عبد القادر الأسمر

سمعنا بهذه العبارة «لأسباب لوجستية» عدة مرات خلال بضعة أيام وعلى لسان مسؤولين رسميين في مناسبة تأجيل مواعيد كانت مقررة ولم تتوضح الأسباب الحقيقية لهذا التأجيل أو بالاحرى لهذا التأجل أو بالاحرى تم إخفاؤها عن الكل مكتفين بعبارة «لأسباب لوجستية» وكفى الله المؤمنين القتال. 
وأول مرة لجأ المسؤولون الى هذه العبارة لتبرير عجزهم وإخلالهم بالحدث الذي كانوا يزمعون تنفيذه كان أوائل الشهر المنصرم عندما أعلن كل من وزير السياحة أواديس كيدانيان ووزير الدفاع يعقوب الصراف عن عجزهما إقامة احتفال في ساحة الشهداء لمناسبة انتصار الجيش اللبناني في معركة جرود القاع ورأس بعلبك وتكريماً للعسكريين الشهداء الثمانية الذين أعدمتهم «داعش» منذ حوالي السنتين.
وفي غمرة التحضيرات وانهماك الورش في إعداد الساحة لاستقبال المواطنين وبعد تجهيز المسرح والانارة قبل 48 ساعة من موعد الاحتفال أعلن الوزيران نفساهما تأجيل الاحتفال المقرر الى أجل قريب ولم يصرحا عن حقيقة هذا التأجيل واكتفيا بالقول إنه «لأسباب لوجستية» وطبعاً لم يبلغ اللبنانيون هذه الأسباب التي لم تفصح عن حقيقة التأجيل والذي تردد أنه لدوافع أمنية، وقيل أيضاً بأن كلمات الرؤساء الثلاثة لن تكون في هذا المهرجان متطابقة حول آرائهم بتدخل «حزب الله» في معركة جرود عرسال ضد «جبهة النصرة» و«داعش»، ما يخشى معه إحداث بلبلة بين المواطنين الذين انقسمت آراؤهم بين مؤيد ومعارض لتدخل الحزب في هذه المعركة، أو ربما لاعتقاد المسؤولين بل تأكيدهم إمكانية فشل هذا الاحتفال جماهيرياً وإمكانية رفع أعلام حزبية تسيء الى مغزى هذا الاحتفال ومضمونه، وكان التبرير الرسمي «لأسباب لوجستية».
وبعد أيام من إلغاء هذا الاحتفال أعلنت الحكومة أن قرارها عقد جلساتها في المحافظات اللبنانية على التوالي بدءاً من محافظة الشمال قد تأجل لأسباب لوجستية أيضاً ودون أي تبرير جاد ومعلل لهذا التأجيل، ولم يعلنوا أن أسباب هذا التأجيل انهماكها في اجتماعات مكثفة لدراسة «سلسلة الرتب والرواتب» أو بالاحرى عدم حماستهم لهذا القرار الذي يمكن أن يفشل ولا يؤدي أهدافه المرجوة، فكان هذا التبرير «لأسباب لوجستية» فما هي حقيقة معنى «لوجستية»؟
جاء في موقع «غوغل» أن لوجستي تعني إداري وكل عمل له طابع مع إدارة الأعمال. وهذا المعنى ينفي موافقته على تبريري الوزيرين المذكورين والحكومة اللبنانية ولكنه أصبح من المتعارف إطلاق هذه العبارة تهرباً من إيراد الأسباب الحقيقية للتأجيل. وفي الواقع إن كلمة «لوجستي» تطلق على لواء في الجيش يعرف باسم اللواء اللوجستي الذي لا توكل إلى عناصره مهمات قتالية، وإنما إدارية مثل أعمال مكتبية: كومبيوتر، بريد إعداد الطعام وغيرها من الأعمال غير القتالية.
ولقد انحرف المفهوم اللوجستي عن معناه الأصلي ليكون ذريعة للتغطية على حقيقة السبب الواقعي الذي لا ينطبق عليه المعنى اللوجستي.وربما تنوع المفهوم اللوجستي ليتذرع به كل فاشل أو محبط أو يائس ويمكن أن نسمع عن خطيبين أنهما انفصلا لأسباب لوجستية أي «ما في نصيب»! وقد يبرر فريق رياضي خسارته لهذه الأسباب لكي ينفي عن نفسه عدم جدارته بالفوز، وكذا الأمر مع طالب راسب في صفه متذرعاً بأسباب لوجستية من أجل اخفاء تقصيره وفشله.
وبالمناسبة فإنني لا أدعي أن أسباب تأخري عن كتابة بعض المقالات خلال الشهرين المنصرمين أسباب «لوجستية»، فيما الواقع هو توعكي الصحي بسبب «الباركنسون» الملازم لي، أعانني الله على تحمله مع تمنياتي بالدعاء منكم لتجاوز هذه المحنة التي رضينا بها ولا مجال للادعاء بأسباب لوجستية.}