحة من دون حسابات دقيقة، بل العمل وفق هذه الحسابات وصولاً إلى حصول متغيّر يسمح بإعادة الأمور إلى نصابها والحقوق إلى أهلها.

الهروب إلى الأمام باستغلال الدماء!
العدد 1656 /19-3-2025 د. وائل نجم

استفاق الناس في المنطقة العربية على جريمة ومجزرة جديدة اقترفها العدو الإسرائيلي بحقّ أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عندما غدر بالمدنيين الآمنيين وتسلّلت طائراته الحربية وسط الظلام ليلة الاثنين - الثلاثاء لتلقي حمماً من النار والحديد على الفلسطينيين وهم ينامون مع أبنائهم في تلك الخيم التي لم يعرفوا سبيلاً للحصول عليها وهي بالكاد تأويهم من برد الشتاء. أغار عليهم وأعمل فيهم صواريخه الثقيلة والكبيرة مخلّفاً أكثر من أربعمئة شهيد من الأطفال والنساء والعزّل، وليأتي بعد ذلك المجرم ويتحدّث عن أنّ ذلك ليس سوى مجرد بداية فحسب. ارتكتب الاحتلال جريمته تحت ذريعة وحجّة إطلاق سراح الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، وقتل هذا العدد الكبير من الشهداء، فهل يحقّ للأسرى أن يعيشوا بنعيم وحريّة ولا يحقّ للفلسطينيين أن يعيشوا بالحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة الكريمة؟! هل أنّ حياة الأسرى الإسرائيليين أثمن من حياة الفلسطينيين؟! يبدو أنّ ذلك مقبولاً عند ما يُعرف ويُسمّى بـ "المجتمع الدولي" والأمم المتحدة، وإلاّ كيف يسمح هذا "المجتمع" الذي يتغنّى بحقوق الإنسان بهذه الجرائم الفظيعة ولا يُحاسِب عليها؟! الحقيقة أنّ الاحتلال الذي ارتكتب هذه المجزرة الجديدة وقتل هذا العدد من الشهداء عبّر كما كلّ مرّة عن نواياه تجاه شعوب المنطقة بشكل عام، وكشف مرّة جديدة، لمن لم يكتشف بعد، عن وجهه القبيح، وحجم وكميّة الحقد والكراهية التي يحملها في قليه تجاه العرب والمسلمين من أبناء الأرض، فضلاً عن إقراره بالفشل الذريع في كلّ ما قام به لتحقيق أهداف حربه وعدوانه على غزّة، وما المجزرة الأخيرة إلاّ حالة تعبير عن إنكار و"هروب إلى الأمام" بعد إخفاقه في الضغط على المقاومة الفلسطينية لدفعها لتقديم تنازلات تقضي على مستقبل الشعب الفلسطيني، ولكسر إرادة هذا الشعب الذي وقف إلى جانب مقاومته على الرغم من حجم الثمن الذي دفعه جراء هذا الصمود والموقف. المجزرة هي حالة "هروب إلى الأمام"؟! نعم ذلك، بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، وهي استغلال رخيص لدماء الفلسطينيين من أجل تحقيق أهداف سياسية خاصة وشخصية لقادة كيان الاحتلال وهو ما صرحّت به ما تُسمى عندهم بـ "المعارضة"، وقد ظهر ذلك من خلال عودة السياسي المتطرف، إيتمار بن غفير، إلى الحكومة وهو الذي كان يشترط استئناف الحرب والعدوان على غزة من أجل العودة إلى الحكومة. في مقلب آخر من حدود لبنان الشرقية والشمالية تجري حالة هروب أخرى إلى الأمام ولكن بشكل مختلف وعناصر مختلفة. قبل أيام فُتحت الجبهة الشرقية مع الجيش العربي السوري وحصلت اشتباكات وتبادل لإطلاق النار عبر الحدود سقط فيها عدد من أفراد الجيش السوري. جرى تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن هذه المواجهات والاشتباكات. الفاعل من الجانب السوري معروف ولا ينكر عمله، وهو الجيش والقوات المسلحة السورية. أمّا من الجانب اللبناني فالمشهد مختلف، الجيش اللبناني ليس عنصراً أساسياً في المشهد، بل يعمل على ضبط الوضع من خلال الإجراءات الميدانية من ناحية والاتصالات السياسية مع الحكومة السورية من ناحية ثانية. الفاعل من الجانب اللبناني غير معروف حتى الآن؛ حزب الله نفى مسؤوليته عمّا يجري، والحديث يجري عن عشائر تارة، وعن رعاة ماشية تارة أخرى، وعن مهرّبين وفلول للنظام السوري مرّة ثالثة، "والطاسة" يظنّ البعض أنّها "ضائعة" ولكن الحقيقة يعرفها الجميع ولا تحتاج إلى دليل، فهي من الأشياء التي "دليليها منها وفيها". الحقيقة أنّ هناك ممارسة لحالة إنكار و"هروب إلى الأمام" تماماً كما في حالة غزّة، بعد الفشل والإخفاق وعدم الاعتراف بالواقع الجديد، والذهاب نحو خلط الأوراق حتى لو أدّى ذلك إلى إحراق "البصرة" بما فيها ومن فيها. هناك من يريد أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وهي لن تعود، لأنّها بعكس الطبيعة وبعكس نواميس الحياة، ولذلك قد تكون الأثمان كبيرة وضخمة، وقد يكون المستقبل ثقيلاً على الجميع. على كلّ حال، حالات الهروب إلى الأمام لا تلغي الحقائق ولا تُخرج من الأزمات، هي مجرد أوهام يعيشها أصحابها إلى حين، ولكنّهم لاحقاً يدفعون بسببها أثماناً طائلة وكبيرة جدّاً، ولكنّهم لا يدركون.

هل تجاوزت المنطقة فصول التقسيم والانفصال؟
العدد 1655 /12-3-2025 د. وائل نجم

أعمال الفوضى والتخريب، بل ربّما محاولة الانقلاب أو الانفصال الفاشلة التي قام بها فلول النظام السوري السابق في منطقة الساحل السوري باءت بالفشل الذريع وولّت إلى غير رجعة، بل على العكس من ذلك فقد كانت سبباً مباشراً لفكفكة عُقد كانت ما تزال تعيق انطلاق قطار نهضة سورية الحديثة، حيث كان من نتائج ذاك الفشل لتلك المحاولة توقيع اتفاق بين الحكومة السورية بدمشق و"قوات سورية الديمقراطية" في شمال شرق البلاد بحيث تنخرط هذه القوات مدنياً وعسكرياً واجتماعياً وسياسياً في الدولة السورية الجديدة، وينتهي بذلك كلّ حديث عن انفصال أو تقسيم، وتخضع بذلك كلّ الجغرافيا السورية لسيادة وسيطرة الحكومة في دمشق. كما كان من نتائج فشل تلك المحاولة الاتفاق مع وجهاء محافظة السويداء من أبناء الطائفة الدرزية على الانضمام الكامل إلى الدولة بعدما كانت فكرة الانفصال أو على أقلّ تقدير فكرة "الفدرلة" تراود عقول البعض من أبناء المحافظة في مقابل تمسّك قسم كبير منهم بالدولة ومرجعيتها. هل يمكن القول في ضوء ما حصل حتى الآن إنّ فكرة الانفصال والتقسيم سقطت في سورية، وبالتالي في كلّ المنطقة؟ لا شكّ أنّ النوايا التي ظهرت خلال الفترة الأخيرة بالانفصال والتقسيم أصيبت بخيبة كبيرة، سواء لدى أطراف في الداخل أو في سياسات حكومات الخارج، وليس في سورية فحسب بل في بقية دول المنطقة، لكنّ ذلك لا يعني أنّها انتهت وتلاشت للأبد، فأصحاب تلك النوايا في الداخل ما زالوا حاضرين في المشهد، وتلك النوايا لدى بعض راسمي السياسات في الخارج لم تتغيّر بعد، غير أنّ الواقع الحالي لم يعد يسمح لهم بتحويل تلك النوايا إلى أمر واقع حقيقي، وبالتالي فقد باتت هناك صعوبة كبيرة حالياً في الذهاب إلى خيارات التقسيم والانفصال، وقد كان للموقف الرسمي والشعبي السوري دور أساسي في إفشال ذلك في سورية وفي المنطقة كما جرى الإشارة إلى ذلك من قبل. الصراع في المنطقة وعليها لن ينتهي، خاصة وأنّ ساحات أخرى ملتهبة بشكل كبير كما في فلسطين، وهي متصلة بمختلف الساحات الأخرى التي تشهد شدّاً وجذباً، والتداخلات الإقليمية والدولية كبيرة وواسعة ومتشعبة؛ ويريد بعضها إحكام السيطرة على المنطقة بشكل كامل وإخضاعها لهيمنته وجبروته، ويريد بعضها الآخر استغلالها لمصالحه الخاصة وفي إطار تكريس دوره في المنطقة أو حماية مصالحه أو استخدامها كورقة للتفاوض من أجل الكسب والبيع والشراء؛ ويريد بعضها الثالث تقسيمها وتقزيمها من أجل أن يسهل هضمها والتحكّم بثرواتها وأبنائها. بمعنى آخر فإنّ منطقتنا العربية التي تقع في قلب العالم، وتطلّ على أغلب الممرّات البحرية التي تتحكّم بالتجارة الدولية البحرية، وترقد على ثروات نفطية وغازية هائلة لا غنى للعالم عنها، اليوم هي مسرح الأحداث والغنيمة التي يتقاتل عليها الآخرون ويحاولون استغلالها ونهبها. إنّ الحاجة باتت اليوم ماسّة جدّاً لتفاهم وتفهّم وتكامل عربي وإسلامي في المنطقة يحميها من اللصوص العالميين، الذين يخطّطون لها ويكيدون لشعوبها وحكوماتها على حدّ سواء، وقد آن الآوان للخروج من الحسابات الضيّقة ومشاريع الهيمنة والتوسّع تحت أي عنوان، فرقاب الجميع باتت تحت المقصلة، والاستهداف لا يستثني أحداً على الإطلاق، ولعلّ في وضوح سياسات الرئيس الأمريكي الذي تحدّث عن تهجير أهل غزّة إلى مصر والأردن، وحديث رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي عن إلقاء الفلسطينيين في السعودية، ما يكشف كل النوايا الدفينة للمشاريع التي تريد النيل من منطقتنا وأمتنا؛ وعليه فإنّ التكامل والتفاهم والتفهّم مطلوب للتصدّي لكل من يريد النيل من هذه الأمّة. وبالعودة إلى ما جرى في سورية خلال الأحداث الأخيرة في الساحل، فإنّ بعض الدول لم تستوعب بعد الأحداث والتطوّرات والمعادلات الجديدة التي نشأت؛ ربما تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وهي لن تعود، وربما تريد الدخول من جديد في رهانات خاسرة جرّت عليها خسائر فادحة وكبيرة، وهذه الرهانات لن تجدي نفعاً لأنّها معاكسة لمنطق الطبيعة، وبالتالي فإنّ الخسائر ستكون أكبر بكثير، هذه الدولة عليها أن تتصالح مع نفسها، ومع محيطها العربي الإسلامي حتى تنتمي إلى منظومة التفاهم والتفّهم والتكامل التي تحفظ المنطقة لشعوبها وأبنائها وتقطع الطريق على أيّ استغلال من خارجها. في ضوء إفشال السوريين لمحاولة تقسيم المنطقة بدءاً من سورية، هناك فرصة تاريخية للجميع للم الشمل وقطع الطريق على كلّ السياسات التي تريد أن تتحكّم بالمنطقة وتعمل على نهبها.

رهانات خاسرة !
العدد 1654 /5-3-2025 د. وائل نجم

الأيام القليلة الماضية كانت حافلة بالتصريحات والمواقف الإسرائيلية التي يهدف كيان الاحتلال من خلالها إلى فرض رؤيته على المنطقة على اعتبار أنّه حقّق إنجازات كبيرة، سيّما في لبنان، بعد عدوانه على هذا البلد، وبعد إسقاط نظام الأسد في سوريا وشعور رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بأنّ الفراغ الذي تعيشه الشام يسمح له بفرض هذه الرؤية، خاصة وأنّه شنّ سلسلة من الغارات الحربية منذ الثامن من كانون الأول / ديسمبر 2024 على المواقع والأسلحة الاستراتيجية التي كانت بحوزة النظام المخلوع حتى لا تقع بأيدي الحكم الجديد، ولم يلق أيّ ردّ مناسب لأنّ أولويات الحكم الجديد الآن هي ترسيخ الأمن والاستقرار الداخلي لأبناء الشعب السوري. يخشى نتنياهو الحكم الجديد في سوريا لأنّه يحمل فكرة تحرّرية لأبناء هذا البلد، وربما لأبناء المنطقة لاحقاً، ويدرك نتنياهو أنّ خدمات النظام السابق انتهت إلى غير رجعة، وبالتالي فإنّ خشية نتنياهو تتعاظم مع كل يوم يمضي ويستقر فيه الحكم الجديد، ولذلك يحرص على العمل من أجل عدم تمكين هذا الحكم من الاستقرار، بل الذهاب أبعد من ذلك ناحية تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية أو عرقية متنازعة ومتقاتلة، ولتكريس هذا الأمر أعطى الأوامر لجيشه بالتقدّم في الناحية السورية من جبل الشيخ، والدخول في بعض مناطق جنوب سوريا في القنيطرة ودرعا، وصرّح بأنّه لا يسمح بالاعتداء على "الدروز" تحديداً في "السويداء" أو حتى في "جرمانا" بريف دمشق، وأنّه سيكون الحامي لهم. الحقيقة أنّ نتنياهو لا يريد سوى مصالحه الشخصية الخاصة، ولا يستطيع أن يحمي نفسه فضلاً عن أن يحمي غيره، فها هو قد دمّر غزّة، ولكن لم يحقّق أيّ هدف من أهدافه فيها، ولم ولن يجرؤ مستوطن واحد أن يعود إلى مستوطنات الغلاف، ولا يثق مستوطن واحد بما يقوله نتنياهو أو يتعهّد به. ألم يفعّل قانون "هنيبعل" لقتل الجنود الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية كي يتخلّص منهم؟! هل فكّر بحمايتهم؟ هل فكّر بالعمل لإطلاق سراحهم بطرق تحفظ حياتهم؟! لم يفعل أيّ من هذا، بل على العكس أراد التخلّص منهم للتخلّص من ضغط أهلهم وذويهم. فهل المتخلّي عن جنوده الذين يقاتلون في الميدان دفاعاً – كما يعتقدون عن دولتهم –سيحمي ويحفظ غيرهم؟! إنّ كلّ ما يقوله أو يقوم به نتنياهو أو حتى كيانه المزعوم ليس سوى استخدام مكوّنات أبناء المنطقة من الدورز وغيرهم بهدف تحقيق مصالحه الشخصية أولاً وقبل كلّ شيء، ومن ثمّ أهداف كيانه في الهيمنة والسيطرة على المنطقة والاستبداد بها، وهو ما أشار إليه وحذّر منه الزعيم الوطني والعروبي وليد بك جنبلاط. والحقيقة الثانية أنّ كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يريد أن يرمي أهل غزّة والضفة الغربية وربما الداخل الفلسطيني من خلال خططه وبرامجه ومشروع يهودية الدولة، خارج فلسطين، لن يستقدم إلى دولته المزعومة أيّ مكوّن آخر، ولن يمنح حصانة لأيّ مكوّن آخر، بل على العكس من ذلك سيستعدي العرب حتى أولئك الذين كانوا يسيرون معه في ركاب التطبيع، لأنّهم بدأوا يستشعرون خطره عليهم، وبالتالي لن تكون مشاريعه سهلة التحقّق ولن تكون الأبواب مشرّعة أمامها. إنّ كلّ رهانات الاحتلال على استخدام بعض مكوّنات سوريا أو المنطقة بشكل عام لتكون في خدمة مشاريعه وخططه ستفشل وستكون خاسرة وخائبة. إنّ المستوطنين في فلسطين لم يعد لديهم ثقة بالاستمرار وبالبقاء في هذه الأرض المقدّسة، وبالتالي فإنّ قدرته على حماية غيره هي سراب بسراب، وهي من ضروب المقامرة التي تحاول أن تستغل بعض المكوّنات المذهبية والعرقية في المنطقة لصالح مشاريعها الخاصة ومن ثم التخلّي عنها عند أول منعطف. أمّا بعض الرؤوس الحامية والمراهنة على دعم الاحتلال، أو حتى على دعم داعم الاحتلال في واشنطن، فإنّي أحيلكم إلى مشهد لقاء الرئيس ترامب بالرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلنسكي، الذي كان عاصفاً وصل به الحدّ قيام ترامب بتوجيه صفعة قوّية من يده اليمنى إلى خد ورقبة الرئيس الأوكراني، هل شاهدتم المشهد؟! ألا تخشون أن يصيبكم بعض الذي أصاب زيلنسكي الحليف الأبرز والأقوى لواشنطن؟! إلى أولئك في سوريا أو في جبل لبنان من الذين يستنجدون بالإسرائيلي أو يراهنون عليه أو يظنّون أنّه سيحميهم؛ لا تراهنوا على فرس خاسرة، لا تراهنوا على مقامر مستعد للتخلّي عن كلّ شيء أمام مصالحه الخاصة، لا تغترّوا بقوّة وجبروت سلاح الطيران، فإنّه وإن دمّر لكنّه لا يحسم الحرب، وحده الميدان هو الذي يحسم وسيظل لأهل الأرض، لا تخطئوا التقدير وتُوقِعوا بأهلكم في الهلاك، فالمنطقة ما زالت تتسع للجميع، ودوركم وحقّكم محفوظ فلا تتخلّوا عنه وكونوا شركاء في بناء سورية ولبنان والمنطقة لتكون لكلّ أبنائها، والكيّس من اتعظ بغيره.

جلسة مناقشة البيان الوزاري .. نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً!
العدد 1653 /26-2-2025 د. وائل نجم

الجميع يدرك أنّ حكومة الرئيس نوّاف سلام ستنال ثقة المجلس النيابي لسبب بسيط وهو أنّها صورة مصغّرة عن المجلس النيّابي لأنّها تشكّلت وفق منطق المحاصصة بين القوى السياسية الممثّلة في المجلس النيّابي، ولذلك داعي للقلق لناحية الثقة التي سيمنحها المجلس للحكومة، وقد رأينا على سبيل المثال لا الحصر أنّ أكثر القوى السياسية والنيّابية ديها حساسية من الحكومة ورئيسها، وهي كتلة الوفاء للمقاومة، أعلن رئيسها النائب محمد رعد أنّ الكتلة تمنح الحكومة الثقة انسجاماً واحتراماً لوجود ممثلين لكتلة الوفاء للمقاومة في الحكومة، وعلى هذا المثال يمكن القياس مع الكتل النيّابية الأخرى المشاركة في الحكومة بطريقة من الطرق. على هذا الأساس ليس هناك هلع أو خوف لدى الرئيس سلام ووزرائه من حجب الثقة عن الحكومة، حتى أنّه عندما سمع رئيس تكتل لبنان القوي، جبران باسيل، يحجب ثقة التكتل عن الحكومة، ويصرّح بندمه لأنّه سمّاه لرئاسة الحكومة، لم يأبه الرئيس سلام لهذا القول وأشار بيده إلى أنّه لا يبالي بما يقوله رئيس التكتّل. وإذا كانت ثقة المجلس النيّابي للحكومة مضمونة، وإذا كانت القوى السياسية النيّابية المشاركة في الحكومة ستمنحها الثقة، فلماذا كلّ هذا الوقت والضجيج والمواقف العالية السقف والنبرة التي يصرّح بها بعض النوّاب من الذين يختمون كلمتهم أمام المجلس وأمام الرأي العام اللبناني بمنح الثقة للحكومة؟! لماذا كل هذا القلق الذي ينشرونه في أوساط الرأي العام اللبناني ثم بعد ذلك يمنحون الحكومة الثقة؟! لقد تحوّل منبر المجلس النيابي إلى منصة للمزايدات وحتى الكذب على الرأي العام اللبناني وخداعه بتصريحات ومواقف زائفة سرعان ما تتبخّر في نهاية الكلمات، وليس لها هدف إلاّ تشويش الرأي العام وإلهائه وصرف اهتمامه عن القضايا الأساسية الحقيقية. بل تحوّل منبر المجلس إلى فرصة لمخاطبة الرأي العام اللبناني بهدف اختطافه من جديد على أبواب الانتخابات البلدية في أيّار المقبل، والانتخابات النيابية في أيّار من العام 2026، حتّى صحّ القول في كلّ ما يجري في المجلس النيابي "نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً"، بمعنى هناك قرقعات وأصوات عالية وتصريحات كبيرة ولكن ترجمتها العملية تساوي صفراً. آن الآوان للنوّاب والكتل النيّابية أن تحترم عقل الرأي العام، وآن للرأي العام أن يستوعب ويعي ما يجري لأنّ ذلك لا يخرج عن إطار المسرحيات التي لا تسمن من جوع. أمّا البيان الوزاري للحكومة فإنّه لم يخرج عن إطار المعهود والكلام المسعول والملغوم، ولم يأتِ بأيّ جديد مختلف عن بيانات الحكومات السابقة، ولذلك فإنّ البيان الوزاري جاء عامّاً لا يختلف عليه اثنان، غير أنّه لم يدخل في التفاصيل والآليات التي سيعتمدها لتطبيق ما يعد به وما يتحدث عنه، وهنا يبقى البيان الوزاري دون مستوى المطلوب في نظام ديمقراطي برلماني يُفترض أن يحاسب فيه المجلس النيابي الحكومة، وأن يمنحها أو يحجب عنها الثقة ابتداءً. جلسة مناقشة البيان الوزاري على مدى يومين لا يخرج عن إطار لزوم ما لا يلزم، فلا الثقة تُمنح أو تُحجب على أساس هذا البيان، ولا المحاسبة والمحاكمة تتمّ وفقاً لما التزم به، ولا السياسات التي تحكم بها الحكومة البلد متوفّرة ومتواجدة فيه، ولذلك فإنّ هذه الجلسة هي من متمّمات الديكور الديمقراطي الذي يضفي على العملية نكهة تجعل الناس تتقبّل ما يجري حتى لو كانت مخدوعة فيه.

12345678910...