كانت رحلة الإسراء والمعراج مسحاً لجراح الماضي، وتثبيتاً لقلب النبي صلى الله عليه وسلم، وتطميناً على مستقبل الدعوة وتعويضاً عن جفوة الأرض بحفاوة السماء، وعن قسوة عالم الناس بتكريم الملأ الأعلى.
لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء والمعراج، أن الله معه بالرعاية والعناية، وأنه كرّمه تكريماً فريداً من نوعه وعرّفه بأنه سيّد ولد آدم، وسيد الأنبياء والمرسلين. لقد رأى ملكوت الأرض والسماوات، وما تؤول إليه الخلائق بعد الممات، لقد رأى من آيات ربه الكبرى.
لهذا تعدّ معجزة الإسراء والمعراج من أضخم أحداث الدعوة الإسلامية، حيث سبقتها البعثة، وجاءت من بعدها الهجرة والفتح.
وإن من أجلّ دروس الإسراء والمعراج، أن الله تعالى كرّم النبي محمداً صلى الله عليه وسلم بالعروج إليه، لينال به أعلى درجات القربات، وكرّم أمته بأن فرض عليهم الصلوات، لتكون معراجاً لها إلى رب الأرض والسماوات. لقد فرضت الصلاة التي هي من أجل القرب، في أعلى مستويات القرب.
لقد فرضت الصلاة وحياً مباشراً، والنبي صلى الله عليه وسلم في سدرة المنتهى، وجنة المأوى. لقد فرضت الصلاة لأنها عماد الدين، فمن أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين، لأن الدين في جوهره اتصال بالخالق، وإحسان إلى المخلوق، فالناس رجلان: شقيّ وسعيد، شقيّ لأنه مقطوع عن الله، متفلت من منهجه، مسيء إلى خلقه، وسعيد لأنه موصول بالله، منضبط بشرعه، محسن إلى خلقه.
ولقد أورد الإمام المناوي في كتابه «الإتحافات السنيّة» حديثاً قدسياً رواه البيهقي، عن أبي الدرداء، عن رسول الله |: يقول الله عزّ وجل: «إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويُشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرّهم إليّ صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أُقْنِطُهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم. أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها».
الصلاة كما أرادها الله تعالى، أجلّ وأعظم من أن تكون مجرد حركات وسكنات، وقراءات، ليس غير... إنها قرب من الله تعالى: >وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ< سورة العلق الآية : 19.
ومع القرب خشوع، إنها وعي، ومع الوعي العقل.. ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها.
إنها عروج.. «الصلاة معراج المؤمن ».. ومع العروج مناجاة.. «لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل». لذلك تعد الصلاة، ميزاناً دقيقاً لمستوى معرفتك بالله، لمستوى عبادتك له، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الصلاة المكتوبة كالميزان، فمن أوفى استوفى» رواه الإمام أحمد في مسنده. أي من أوفى صلاته شروطها، استوفى منها ثمارها التي وعد الله بها، ولكن ما ثمارها التي وعد الله بها؛ إنها تطهره نفس المصلي، وتنهى صاحبها نهياً ذاتياً، عن الفحشاء والمنكر، على أساس الوازع الداخلي لا على أساس الرادع الخارجي.
الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، وغرّة الطاعات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات. وهي الركن الوحيد المتكرر من أركان الإسلام، الذي لا يسقط بحال، إنها أسّ العبادات، وأصل القربات، ومبدأ الطاعات، وهي ركن الأركان، وأساس البنيان، وهي أول ما يحاسب عنه المرء يوم القيامة، ولا يفلح المؤمن إلا بها، قال تعالى: >قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ< سورة المؤمنون الآية: 1-2.
والخشوع كما قال العلماء، ليس من فضائلها، بل من فرائضها... إنها الصلاة، بركة من بركات الإسراء والمعراج.