عبد القادر الاسمر
حدثت المفاجأة دون أن يعرض الأمر على مجلس الوزراء، فقد بادرت هيئة ادارة السير باتخاذ قرار يصادق على مناقصة الميكانيك لصالح شركة SGS ومنحت اذناً بالمباشرة للشركة التي قدمت سعر 44 مليون دولار والتي تتجاوز الشركة المنافسة بمبلغ 500 ألف دولار. والمفارقة أيضاً أن إحدى الشركات الأخرى تقدمت بعروض تبلغ 22 مليون دولار، أي نصف تكلفة عرض الشركة الفرنسية التي رست عليها المناقصة.
في التفاصيل، فاز بالمناقصة تجمع شركات ويضم العضو الأبرز فيه شركة SGS الفرنسية والتي تعتبر من أشهر الشركات في معاملات المعاينة الميكانيكية والمصادقة واعطاء شهادات الجودة وهي منتشرة في العشرات من بلدان العالم.
وبعد ارساء المناقصة على هذه الشركة، برزت احتجاجات كبيرة في صفوف الجمعيات والاتحادات والنقابات التي تتابع الموضوع، نظراً إلى ارتباط هذه الصفقة بمصلحة عامة تضرّ القطاع العام والمواطن اللبناني. ولقد ثمّن المتابعون لهذا الملف موقف مجلس شورى الدولة الذي أصدر قرار وقف تنفيذ المناقصة، إلا أن هيئة ادارة السير تخطت قرار مجلس شورى الدولة ولزّمت المناقصة لشركة SGS.
وتعود جذور هذا الملف الى وقت انتهاء عقد شركة فال المشغلة لمراكز لمعاينة الميكانيكية، بحيث تقدمت الشركة لوزير الداخلية آنذاك مروان شربل باستحداث 6 مراكز جديدة مقابل تجديد العقد. لكن مجلس الوزراء رفض وقرر انشاء 8 مراكز جديدة واجراء مناقصة. ولقد شاب المناقصة العديد من المخالفات، ما دفع الشركة المشغلة الى الطعن بها أمام مجلس شورى الدولة. فبعدما وضع مجلس الوزراء دفتر الشروط، تدخلت هيئة ادارة السير لادراج تعديلات من جانبها، ليتبين لاحقاً أن إدارة هيئة السير ادخلت 60 تعديلاً على دفتر الشروط وأعطته الى هيئة ادارة المناقصات دون رفعه الى مجلس الوزراء، وفي ذلك بدعة قانونية غير مسبوقة وهي ان لجنة التلزيم التابعة لادارة المناقصات هي صاحبة القرار، واذ يجري تشكيل لجنة فنية قامت بفض العروض الفنية وقررت استبعاد الشركات الاخرى، علماً بأن هذه اللجنة تتمتع بسلطة غير تقريرية بل بسلطة استشارية فقط. وتكونت اللجنة الفنية من خمسة أعضاء، ثلاثة منهم من هيئة إدارة السير. بالمقابل، وفي انتهاك صريح للشروط القانونية، تنص المادة 28 من دفتر الشروط على التالي: «عندما تنتهي ادارة المناقصات من التلزيم، ترفع الملف الى مجلس الوزراء وتبلغ هيئة إدارة السير»، وهذا ما لم يحدث عندما جرى تلزيم الشركة المعنية.
ويقول أحد المسؤولين في هيئة إدارة السير انهم لا يخضعون لرقابة ديوان المحاسبة المسبقة، وفي ذلك بدعة قانونية أخرى. تحرك ديوان المحاسبة في تقديمه كتاب تريث ولكن، أيضاً، تم تجاهل هذا الكتاب والمصادقة على المناقصة.
وفي الفروقات المالية التي تتكبدها جيب المواطن، يدفع هذا الأخير 21 دولاراً إذا قدر له المرور من أول مرة. ولكن المناقصة رست على وجوب دفع مبلغ 44 دولاراً. إلا أن أحد أعضاء هيئة السير نفى الخبر وأكد على تلزيم المواطن بدفع 33 دولاراً. وإذا سلمنا جدلاً أن هذا الرقم دقيق، لما يتكبد المواطن 12 دولار اضافية؟
اذاً، فضت عروض تلزيم عقد المعاينة الميكانيكية وفازت الشركة اللبنانية العالمية SGS بالعقد بقيمة 440 مليون دولار لمدة 10 سنوات. وتبلغ كلفة المعاينة الميكانيكية الجديدة 33 دولار موزعة على الشكل التالي: 5 دولارات رسم ضريبي للدولة، 3 دولار TVA، و 25 دولاراً بدل المعاينة الميكانيكية الجديدة. في حين كان يدفع المواطن 22 دولار في السابق، ولكن الدولة لم تكن تحوز على ضريبة من المشغل السابق، كما لم يَدفع الرسوم بحكم استمرار العقود بالتراضي من العام 2012.
يتضح بالتالي أن احتجاجات حملة «بدنا نحاسب» وغيرها لم تجدِ نفعاً في اعادة النظر الى ثغرات هذه المناقصة، والتيقظ لرائحة السمسرة التي تفوح من هذا التلزيم، وكشف الاصابع التي تحركه.
وفي بلد يحكمه الفساد، والسلطات التي لا تشبع ضرائب وغير ضرائب وأتعاب جانبية تجنيها من صفقات شخصية، تظلّ علامات الاستفهام مبيّتة، ولا تقع الطامة الا على رأس المواطن الذي يتكبد اليوم مبالغ اضافية تصب لصالح شركة مطعون بقانونية مناقصتها. ومع هذه القضية نطوي ملفات المرافق العامة التي أصبحت جميعها مرهونة لحيتان المال، آخرها هذه الصفقة التي تتغذى من جيب المواطن المغبون.