قمّة الدوحة وتحدّي مواجهة الأخطار المحدقة بالأمّة
العدد 1681 /17-9-2025 د. وائل نجم

بعد العدوان الإسرائيلي على منازل ومكاتب قادة في حركة حماس من أعضاء وفد التفاوض في العاصمة القطرية الدوحة بهدف قتلهم والتخلّص منهم ومن عملية التفاوض من ناحية، وبهدف فرض وتكريس قواعد جديدة في "الشرق الأوسط" ودول جوار فلسطين المحتلة من ناحية ثانية بحيث يصبح كيان الاحتلال الإسرائيلي صاحب الكلمة الفصل واليد الطولى في المنطقة، والمقرّر لسياساتها وأوضاعها فيما تتحوّل بقية دول وحكومات المنطقة إلى مجرد أدوات عنده ولديه تقوم بما يمليه عليها وما يؤمّن له المصالح؛ بعد هذا العدوان، ومع استشعار خطورة المرحلة المقبلة، تداعت الدول العربية والإسلامية، من أعضاء جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، إلى قمّة مشتركة انعقدت في العاصمة القطرية الدوحة التي تعرّضت للعدوان، وقد حضر في القمّة قادة ورؤساء وملوك وأمراء من الصفّ الأوّل، كدليل على خطورة المرحلة، وصعوبة التحدّي، وصلافة العدو. فهل حقّقت هذه القمّة ما كانت ترنو إليه؟ أو لنقل ما كانت ترنو إليه بعض الحكومات والدول؟ أو بشكل أدقّ ما كانت ترنو إليه الشعوب العربية والإسلامية؟ نحن في صفّ الشعوب التي تتطلّع إلى مساعدة الشعب الفلسطيني المنكوب، وتتألّم لألمه، وتحزن لحزنه، وتستشيط غضباً لما يصيبه من جرائم يرتكبها الاحتلال بحقّ الأطفال والنساء والشيوخ دون أدنى رأفة أو رحمة أو احترام لمواثيق وحقوق إنسان أو كرامة بني البشر، نحن الشعوب كنّا ننتظر من هذه القمّة غير الذي بلغنا من قراراتها، ربما صُدمنا أو لأقل صُدم الكثير منّا عندما سمع وعرف تلك القرارات التي رآها لا توازي ولا تساوي حجم التحدّيات التي باتت حاضرة ومُحدقة ليس بالشعوب والمنطقة وثرواتها، بل باتت مٌحدقة بالحكومات والأنظمة أيضاً، فهذا رئيس حكومة كيان الاحتلال لم يعد يكترث لأيّ منهم، بات يحذّر، يهدّد، يتوعّد، ثم يضرب دون شفقة أو رحمة أو احترام للعهود والمواثيق والمعاهدات التي عقدها أسلافه في قيادة هذا الكيان مع تلك الحكومات والأنظمة. نحن الشعوب كنّا ننتظر من القمّة الكثير الكثير ربما لأنّنا ما زلنا على فطرتنا وبساطتنا التي لا تفقه موازين القوى وكيف هي مائلة لصالح العدو بفضل الدعم اللامحدود واللامتناهي من الغرب من أجل بقائه واستمراره وتحكّمه بالمنطقة وأهلها وشعوبها ودولها وحكوماتها. وربما لأنّنا لا نعرف معنى الواقعية السياسية التي تكثر فيها الحسابات فيتحوّل الإنسان معها إلى حالة من الجبن والانكفاء بدل الحكمة والرزانة والحصافة واتخاذ القرار المطلوب في أعقد وأصعب لحظة بحيث يتمّ فيها السير على حافة الهاوية. وعلى سيرة الهاوية، فإذا ما استمرّ هذا الإفراط في الخضوع للواقعية السياسية فإنّ الأمّة تكاد تنزلق إلى قعر الهاوية التي يخافها أصحاب القرار تحت عنوان النجاة بأكبر قدر ممكن من السلامة والمكاسب. وربما لأنّنا نحن الشعوب نقيس الأمور بغير مقياس العقل أحياناً فلا نخضع لتلك المعادلات الدنيوية، بل نلجأ إلى قياس الأمور والمستجدات بمقياس القلب الواثق بأنّ قدر المظلوم الانتصار، وقدر الظالم الإنكسار والهزيمة ولو بعد حين، ولذلك لا نقيم أحياناً وزناً للواقعية السياسية، ونتمسك بالغيبيات التي تمدّنا بحالة من الصبر والصمود والثبات الكفيل بقلب المعادلات رأساً على عقب، فما النصر في صراعات الأمم والشعوب سوى "صبر ساعة"، و"إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون". بهذا المعنى فإنّ قرارات القمّة المشتركة لم تكن ما تمنّتها الشعوب العربية والإسلامية التي أدركت هذا التحدّي الإسرائيلي لكلّ العالم العربي والإسلامي وليس لقطر فقط أو للخليج، ولذلك كانت تأمل أن تكون القرارات على مستوى هذا التحدّي الذي يضع حدّاً لهذه الغطرسة الإسرائيلية على المنطقة، ولهذه المجزرة المروّعة بحقّ الأطفال والنساء والشيوخ والعزّل في قطاع غزة. أمّا وقد كانت القرارات تمنيّات أكثر منها آليات عمل وتنفيذ خطط وبرامج وقرارات حقيقية تجعل المعتدي ومن يقف خلفه يعيد حساباته، ويفكّر ألف مرّة قبل أن يقدم على اتخاذ أيّة خطوة عدوانية أخرى، فإنّ ذلك سيجعله يعيد الكرّة ويجدد الاعتداء على أيّ منطقة أو مدينة أو عاصمة أخرى، إنّه يعيد تشكيل المنطقة من جديد وفق أهوائه ومصالحه، ولكن ما لا يدرك كلّه لحسابات واقعية وتداخل المصالح يمكن أن يُدرك جلّه أو بعضه لحساب التحدّيات التي ما زال بالإمكان إسقاطها إذا ما كان لدى الفاعلين وأصحاب القرار نيّة جدّية حقيقية في إطلاق المواجهة لإسقاط تلك التحدّيات، وبالتالي إنقاذ المنطقة من هذا التغوّل الذي يريد التهامها بكلّ ما ومن فيها.

عن رسائل العدوان الإسرائيلي على الدوحة
العدد 1680 /10-9-2025 د. وائل نجم

تجاوز الكيان الإسرائيلي كلّ القواعد والمعايير المعمول بها في الأعراف والعلاقات الدولية عندما شنّ ضربات جويّة عنيفة من طائرات حربية استهدفت منازل ومكاتب لمسؤولين في حركة حماس من الوفد الذي يقود التفاوض غير المباشر مع "إسرائيل" لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الأسرى الإٍسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، والمعتقلين الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، في العاصمة القطرية الدوحة. فالهجوم الذي أتى من دون سابق إنذار شكّل عدواناً واضحاً وهمجياً على دولة قطر وسيادتها بشكل أساسي، وجريمة نكراء بحقّ وفد مدني يقوم بالتفاوض مع المعتدي (كيان الاحتلال الإسرائيلي) من أجل وقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى وفك الحصار عن غزّة؛ وضرباً لكلّ المعايير والقوانين الدولية ولكلّ مبادئ العلاقات الدولية واحترام سيادة الدول؛ ومحاولة جدّية وجديدة لتكريس أعراف جديدة في هذه العلاقات تقوم على مبدأ حقّ القوّة وليس قوّة الحقّ، مبدأ البطش وشريعة الغاب حيث تكون للقوّة العسكرية الباطشة حقّ التدخّل وفرض ما تريد حيث تريد من دون أيّ اعتبار لمنظومات الحقوق المعترف بها دولياّ؛ ببساطة الهجوم أراد فرض منظومات جديدة في عالم جديد يقوم على البطش والسيطرة والقوّة. فماذا أراد كيان الاحتلال من هذا العدوان على وجه الدقّة؟ أول هدف أراده كيان الاحتلال من هذا الهجوم هو تكريس هيمنة "إسرائيل" على المنطقة بأكملها من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق ومن ضمنها منطقة الخليج، انعكاساً لخطاب رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي تحدث قبل مدّة عن "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات، وقديكون ذلك مقدّمة لهيمنة إسرائيلية على العالم كلّه حيث تشكّل هذه المنطقة، التي يتطلّع نتنياهو إليها لإقامة "إسرائيل الكبرى"، قلب العالم بحيث أنّه من يتحّكم بها يتحكّم ويحكم العالم، ولعلّ في تصريح رئيس الكنيست الإسرائيلي بعد العدوان على الدوحة ما يؤكّد نيّة الاحتلال الإسرائيلي تكريس هذه الهيمنة حيث تحدّث رئيس الكنيسة عن كون الهجوم رسالة لكلّ "الشرق الأوسط". الهدف الثاني من وراء العدوان على الدوحة يكمن في محاولة نتنياهو القضاء على قيادة حماس وبالتالي القضاء على مسار التفاوض لوقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى لأنّه يدرك أنّ أيّ وقف للحرب الآن يعني أمراً واحداً فقط هو خسارة نتنياهو وفشله وبالتالي فتح صفحة الحساب معه. نتنياهو لا يريد ذلك، ولا يريد أن يوقف الحرب تحقيقاً لأحلامه أولاً، وهرباً من المساءلة والمحاسبة ثانياً، ولذلك أراد قتل الوفد المفاوض لإنهاء مسار التفاوض والاستمرار في الحرب على غزة. وفي الحقيقة فإنّ العدوان يعكس حجم المأزق الذي يعيشه كيان الاحتلال بشكل عام ورئيس حكومته بشكل خاص حيث فشل في تحقيق أيّ من أهدافه في قطاع غزة على الرغم من العدوان المستمر والمتواصل على القطاع منذ قرابة عامين، وعلى الرغم من حجم التدمير والمجازر التي ارتكبها بحقّ أهل القطاع، وبالتالي فإنّ العدوان على الدوحة كشف حجم هذا المأزق حيث حاول الكيان الهروب إلى الأمام من خلال هذا العدوان. الهدف الثالث للعدوان البعث برسالة إلى دول المنطقة مفادها أنّها لن تكون بمنأى عن أي اعتداء إسرائيلي حتى لو كانت على علاقة تحالفية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكأنّ الرسالة هي للولايات المتحدة الأمريكية أكثر منها تجاه هذه الدول التي راهنت على حماية الولايات المتحدة من أي خطر يمكن أن يتهدّدها. في مقابل هذه الأهداف أظهر العدوان الإسرائيلي على الدوحة أنّ الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية رهان خاسر، خاصة إذا كان المعتدي هو كيان الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فإنّ دول المنطقة بعد هذا العدوان باتت مدعوة لإعادة النظر والتفكير في خياراتها لحماية مصالحها ونفسها من أخطار وأطماع الكيان الإسرائيلي، وإلاّ فإنّها ستجد نفسها أمام عدو يريد كلّ شيء وينظر إلى الآخرين على أنّهم خلقوا على هيئة البشر حتى يليقوا بخدمته، خاصة في ظل هذه الحكومة التي تحكم دولة الاحتلال. كيان الاحتلال بعد هذا العدوان بات يشكّل خطراً على العالم وليس على المنطقة العربية أو ما يُسمّى بـ "الشرق الأوسط" فحسب، وعلى العالم أن يتحرّك لوضع حدّ لهذا الخطر قبل أن يفرض قواعدة وأعرافه في نظام عالمي جديد يكون هو السيّد المطاع فيه.

الحكومة وتحدّي العبور إلى السيادة وحصرية السلاح
العدد 1679 /3-9-2025 د. وائل نجم

لعلّ الحكومة وضعت نفسها ومعها لبنان أمام تحدّي تنفيذ قرار حصرية السلاح المُتخذ في جلستي 5 و7 آب الماضي بعد رفض حزب الله بشكل أساسي، وربما المكوّن الشيعي معه سحب السلاح منه وحصره بيد الدولة وأجهزتها قبل تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي من القرى الجنوبية المحتلة، وقبل الحصول على ضمانات بوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب. لا جدال في أنّ من حقّ الحكومة التي تدير الدولة بوصفها سلطة تنفيذية اتخاذ قرار بحصرية السلاح بيد الأجهزة الأمنية والعسكرية، ولا جدال ولا نقاش في أنّ من حقّها ممارسة سيادتها على قرارها الوطني وعلى حدود الوطن، ولا جدال ولا نقاش في أنّ من حقّها اتخاذ القرار الذي تراه مناسباً طالما أنّها تتمتّع بثقة المجلس النيابي، وطالما أنّه دستورياً من ضمن صلاحياتها المنصوص عليها دستورياً. غير أنّ الحقّ والقانون والدستور شيء ومصالح الوطن والمواطنين وسياسة البلاد والعباد والإبحار بهما إلى برّ الأمان شيء آخر. بمعنى آخر، ما يمكن أن يكون صحيحاً ولا مشكلة فيه ولا غبار عليها بموجب القانون والدستور قد لا يكون كذلك بموجب السياسة والمصالح المتعلقة بالبلاد والعباد. ما يقود إلى هذا الكلام له علاقة بمجريات الأحداث والمتغيّرات التي حصلت خلال الأشهر الأخيرة أو على وجه الدقّة خلال العام 2024م في ضوء نتائج حرب كيان الاحتلال على لبنان. فكيان الاحتلال الإسرائيلي يتعامل مع هذه الحرب كما لو أنّه خرج منها منتصراً بشكل يعطيه الحقّ بفرض كلّ شروطه وبالتالي إخضاع لبنان وجعله منزوع الإرادة ومسلوب الحريّة، والحقيقة غير ذلك، لكنّها ليست انتصاراً مكتملاً لكيان الاحتلال؛ فلبنان صمد ولم يترك مجالاً للاحتلال للتوغّل داخل الأراضي اللبنانية إلى حيث يشاء ويشتهي، بل إنّ استهداف الاحتلال ظلّ قائماً حتى آخر لحظة قبل تنفيذ وقف إطلاق النار أو وقف "الأعمال العدائية"، وبالتالي فلا هزيمة كاملة لطرف، ولا نصراً ناجزاً أيضاً، وبذلك فإنّ استعجال نزع ورقة قوّة من يد المفاوض اللبناني ليس في صالح لبنان على الإطلاق، كما وأنّ الإبقاء على فوضى انتشار السلاح وعدم حصر المسؤولية في ذلك ليس في صالح لبنان أيضاً، وعليه فإنّ الحاجة أمام هذا التحدّي تصبح في كيفية الإفادة من كلّ قدرة وإمكانية يمكن أن تتوفّر للمفاوض اللبناني من أجل استخدامها في معركة تثبيت السيادة وحصرية قرار الحرب والسلم بيد الدولة، وحتى تظلّ البوصلة في اتجاه صحيح هو الاتجاه الذي يتموضع فيه المحتل. الحكومة اليوم أمام تحدّي تنفيذ قرار حصرية السلاح، وبالوقت ذاته أمام تحدّي الإفادة من السلاح ومن كلّ ذرّة قوّة متوفرة للبنان بوجه الأطماع الإسرائيلية، وبما لا يُظهر موقفها كما لو أنّها متماهية مع شروط الاحتلال أو شروط ومقترحات الوسيط الذي يتولّى الوساطة مع تبنّيه الواضح للطرف المقابل، ومن هنا فإنّ جلسة يوم الجمعة التي يُنتظر أن تستعرض فيها الحكومة مقترح قيادة الجيش لتنفيذ قرار حصرية السلاح هي جلسة في غاية الأهمية والدقّة، وتستوجب تحمّل المسؤولية تجاه لبنان واللبنانيين والمستقبل. على المقلب الآخر فإنّ تحدّي الحكومة ورفض قراراتها دون طرح البدائل المقنعة ليس فيه أدنى مصلحة وطنية، ولا حتى مصلحة لأصحابه، بل على العكس من ذلك لأنّه سيظهر كما لو أنّه بوجه بقيّة اللبنانيين، وهم بالمناسبة يشكّلون في أدنى تقدير قرابة 70% من الشعب اللبناني، وسيعطي فرصة للاحتلال لزيادة الشرخ والهوّة بين أبناء الوطن الواحد الذين يتشاركون التحدّيات والمخاطر؛ وعليه فإنّ إبداء القلق مشروع ومقبول وليس عليه أيّ تعليق أو رفض، بل على العكس فإنّ القلق ربما يساور أغلبية اللبنانيين جراء الأطماع الإسرائيلية والبرامج والخطط التي جرى الحديث عنها وتطال بقية المنطقة وليس لبنان فحسب، غير أنّ ما هو غير مشروع هو أن يتحوّل القلق والهاجس إلى أداة فتنة تطيح بالجميع. أمام هذا الواقع والمشهد المعقّد لبنان بحاجة إلى تفهّم وتفاهم بين الجميع لا يكون على حساب الوطن ولا على حساب أيّ من مكوّناته، فكما أنّ نزع عنصر قوّة من يد لبنان ليس فيه مصلحة للبنان واللبنانيين، وبالتالي فهو غير مقبول، كذلك فإنّ انتشار السلاح دون ضوابط ودون قواعد واستراتجية أمن قومي واضحة ومعروفة لكلّ اللبنانيين، ليس في مصلحة لأيّ منهم وبالتالي فهو غير مقبول أيضاً لأنّ الاحتلال سيبقى يتخذ من ذلك ذريعة وستبقى اعتداءاته متواصلة لا توفّر أحداً من اللبنانيين.

أيّام فارقة
العدد 1678 /27-8-2025 د. وائل نجم

ينتظر لبنان في القريب القادم أيّاماً فارقة ستحدّد مصيره ومستقبله ربما لعقود قادمة من الزمن. فالضغوط الأمريكية عليه متواصلة ومستمرة على أكثر من مستوى وبأكثر من طريقة وأسلوب، والاعتداءات الإسرائيلية لم تتوقف يوماً على الرغم من اتفاق وقف الأعمال الحربية أو العدائية في تشرين الثاني من العام 2024، والحكومة والدولة باتت بين فكّي كماشة لإنقاذ الوضع، ضغوط أمريكية وشروط إسرائيلية لوقف الاعتداءات تتمثّل بشكل رئيسي وأساسي بمطلب نزع السلاح، خاصة سلاح الصواريخ والمسيّرات والتخلّص منه عبر تفجيره، ورفض من قبل حزب الله لهذا المطلب حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى فتنة وحرب داخلية بين الدولة والحزب أو بين مكوّنات لبنانية مختلفة! وحجّة رفض تسليم السلاح في الحقيقة قويّة، فهي نقطة ومصدر قوّة بيد المفاوض اللبناني، وبالتالي يمكن استخدام هذه القوّة لتحسين شروط التفاوض ورفع المكتسبات! الحكومة كانت قد اتخذت قراراً بحصرية السلاح بيد الدولة، وكلّفت الجيش إعداد خطّة لتنفيذ هذا القرار وتقديمها قبل بداية أيلول المقبل على أن تأخذ الخطة بالاعتبار تنفيذ هذا القرار والانتهاء منه قبل نهاية العام الجاري؛ وحزب الله رفض بشكل قاطع تسليم سلاحه، ولكنه أبدى استعداده لنقاش ذلك في طار اعتماد لبنان خطة دفاعية تأخذ بعين الاعتبار المخاطر والأطماع والتهديدات الإسرائيلية، كما طالب بأن يكون ذلك في إطار اتفاق يأخذ بعين الاعتبار تنفيذ خطوات متزامنة أو خطوة مقابل خطوة من الطرف الآخر بعد انسحابه من الأراضي التي احتلها في الحرب الأخيرة، وهذا يعني أنّ القرار ليس مقفلاً بشكل محكم وكامل على رفض حصرية السلاح إنّما هناك مطالب وشروط لا بدّ من أخذها بالحسبان، وهذا بحدّ ذاته يشكّل فرصة جدّية وحقيقية يُبنى عليها للوصول إلى أرضية مشتركة يمكن أن تكون فرصة تمكّن لبنان من مواجهة الضغوط من ناحية والتهديدات والأطماع من ناحية ثانية. اليوم، الحقيقة لا يمكن القول إنّ شيئاً لم يتغيّر في المنطقة، فنتائج الحرب الأخيرة واضحة، وإن لم تكن حاسمة لناحية انتصار جهة أو فريق على جهة وفريق آخر؛ لقد نشأ عنها واقع جديد، وموازين جديدة، وقواعد جديدة يستلزم التعاطي معها آليات جديدة، وبناءً عليه فإنّ لبنان اليوم يختلف عن لبنان الأمس من دون أن يعني ذلك الاستسلام والانصياع لإرادة القوى الجديدة التي برزت وظهرت في المشهد اللبناني الجديد، وعليه لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار كلّ هذا المتغيّر الذي حصل. لبنان اليوم بحاجة إلى تحصين الوضع الداخلي فيه لتمكينه من مواجهة التحدّيات الجديدة، ويأتي في صدارة ذلك تمكين الدولة من القيام بدورها وواجبها ومسؤوليتها، من دون أن يعني ذلك التخلّي عن أيّة نقطة قوّة يمتلكها لبنان في مواجهة التحديّات الجديدة، وفي مقدمة ذلك سلاح وخبرة المقاومة في مواجهة الأطماع الإسرائيلية. غير أنّ ذلك يحتاج من طرفي المعادلة اللبنانية، سواء الحكومة والقوى التي تنادي بالسيادة وحصرية السلاح، أو القوى التي ترفض سحب السلاح وتريد الاحتفاظ به، هؤلاء جميعاً بحاجة إلى الوصول إلى الاقتناع بضرورة وأهمية الوصول إلى معادلة مشتركة يشعر فيها الجميع أنّ الدولة للجميع وليست لطرف دون غيره من الأطراف أو أنّها يمكن أن تنتقم من طرف من الأطراف لاحتكارها من طرف أو أطراف أخرى؛ وأنّ السلاح للدولة أيضاً، أو يمكن أن يكون جزءاً من رؤية وخطة أمن قومي ووطني يشارك في الدفاع عن الدولة ويواجه الأطماع أو التهديدات التي يمكن أن تأتي من أيّة جهة، هو سلاح لكلّ اللبنانيين ويعنيهم جميعاً، وليس سلاحاً لحزب دون غيره من القوى السياسية، أو لطائفة أو مذهب دون غيره من الطوائف والمذاهب، وهنا تحتاج المسألة إلى تشكيل قناعة مشتركة بضرورة الانكفاء قليلاً في الطروحات عند كلّ الأطراف، فلا الحديث عن التخوين ينفع، ولا الاتهام بالعمل لحساب دول في الإقليم ينفع، ولا التهديد بالدولة للانتقام من طرف لبناني ينفع، ولا التلويح باستخدام السلاح في الداخل ينفع، ولا أيّة مواجهة داخلية بين اللبنانيين تنفع، بل على العكس لا يستفيد منها إلا الاحتلال، وعليه فإنّنا نحن في لبنان بحاجة إلى اعتماد سياسة الخطوات المتزامنة فيما بيننا أيضاً وصولاً إلى تشكيل قناعة مشتركة أنّه بإمكاننا أن نؤسس دولة تكون ضامنة وراعية للجميع وليس فيها امتيازات لأحد على حساب أحد، ولعلّ التجارب أثبتت أهمية ذلك، وأثبتت أيضاً فشل الرهان على الخارج بعيداً كان أم قريباً. لكلّ ذلك فإنّ لبنان ينتظر أيّاماً فارقة في القريب القادم، وعلى اللبنانيين أن يحدّدوا المسارات التي سيسلكونها فإمّا أن يؤسّسوا دولة لهم جميعاً وضامنة للجميع، وإمّا أن يبقوا على لبنان ساحة لتصفية الحسابات بين المتصارعين في الإقليم وعليه.

خياران أمام اعتراف واحد
العدد 1677 /20-8-2025 د. وائل نجم

لم يكن كشْف رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن نواياه الدفينة حول إقامة "إسرائيل الكبرى" بين نهري النيل في مصر والفرات في العراق اعترافاً وحيداً وشيئاً جديداً، فهو قد رفع قبل نحو عامين خريطة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك تضمّنت حدود "إسرائيل" التي يتطلّع إليها وهي تمتد بين النهرين المذكورين؛ وهي في سياسته التدميرية التهجيرية التي يمارسها في قطاع غزة حيث كشف أكثر من مرّة أنّ هدفه هو طرد الفلسطينيين من القطاع إلى أصقاع الدنيا؛ وهو في ممارسة جنوده في الضفة الغربية والقدس حيث تتم مصادرة أراضي الفلسطينيين والسيطرة عليها بقوّة السلاح والاستيطان، وهو يريد تهجيرهم تدريجياً إلى أيّ مكان في العالم من أجل ضمّ الضفة إلى "إسرائيله" المنشودة. لقد كان نتنياهو هذه المرّة أكثر وضوحاً وصراحة في الحديث عن أهدافه التي خاض ويخوض العداون على غزّة والضفة ولبنان وسورية من أجلها، إنّها إقامة "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات مسيطراً على أجزاء من هذه البلدان إضافة إلى مصر والسعودية والكويت والعراق، وبالتالي إخاضع المنطقة كلّها لقراره وهيمنته في بلورة لما يعتبره رؤية تاريخية روحانية مزعومة. ممارسة السياسة هذه المرّة بات على المكشوف، نزع نتنياهو قفّازاته وقناعه، وكشف عن الحقيقة التي كان يخفيها ذاك القناع وتلك القفازات، وقال على طريقته لدول المنطقة وعربها : أريد أرضكم وثرواتكم وعروشكم وأموالكم؛ أريد السيطرة على قراركم فأنا سيّدكم بعد الآن، فإمّا أن تخضعوا بالاستسلام، وإمّا أن تخضعوا بالإكراه، فلا خيار لكم بعد الآن. الحقيقة المُرّة أنّ نتنياهو وضع "زعماء" المنطقة أمام خيار صعب، فبعد اعترافه الأخير والكشف عن طموحه لضم منطقة ما بين النهرين إلى "دولته المزعومة"، لم يعد ممكناً خداع شعوب المنطقة وأحرارها بالحديث عن نوايا سلام وتسوية مع هذا الكيان الذي اغتصب فلسطين ويتطلع لاغتصاب ما حولها بشكل واضح، وبالتالي سقطت كلّ المشاريع والبرامج والمبادرات المطروحة لإبرام "السلام" التسوية مع هذا الكيان، وبات الحديث عن هذه الخيارات بعد هذا الاعتراف مشابهاً لما قامت به النعامة عندما دسّت رأسها في الرمال ظنّاً منها أنّ الصياد لا يراها، وأيّ حديث عن "السلام" والتسوية والتطبيع بعد هذا الاعتراف هو بمثابة الاعتراف بالعجز أمام تلك الرؤية "النتنياهونية" المزعومة إذا لم يكن بمثابة الخيانة والتواطؤ معها لانتزاع المنطقة من أهلها وشعوبها وحكوماتها. كلّ المنطقة العربية بعد اليوم أمام تحدّي الصمود أمام نوايا كيان الاحتلال ومشاريعه، بل كلّ العالم أيضاً أمام هذا التحدّي، وليس الدول التي وردت في خريطة "إسرائيل الكبرى" فقط، لأنّ هذا الكيان إنّما يتطلّع لإقامة هذه "الدولة الكبرى" حي تتحكّم بكلّ المنطقة خاصة أنّها تقع في مجال جغرافي حيوي واستراتيجي، وأكثر من ذلك فإنّ السيطرة عليها يشكّل المقدمة والمفتاح للسيطرة على منطقة الخليج كلّها، وعلى بلاد الشام، وصولاً إلى شمال أفريقياً، وهذه المنطقة في تعريف العلوم السياسية والعسكرية والاستراتيجية تشكّل قلب العالم، ومن يسيطر على قلب العالم يسيطر على العالم كلّه، ومن هنا فإنّ هذا التطلّع الإسرائيلي للسيطرة عليها لا يرتبط بمسألة تاريخية روحانية كما أوحى نتنياهو في حديثه عنها، إنّما يرتبط أساساً بتطلّعات مستقبلية تريد السيطرة والهيمنة على العالم كلّه وليس على المنطقة العربية وحدها. أمّا فرص وإمكانية تحقّق هذا التطلّع من عدمها بالنظر على تشابك المصالح الدولية بما فيها الأمريكية والأوروبية وغيرها فتلك قضية أخرى، ولكن يبقى المهم أن يأخذ زعماء المنطقة بزمام المبادرة لمواجهة هذه المخططات لإفشالها من أجلهم ومن أجل شعوبهم ودولهم، حيث سيكتب التاريخ واحدة من شهادتين: إمّا الصمود والشرف، وإمّا السقوط والاستسلام، فماذا تراهم سيختارون؟!

عن أهمية اعتماد استراتيجية للأمن الوطني!
العدد 1676 /13-8-2025

د. وائل نجم القرار الذي اتخذته الحكومة في جلستها في السابع من آب بالموافقة على الأهداف التي وردت في الورقة الأمريكية المقترحة بخصوص وقف الأعمال العدائية بين لبنان وكيان الاحتلال الإسرائيلي، وحصرية السلاح بيد الدولة وأجهزتها الرسمية وبالتالي سحبه من كلّ القوى الحزبية تحت أيّ مسمّى، أوجد حالة من الانقسام الذي بات يهدّد بخروج الأمور عن نطاق السيطرة خاصة في ظلّ رفض الثنائي الشيعي لهذا القرار كما رفض الالتزام به، وهو ما يهدّد بدوره بفرط الحكومة وتالياً فرط البلد وتشظّيه بين المكوّنات وهو ما يقدّم خدمة مجانية لـكيان الاحتلال ولسياساته ومخططاته للبنان والمنطقة. قرار الحكومة بات أمراً واقعاً على الرغم من خروج وزراء الثنائي من الجلسة التي ناقشت الورقة وأقرّتها. وحالة الرفض تأخذ منحى تصاعدياً من قبل الثنائي يتمّ التعبير عنه أحياناً في الشارع، وهو ما يهدّد بالخروج عن السيطرة في لحظة تخلٍّ، والبلد بأمسّ الحاجة إلى الأمن والاستقرار والهدوء وموجهة الأطماع الإسرائيلية بمائه وثرواته وأرضه، ولا بدّ أمام هذا المشهد من حلّ أو حالة تحصّن البلد في مواجهة هذا التحدّي الخطير. رئيس الجمهورية وفي خطاب القسم تحدّث عن استراتيجية أمن وطني تأخذ بعين الاعتبار حصرية السلاح وسيادة الدولة على أرضها وقرارها من ناحية، والإفادة من خبرات وكفاءات وسلاح المقاومات على امتداد تاريخ لبنان من ناحية ثانية، وهذه الاستراتيجية تشكّل مدخلاً للحلّ من جهة ولتحصين الدور اللبناني في مواجهة التحدّيات من جهة أخرى، وعليه فإنّ اللبنانيين ينتظرون إطلاق هذه الاستراتيجية أو على أقلّ تقدير إطلاق الحوار حولها، إذ أنّ الدولة محقّة في قرارها حقّ امتلاك وحصرية السلاح والقرار الوطني فوق أرضها وترابها، خاصة في ظلّ الواقع الذي نشأ كنتيجة للحرب الأخيرة في نهاية العام 2024؛ والمعترضون على قرار الحكومة سحب السلاح من دون ضمانات بعدم قيام العدو بشنّ أيّ عدوان جديد على لبنان أو استمراره بانتهاك السيادة اللبنانية من خلال الاغتيالات اليومية التي يقوم بها، محقّون بهذا الطلب في ظلّ غياب الضمانات. من هنا تبرز أهمية استراتيجية الأمن الوطني التي طرحها الرئيس جوزيف عون لضمان حصرية السلاح بيد الدولة من جهة بحيث يكون هذا السلاح في خدمة اللبنانيين جميعاً من دون هواجس أو شكوك لأيّ مكوّن منهم، فيشكّل ضمانة للاستقرار الداخلي على المستوين السياسي والأمني؛ ومن جهة ثانية يكون له دروه في ردع أيّ عدوان على لبنان بحيث يكون جزءاً من قوّة الردع التي يمتلكها الجيش وبقية الأجهزة الرسمية. ومن هنا تبرز الحاجة الماسّة لهذه الاستراتيجية في هذه المرحلة لقطع الطريق على أيّ استغلال من الداخل أو الخارج. غير أنّ إقرار هذه الاستراتيجية يحتاج إلى مشاركة كلّ الأطراف فيها، واقتناعهم بجدواها وأهميتها لخلاص الوطن ونجاته من المكائد التي تُنصب له، أمّا إذا كان هناك من يريد أن ينفّذ أجندات خاصة به بعيداً عن مصلحة لبنان واللبنانيين فإنّ الجهود ستذهب سدى، ولحظة الوصول إلى الفتنة الحالقة لن تكون بعيدة وستقضي على الجميع. بيروت في 13/8/2025

لبنان .. بين سحب السلاح واستراتيجية الأمن الوطني!
العدد 1675 /6-8-2025

د. وائل نجم لم تتمكذن الحكومة في اجتماعها يوم الثلاثاء في قصر بعبدا من التوصل إلى اتفاق أو إلى قرار بخصوص البند الذي كان في صدارة جدول أعمالها وهو حصرية السلاح بيد الدولة وفرض سيادتها على كامل أراضيها، أو بمعنى آخر بند سحب أو نزع السلاح من أيدي ما سوى الجيش وقوى الأمن الداخلي ومؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية الأخرى، وهذا يطال بشكل أساسي فصائل المقاومة اللبنانية وفي طليعتها حزب الله، وسلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان. والحقيقة أنّه من حقّ الدولة أن تفرض سيادتها على كامل أرضها وأن تحفظ هذه السيادة، وأن تحمي مواطنيها، وأن يكون قرارها نابعاً عن قناعة مؤسساتها والذين يشغلون هذه المؤسسات، ولا جدال ولا مراء في ذلك. ومن حقّها أيضاً أن تحتكر السلاح وتمنع انتشاره وتفلّته وما يحدثه ذلك من فوضى واضطراب وعدم استقرار على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية. ولكّن الحقيقة ايضاً أنّ مطلب حصرية السلاح أو بالأحرى نزعه وسحبه من فصائل المقاومة هو مطلب أمريكي إسرائيلي بالدرجة الأولى، والجميع في لبنان بات يعلم أنّ دفتر الشروط الذي يتضمّن سحب السلاح قد حمله المبعوثون الأمريكيون إلى لبنان من زمن "هوكستين" إلى زمن "بارّاك"، جميعهم طالب بسحب السلاح من المقاومة تحت عنوان قيام الدولة من أجل مساعدة لبنان على النهوض واستعادة عافيته الاقتصادية والمالية، وبحجة أنّ انتشار السلاح بأيدي غير الأجهزة العسكرية والأمنية الرسمية "خلق" أو أوجد دويلة داخل الدولة راحت تهيمن على الدولة وتملي عليها شروطها وسياساتها حتى أنّ "الدويلة" احتكرت قرار الحرب والسلم نيابة عن الدولة التي يجمع عليها اللبنانيون ولكنهم يختلفون على "الدويلة". قد يكون هذا العنوان صحيحاً إلى حدود معيّنة في ظل الممارسات التي شهدها لبنان خلال العقدين الأخيرين على أقلّ تقدير، فقد تعطّلت الاستحقاقات الدستورية أكثر من مرّة، وجرى تغيير مسارات ومناخات البلد أكثر من مرّة، وتمّ تجاوز نتائج الانتخابات أكثر من مرّة، ويمكن الحديث عن كثير من القضايا والأمور التي أعطت هذه الانطباعات، وكان يتمّ إرجاع كلّ ذلك إلى قضية السلاح خارج الدولة ومؤسساتها. لكنّ الصحيح أيضاً أنّ استحضار هذه الممارسات والعناوين يتمّ على قاعدة "كلام حقّ يراد به باطل". فاليوم يتمّ الضغط على لبنان وعلى مؤسساته وقياداته في مسألة سحب السلاح انطلاقاً من مصلحة "إسرائيل" وليس استجابة لقيام دولة جدّية حقيقية في لبنان، إذ أنّ مصلحة كيان الاحتلال تقضي بتجريد الجميع في المنطقة (دول وشعوب وقوى سياسية وغيره) من أيّ شكل من أشكال أو عنصر من عناصر القوّة، حتى يتمّ لهذا الكيان إحكام السيطرة والتحكّم بهذه المنطقة ومنها لبنان. أمام هذا التحدّي يكون الجميع في لبنان أمام مسؤولية الحفاظ على عناصر القوّة المتوفّرة للبنان وليس لفئة منه، دون التفريط بها أو التخلّي عنها، وبموازاة ذلك استعادة قرار الحرب والسلم ليكون بيد الدولة ومؤسساتها الدستورية التي يجمع اللبنانيون عليها. بمعى آخر، لبنان في هذه المرحلة بحاجة إلى التوصل إلى استراتيجية أمن وطني تحدّث عنها رئيس الجمهورية في خطاب القسم، تأخذ بعين الاعتبار خبرة كلّ القوى التي انخرطت في يوم من الأيام في مواجهة الاحتلال، وتستفيد من تنظيم السلاح المتوفّر حالياً ليكون جزءاً من قوّة الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية، ومن دون الإخلال بالتركيبة المتوازنة في المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية. لا شكّ أنّ الوصول إلى هذه المعادلة المتوازنة ليس سهلاً في ظلّ تعنّت البعض في الداخل، وضغط البعض من الخارج، وتوهّم البعض في إمكانية قلب المعادلات لصالح إنتاج صيغ جديدة على حساب الوطن ومكوّناته، ولكّنه أيضاً ليس مستحيلاً إذا صفت النوايا واستشعر الجميع حجم الخطر المحدق باللبنانيين جميعاً. بيروت في 6/8/2025

الحلول المنتظرة
العدد 1674 /30-7-2025

د. وائل نجم عندما انتُخب الرئيس جوزيف عون رئيساً للجمهورية استبشر اللبنانيون خيراً وظنّوا أنّ رحلة خروج من الأزمة التي عضفت بهم خلال السنوات الماضية قد بدأت فعلاً، خاصة وأنّ خطاب القسم كان واعداً لناحية الأزمة السياسية والأمنية والاقتصادية والقضاء وكلّ شيء، غير أنّ رياح الواقع لم تكن موافقة لتوجهات العهد، وبالتالي بدأت مرحلة جديدة من المراوحة في ظلّ تداخل الأمور والمواقف والمصالح والأهواء والتحدّيات. تجاوز العهد مسألة انتخاب أول حكومة وكان ذلك بمثابة الانجاز الأول، غير أنّ هذه الحكومة التي استبشر الناس بها خيراً أيضاً بدأ عملها يتعثّر وبدأت تواجه أزمات كثيرة تحتاج إلى حلول وهي بيعدة المنال، ولعلّ التحدّي الأول الذي كان وما زال ينتظر الحكومة هو تحدّي الانتخابات النيابية المقبلة، وهي لم تفلح حتى الآن في إحداث أيّ تعديل في قانون الانتخاب يعيد له بعضاً من التوازن، ويؤمّن بعضاً من عدالة التمثيل المفقودة، والتي يعترف بها الجميع، هذا فضلاً عن الإخفاق في حلّ الأزمة الاقتصادية ومسألة منع الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة والحفاظ على السيادة، وغيرها. مسألة السلاح وهو الموضوع الساخن الذي يجري البحث فيه والمفاوضات حوله مع المبعوث الأمريكي الخاص، وقد أخفقت كلّ المحاولات للتوصّل إلى اتفاق بخصوص السلاح سواء لناحية سحبه وتسليمه كما يطالب بذلك المبعوث الأمريكي وهو مطلب إسرائيلي، أو كما يطالب بعض اللبنانيين لحصره بيد الدولة على قاعدة امتلاك الدولة لقرار الحرب والسلم؛ أو لناحية وضع استراتيجة للأمن الوطني تأخذ بالاعتبار تجربة "المقاومات" على تنوّعها وتعدّدها بحيث يتمّ الإفادة من سلاح المقاومات وخبرتها وتجربتها ويكون ذلك في كنف الدولة وفي ظلّها. ما زال الجدل حول السلاح قائماً كما لو أنّ لبنان لم يمرّ في تجربة خلال الحرب الأخيرة ونتائجها، وهو بحدّ ذاته ما يهدّد مستقبل البلد وينهي الحلم بإقامة دولة حقيقية يتساوى فيها المواطنون وتحفظ فيها السيادة ويتم عبرها الدفاع عن لبنان بوجه أيّ مخطط طامع بخيراته وثرواته وأرضه. والجدل حول هذه النقطة وهذا الملف قد يجعل لبنان يضيّع فرصة مهمّة وحقيقية للخروج من أزمة من أعقد الأزمات وتشكّل خطراً وجودياً على مستقبله. ثمّ هناك مسألة القضاء والعدالة. استبشر الناس خيراً في الحديث عن استقلالية القضاء ودوره في إرساء العدالة وتأمين حقوق الناس، غير أنّ شيئاً لم يتغيّر عن السابق، ما زالت وثائق الاتصال حاضرة وتقود المواطنين إلى السجون على الرغم من حديث رئيس الحكومة عن وقفها ووقف العمل بها. إطلاق سراح الموقوفين دون محاكمات، خاصة الموقوفين الإسلاميين الذين مضى على توقيف بعضهم أكثر من عشر سنوات من دون محاكمة، كيف سيؤمن هؤلاء بعدالة القضاء وكيف سيثقون بالدولة؟ خاصة وأنّ الممارسة التي كانت قائمة سابقاً ما زالت مستمرة، فهناك من تمّ توقيفهم على أبسط الأشياء، بل ربما أحياناً على الشبهة، أو ربماً انتقاماً منهم لدور ما لهم في مرحلة سابقة، فيما يطلق غيرهم أبواق الفتنة التي تهدّد السلم الأهلي والأمن الاجتماعي ولكن مع ذلك لا تتمّ مساءلتهم أو محاسبتهم على ما يبدر منهم ويهدّد الوطن وأمنه. للأسف على مستوى القضاء وتأمين العدالة لكلّ اللبنانيين ما زال غائباً، وهذا بدوره يهدّد الحكومة والعهد والدولة، وهناك ما يستغلّ هذا الملف لإثارة مخاوف بعض المكوّنات اللبنانية من أجل إعادة إثارة تحالفات لا تخدم سوى كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى إلى تقسيم المنطقة وإثارة الفتن فيها بحيث يصبح سيّدها المطلق على الجميع. وعلى سيرة إثارة المخاوف والهواجس يبدو أنّ البعض ممن يتقن هذه اللعبة عاد إليها من جديد علّها توقظ هواجس ومخاوف متوّهمة لدى البعض فقط من أجل النجاة من استحقاقات باتت داهمة ومُلّحة. ننتظر الحلول لعلّ ذلك يُخرج الوطن من أزماته، ولكن يبدو أن الأمور بدأت تعود إلى المربع الأول بفعل حسابات خاصة وفئوية من دون أيّ اعتبار لمصلحة الوطن ومكوّناته، ويبدو أنّ هناك من لا يريد الحلول، بل يريد استمرار الأزمة حتى ولو كان الأمر على حساب الوطن ولحساب أعدائه المتربّصين به سوءاً على الحدود. بيروت في 30/7/2025

مفارقات!
العدد 1673 /23-7-2025

شهد الأسبوعان الأخيران تطوّرات خطيرة في سورية تمثّلت بشكل رئيسي بما حصل من أحداث واشتباكات في محافظة السويداء جنوب سورية كادت تُخرج الأمور عن نطاق السيطرة

مشاريع مشبوهة ومراهنات تكشف المستور
العدد 1672 /16-7-2025

د. وائل نجم قديماً قيل : "يا ربّ اعطني وقت ضيق حتى أعرف العدو من الصديق". كان هذا القول وترجمته العملية بمثابة مختبر لمعرفة الأصدقاء من الخصوم والأعداء، فالأصدقاء لا يتخلّون ولا ينهزمون لمصالحهم الخاصة، بل يظهرون صداقتهم ووفاءهم في أحلك الأوقات وأدقّها، أمّا الأعداء فإنّهم يستغلّون لحظة الضعف والضيق ليظهروا وجههم القبيح وحقيقتهم المخفيّة، ويكشّرون عن أنيابهم ويكشفون نواياهم الحقيقية تجاه من كان يظنّهم أصدقاء أو مقرّبين. واقع الحال في سورية ولبنان خلال الأيام الأخيرة كشف حقيقة البعض وأظهر الوجه الحقيقي لهم عندما أدخلوا أنفسهم في مختبر معرفة الأصدقاء من الأعداء. الشعب السوري الذي عانى الأمرّين خلال العقدين الأخيرين ودفع فاتورة باهظة الثمن من أجل أن يتحرّر من نظام طاغٍ مستبد، ومن أجل أن يقيم دولة حقيقية لكلّ السوريين، ومن أجل أن يحافظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً وحضارة، اكتشف أنّ هناك من لا يريد لسورية أن تكون واحدة، ولا أن تكون قوية، ولا أن تكون لكلّ السوريين، ولا أن تنعم بالأمن والاستقرار، ولا أن يكون فيها دولة ونظام ومؤسسات؛ اكتشف الشعب السوري أنّ هناك من يريد أن يبني أمجاده على حسابهم، ومصالحه الخاصة الضيّقة حتى على حساب الذين يتحدّث باسمهم ويدّعي العمل لتأمين مصالحهم؛ اكتشف الشعب السوري أنّ لدى البعض، ممن يدّعون زوراً الانتماء إلى سورية، مشاريع مشبوهة ونوايا مبيّتة تريد تقسيم سورية خدمة لأجندات خارجية وطمعاً ببعض المال والمنصب، أو ربما جراء حقد دفين في صدورهم أظهروه في هذه اللحظة التاريخية. أحداث محافظة السويداء في سورية كشفت أنّ بعض المتزّعمين الذين صادروا قرار المحافظة في لحظة ضعف أو ربما في سياق خطة أعدّت سلفاً، لم يعودوا يخفون نواياهم وأجنداتهم التي جاهروا بها بطلب الحماية الدولية وهي تعني بالدرجة الأولى طلب الحماية من عدو الأمّة التاريخي كيان الاحتلال الإسرائيلي، من أجل التفرّد بالمحافظة والتحكّم بمصير أهلها ومستقبلهم، ومن أجل أن تكون الخطوة الأولى في مشروع تقسيم سورية، وتالياً المنطقة كلّها، وهو مشروع إسرائيلي صهيوني بامتياز. لقد كشفت أحداث السويداء أنّ هذا البعض لا ينتمي إلى العروبة ولا يمت لها بصلة، وربما لا يمتّ إلى السويداء بصلة لأنّ أهلها وأبناءها المعروفيين معروفون بانتمائهم العروبي الخالص والصادق للعروبة والإسلام، وهم متمسّكون بتاريخهم الناصع الذي سجّل دورهم في مقارعة حملات الفرنجة التي أرادت النيل من هذا الشرق العربي الإسلامي. على مدى بضعة أشهر بعد إسقاط النظام المخلوع في كانون الأول من العام 2024، رفض أصحاب المشاريع المشبوهة كلّ الصيغ التي ترمي إلى بناء سورية من جديد. رفضوا الحوار، ورفضوا الدستور، ورفضوا الانضمام لمؤسسات الدولة، ورفضوا دخول قوات الأمن إلى المحافظة، ورفضوا كل الاقتراحات التي تقدّمت بها الحكومة من أجل أن تكون المحافظة كبقية المحافظات السورية الأخرى، بل أكثر من ذلك اتهموا الحكومة بالإرهاب، وقوات الأمن والجيش بالميليشيات، ومنعوا المحافظ من القيام بدوره، وأثاروا الناس على الحكومة على اعتبار أنّها مقصّرة في تأمين المستلزمات الأساسية للعيش الكريم وهم يدركون أنّ الحكومة ورثت من النظام المخلوع أرضاً محروقة، ومارسوا البلطجة و"الإرهاب" على كلّ من رفض ممارساتهم من أبناء المحافظة، ونشروا الفوضى فيها، ودخلوا في فتنة هوجاء أخيراً مع شركائهم من أبناء المحافظة من المكوّنات الأخرى، وعندما تدخّلت الدولة بمؤسساتها الأمنية والشرطية لوضع حدّ لحالة الفوضى وإنهاء الاقتتال الذي أزهق أرواح العشرات من أبناء المحافظة، اتهموا الجيش وقوى الأمن الداخلي بارتكاب الجرائم، وجاهروا بطلب الحماية الدولية، وهي في الحقيقة طلب التدخّل الإسرائيلي، حيث لبّتهم طائرات الاحتلال وقصفت منتسبي الجيش وقوى الأمن فارتقى منها الشهداء. أليس هناك أوضح من حقيقة هؤلاء الذين لا يريدون خيراً لسورية وشعبها؟! لقد كشف هؤلاء عن وجوههم الحقيقية وعن نواياهم الخبيثة في خدمة أعداء الأمّة والوطن. أمّا في لبنان فإنّ اللحظة كشفت أيضاً عن حقيقة البعض ممن جاهر بطلب المساعدة من الاحتلال، وممن حرّض على الفتنة، وممن تاجر على مدى السنين الماضية وراح يتقلّب من مكان إلى مكان حتى استقرّ هذه المرّة في أحضان قذرة معروفة. هذا البعض لا يدرك أنّه يجرّ لبنان بمواقفه وعنترياته الجوفاء ومراهناته المفضوحة إلى مستنقع الفتنة الذي لا يريده أحدّ، ولا يخدم أحداً سوى الاحتلال ونواياها. هذا البعض ارتضى أن يكون بندقية مؤجّرة مقابل الكسب المالي حتى لو كان على حساب دماء "رفاق السلاح". بيروت في 16/7/2025

12345678910...