العدد 1678 /27-8-2025
أيمن حجازي
أظهرت
الديبلوماسية الأميريكية نمطا جديدا من التعامل مع الساحة اللبنانية مفعم بالغرابة
ومثقل بالتساؤلات ، حيث الموفد الأميركي صار موفدين واللغة اللطيفة التي اعتمدها
توماس براك سابقا قد تبخرت لتحل محلها أصوات جلفة متناغمة مع لغة ولهجة مورغان
أورتاغوس التي كانت قد حظرت إشراك حزب الله في حكومة نواف سلام إبان مرحلة تشكيلها
قبل بضعة أشهر . أما الوفد الموسع للموفدين باراك وأرتاغوس فقد ضم متطرفين من
الكونغرس يحاكون بنيامين نتن ياهو في مواقفه السياسية . دفع بأحدهم الى التبشير
بقيام إتفاقية دفاع مشترك بين الولايات المتحدة الأميريكية ولبنان ... أو بالأحرى
الولايات المتحدة اللبنانية التي ستشكل إنجازا تقسيميا هاما من إنجازات
الديبلوماسية الأميريكية " الرشيدة " .
...
إنه الصخب الديبلوماسي الأميركي الذي لم يستفز الساحة الوطنية والإسلامية
اللبنانية و
حسب
بل إنها استفزت أيضا اليمين المسيحي اللبناني الذي دهش بترقيم أميركي جديد لميزان
الخارطة الطائفية اللبنانية فباتت نسبة الشيعة في لبنان ٤٠ بالمئة . وبدأ الهمس
المتسائل والمتثاقل عن هذا الخطأ الأميريكي الكبير . هل وقع سهوا أم أنه أمر متعمد وهادف الى
تعميق الشروخات بين اللبنانيين وكأن شروخاتهم الحالية لا تكفي !! لقد
دفع الإلتصاق الأميريكي بالموقف الصهيوني لدى صقور الوفد الأميركي ، البعض المراقب
في لبنان الى حدود الظن بأن واشنطن لا تريد ولا ترغب في الوصول الى حل أو تسوية ما
للمعضلة اللبنانية - الإسرائيلية في مرحلتها الحالية المتمثلة بكيفية تنفيذ اتفاق
السابع والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي ، وبالتالي فك الإشتباك اللبناني
- الإسرائيلي الآني . وأن البديل لدى واشنطن هو تكريس واقع إنقسامي سياسي طائفي في
لبنان يبقي العامل الأمني والعسكري الصهيوني حاضرا على الأرض اللبنانية . ليسكتمل
ما هو حاصل على الجبهة السورية - الإسرائيلية من مصادرة للدولة السورية وتكريس
بعثرتها وتفسخ سلطاتها وأقاليمها . وما دعوة الشيخ الهجري الى إقامة إقليم درزي
مستقل في جنوب سوريا وعلى الحدود السورية - الإسرائيلية إلا مثال على ذلك . وهو
مثال يتناغم مع أوضاع الإقليم الكردي
المرشح للإستقلال على المثلث العراقي - السوري - التركي في الشمال الشرقي لسورية .
هل
يمكن للديبلوماسية الأميركية أن تكون غبية الى هذا المستوى ؟
وهل
يمكن لتلك الديبلوماسية ان تعبث بخط التماس اللبناني - الإسرائيلي بهذا المستوى
المدمر الذي قد يصيب سياسات الولايات المتحدة الأميركية بأذى جزئي أو كلي ؟
إن
الدفع الأميركي بإحداث إنكسار ما لبيئة طائفية محددة . واللجوء الى مخاطبة الطائفة
الشيعية تحت عنوان الطمأنة ، ومن ثم تمرير
خطأ تضخيمي " غير متعمد " للحجم الطائفي الشيعي اللبناني ( ٤٠ بالمئة )
لا يوحي إلا برغبة دفينة بالإثارة الداخلية اللبنانية والإثارة المضادة . وهي
ألاعيب سبق للإدارات الأميريكية المتعاقبة وللإدارات الغربية الأوروبية ان
افتعلتها إبان مراحل الحرب اللبنانية السابقة بين عامي ١٩٧٥ و١٩٩٠ .
أما
عن الإهانات الإحتقارية التي أطلقها توماس باراك من على منبر القصر الجمهوري ، فلا
يبدو أنها إنفعال ديبلوماسي غير مدروس .
بل إنها قد تشكل تعبيرا عن استياء باراكي عن بعض ما سمعه الموفدين باراك وأورتاغوس
من الرئيس جوزف عون . ما استفز الأمريكيين ودفعهم الى إتهام الإعلاميين اللبنانيين
بالفوضى و" الحيونة " . والأرجح ان القصة باتت تنطوي على إعتراض أميركي على جمود الموقف الرئاسي
اللبناني وتجمده عند أولوية التنفيذ الصهيوني لمفاعيل إتفاق وقف الأعمال العدائية
الصادر في ٢٧ تشرين الثاني الماضي بعدما أدى لبنان ما عليه من موجبات لذلك الإتفاق
. إنها إهانة قيدت بإسم الإعلام اللبناني ولكنها غالبا ما ترمي الى إستهداف قصر
بعبدا وسيده المتهم بعدم الإنسجام مع التسرع الأميركي في الإستجابة لرغبات نتنياهو
الجامحة المتوائمة مع جموح الإدارة الأميركية الحالية .
أيمن حجازي