العدد 1446 /27-1-2021

من جديد تعود نغمة الصلاحيات وتفسير النصوص الدستورية لتزيد من حجم وعمق الأزمة، ولكن هذه المرّة لتشكّل سابقة في انتهاك الدستور والصلاحيات، وفي القفز فوق المؤسسات، وفي الاعتراف بالمسؤولية عن التعطيل.

فجريدة نداء الوطن نقلت عمّا سمّته مصدر موثوق أنّ مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي الذي زار قبل أيام الصرح البطريركي في بكركي والتقى البطريرك بشارة الراعي، نقل إليه أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون لا يريد للحريري أن يشكّل الحكومة.

وإذا صحّت هذه الرواية، وعلى الأرجح أنّها صحيحة، لأنّ أيّ نفي لها لم يصدر لا من الصرح البطريركي ولا من قصر بعبدا، تعني أنّ رئيس الجمهورية يقفز فوق الدستور ويتجاوز الصلاحيات ويحاول أن يكرّس أعرافاً جديدة، بل أكثر من ذلك، فهي تشكّل اعترافاً صريحاً بالمسؤولية عن تعطيل تشكيل الحكومة، وبالتالي عن استمرار أزمات البلد السياسية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والصحيّة وغيرها، وعليه فإنّ ذلك يكون مدعاة جدّية لطرح النقاش الحقيقي والجدّي في مساءلة، بل ومحاكمة الرئيس، لأنّ اللبنانيين ضاقوا ذرعاً بالأوضاع الصعبة التي يعيشونها، وها نحن نرى كيف خرجوا في المدن اللبنانية في حركة احتجاج واسعة جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وعلى الرغم من الإقفال العام بسبب تفشّي وباء كورونا.

إن تصريح مستشار رئيس الجمهورية في الصرح البطريركي بعدم قبول الرئيس بالحريري لتشكيل الحكومة يُعدّ بشكل واضح وصريح اعتداءً على المجلس النيابي وصلاحياته، وضرباً للنظام البرلماني الذي يقوم عليها النظام السياسي اللبناني. فالدستور أناط حصراً بالمجلس النيابي مسؤولية وصلاحية تسمية الشخصية التي تشكّل الحكومة، وذلك من خلال الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية، والتي بناءً عليها يتمّ تسمية رئيس لتشكيل الحكومة، وعليها فإنّه ليس من حقّ ولا من حدّ رئيس الجمهورية أن يقبل أو يرفض من يسمّيه النواب لتشكيل الحكومة، وبالتالي فإنّ تصريح مستشاره برفض شخص الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة، يعني انتهاكاً للدستور، وتجاوزاً على صلاحيات المجلس النيّابي والنوّاب بعدما سمّى المجلس النيّابي الرئيس الحريري لهذه المهمّة والمسؤولية.

كما وأنّ هذا التصريح يعني أنّ الرئيس هو من يعطّل مسار تشكيل الحكومة، خاصة وأنّ الرئيس المكلف أعلن أمام وسائل الإعلام، وأمام الملأ أنّه قدّم للرئيس تشكيلة حكومية تضمّنت أسماء الوزراء وتوزيع الحقائب. ومن حق الرئيس أن يرفض التشكيلة ولا يوقّع عليها، أو أن يوافق عليها ويرسلها إلى المجلس النيابي لأخّذ الثقة. لكن ليس من حقّه أن يرفض أو يقبل من فوّضه النوّاب لتشكيل الحكومة، كما ليس من حقّه أن يتدخل في عملية التشكيل.

بعد هذا التصريح، وبعد التأكد من أنّ التشكيلة الحكومية هي في عهدة قصر بعبدا، بات واضحاً للعيان من يعطّل مسار تشكيل الحكومة، وبالتالي مسار الحل بالبلد. وعليه فإنّ المطلوب اليوم التحرّك لحفظ البلد من أخذه إلى منزلقات سحيقة جراء سياسات كيدية أو نكدية أو بسبب توهّم السيطرة والاستفراد، وقبل أن يقع الفاس بالراس ويسقط الهيكل ولا يبقى شيئاً من لبنان الذي يريده أغلب اللبنانيين.

د. وائل نجم

بيروت في 27/1/2021