العدد 1379 / 25-9-2019
أيمن حجازي
كل
التسويات السياسية تحتاج الى من يحرسها ويصونها ويعمل على حمايتها من شرور الخصوم
والمنافسين والأعداء . والتسوية الرئاسية التي قامت قبل ثلاثة أعوام بين التيار
الوطني الحر وتيار المستقبل وقضت بإنتخاب
العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية وبإعادة الرئيس سعد الحريري الى سدة الرئاسة
الثالثة ، تحتاج أكثر من غيرها من التسويات الى حماية وحراسة مشددة.
لقد كانت هذه التسوية الرئاسية
لسنتين خلتا تحت حراسة شخصين إثنين هما نادر الحريري وجبران باسيل . وكان الأول
متفرغ تقريبا لمهمات الحراسة والحماية مع أدائه لدوره السياسي في الظل الظليل
بعيدا عن الأضواء والإعلام والكاميرات ، ولكن الثاني كان مثقلا بالمهمات التنظيمية
والسياسية والعائلية المتشعبة والمتداخلة . فهو رئيسا للتيار الوطني الحر ، ورئيسا
لأكبر كتلة برلمانية في المجلس النيابي اللبناني ، وعليه مواجهة المنافسين
الرئاسيين المفترضين من داخل التيار الوطني الحر وخارجه . وفي جعبة جبران الدائمة مهمات أخرى للحراسة يأتي في طليعتها
حراسة وحماية التفاهم مع حزب الله بكل دقته وحساسيته البالغة التي تمتد لتصل الى
مساحات إقليمية ودولية شتى . ومن مهام جبران الدائمة التصدي المستمر
والدائم
لما أطلق عليه " بلطجة " رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يحول دون
إستعادة حقوق مسيحية ضائعة وفق مقولة فريق عمل جبران ... وفي ما تطلق عليه أوساط
الرئيس نبيه بري مهمة التصدي لمحاولات إعادة إنتاج نظام الإمتيازات الطائفية البائد
الذي حد من أضراره ومساوئه إتفاق الطائف الذي تحول الى دستور منذ عام ١٩٩٠.
إن غياب نادر الحريري عن ساحة
تيار المستقبل بفعل المنفى الباريسي المجهولة أسبابه ، وإنشغال الوزير جبران باسيل
بمهماته المختلفة أفقدا التسوية الرئاسية بين " المستقبل " و" الوطني
الحر " أفقدا التسوية الرئاسية التي قامت بين بني الحريري والمعسكر العوني
حارسيها الأمنيين الحاذقين الماهرين
المتعايشين مع بعضهما . وأوجد فراغا في مهمات الحماية ، حاول أن يسدها الرئيس
الحريري شخصيا بالشراكة مع جبران باسيل . ويمكننا القول أن ما حصل في جلسة المجلس
النيابي يوم الثلاثاء الماضي من تصادم بين الرئيس الحريري ونواب التيار الوطني
الحر ناتج في أحد أبعادة عن تعطل وغياب آليات الحماية والحراسة المخصصة للتسوية
الرئاسية الميمونة . وذلك في ظل غياب الوزير جبران باسيل بفعل مرافقته للرئيس
ميشال عون في زيارته الى نيويورك للمشاركة في أعمال الدورة ٧٤ للأمم المتحدة . فهل
يمكن لقادة تيار المستقبل ولقادة التيار الوطني الحر أن يضمدا جراح الجلسة
النيابية المشار اليها أم أن هذه التسوية الرئاسية قد شاخت وانتهت صلاحيتها وباتت
غير قابلة لإستئناف العمل فيها .
بشكل
أولي لا يمكن الموافقة على هذه النهاية الدرامية المؤلمة للتسوية الرئاسية لأن ذلك
قد يعني انهيار الوضع الحكومي وتعريض الهدوء السياسي النسبي القائم في البلد الى
مخاطر كبيرة . وهذا ما ليس في وارد أحد من الأطراف السياسية المحلية الكبرى ولا في
حسابات أحد من الرعاة الإقليميين والدوليين للوضع اللبناني الممنوع من
الإنهيار . ويلاحظ في هذا السياق أن
التجاذب السياسي القائم على الساحة اللبنانية ، مفتوح كما هي العادة على نقطتين
رئيسيتين ذات بعد طائفي مميز ، أولهما صلاحيات رئيس الحكومة التي فتحت إثر الجلسة
النيابية الأخيرة من قبل الرؤساء نبيه بري ونجيب ميقاتي وسعد الحريري ، وثانيهما
إقتراب موعد مناقشة التوزيع الطائفي للموظفين من خارج الفئة الأولى في المجلس
النيابي بناء عل طلب رئيس الجمهورية الموجه الى المجلس النيابي عبر رئيسه منذ أكثر
من شهر ونصف . ما يؤكد أن حساسيات وتباينات طائفية ومذهبية شتى ، تحتاج الى
معالجات إستباقية عاجلة وقد تؤدي في بعدها الإيجابي الى ترميم التسوية الرئاسية
وصيانتها من جديد . سقى الله أيامك يا نادر الحريري.
ايمن
حجازي