العدد 1590 /29-11-2023
د. وائل نجم
وبعد سبعة وأربعين يوماً من
العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة نزلت حكومة الاحتلال وقواتها على شروط
المقاومة الفلسطينية لناحية الهدنة الإنسانية ووقف إطلاق النار ودخول المساعدات
الإنسانية، وتراجعت هذه الحكومة عن أهدافها التي أعلنتها في القضاء على المقاومة
الفلسطينية، والتي لم تعلنها في تهجير الشعب الفلسطيني من غزة إلى سيناء أو إلى
أيّ مكان في العالم.
نزلت حكومة الاحتلال على شروط المقاومة
وقبلت الهدنة وتبادل الأسرى وجرت العمليات الأولى من اتفاق تبادل الأسرى كما هو
مرسوم لها، كما تمّ تمديد الهدنة يومين إضافيين ولكن السؤال المطروح حالياً بعد
تمديد الهدنة ماذا بعد طوفان الأقصى؟
بات من الواضح وباعتراف الخصوم
والأعداء قبل الأصدقاء والحلفاء أنّ الشعب الفلسطيني ومقاومته حقّقت نصراً بيّناً
واضحاً يوم السابع من تشرين الأول عندما أطلقت المقاومة عملية طوفان الأقصى في
غلاف غزة وتمكّنت من كسر هيبة وعنجهية الجيش الإسرائيلي وهزّت الثقة بكيان
الاحتلال فضلاً عن قيادته السياسية والعسكرية. كان الحدث مدوّياً ومفاجئاً وصادماً
لكل شيء في كيان الاحتلال، وثبت بما لا يدع أيّ مجال لأيّ شكّ أنّ المقاومة حققت
نصراً على الاحتلال.
كما بات واضحاً أنّ الهجوم
والعدوان الصهيوني على غزة خلال ستة أسابيع لم يقدّم شيئاً يُذكر لقوات الاحتلال
في المواجهة البرّية، بل على العكس فشل الاحتلال فشلاً ذريعاً في تحقيق أيّ هدف من
الأهداف التي رفعها، ولم يتمكّن من استعادة أيّ أسير في غزّة، فضلاً عن الخسائر
الفادحة التي تكبّدها خلال عمليات التوغّل البرّي في غزة. وبناءّ عليه فإنّ
الأنظار باتت تتجه إلى ما بعد معركة طوفان الأقصى لمعرفة بوصلة الاتجاهات.
المشهد الآن ينتظر الموقف الذي
سيتخذه كلّ من الكيان الإسرائيلي ومن يقف خلفه، وقوى المقاومة الفلسطينية.
كيان الاحتلال الإسرائيلي يعيش
أزمة حقيقية وعميقة لا يمكنه الخروج منها بشهولة وبساطة. فهو غير قادر على تحقيق
إنجازات ميدانية حقيقية وقد جرّب ذلك على مدى أكثر من ستة أسابيع من العدوان على
غزة. وهو غير قادر على توسيع المعارك نحو ساحات أخرى لأنّ الولايات المتحدة
الأمريكية ترفض ذلك حتى الساعة لأنّه لا يخدم مصلحتها ومشروعها، وبالتالي فإنّ
الإسرائيلبي بات مّلزماً بقبول وساطات التهدئة والخصوع للشروط التي تضعها المقاومة
لأنّها تمثّل أقل الخسائر بالنسبة له حالياً مع إدراكه أنّها تمثّل خطراً كبيراً
عليه على المدى الطويل.
بالنسبة لقوى المقاومة فإنّ
الاكتفاء بالأهداف والانجازات المرحلية المتمثّلة بإطلاق سراح الأسرى ورفع الحصار
عن غزة يمثّل إنجازاً كبيراً، ولذلك فإنّ المقاومة طرحت شروطها وقبل الاحتلال ذلك
في هذين العنوانيين. غير أنّ المقاومة لا يمكنها أن تركن إلى هدنات إنسانية
متتالية ولفترات طويلة لأنّ من شأن ذلك تفريغ الانتصار الفلسطيني من مضمونه،
وبالتالي فإنّها ستصل إلى وقت لن تقبل به بهذه الصورة التي باتت مكرّرة كل ليلة،
بل ستذهب نحو تفعيل مفاعيل الانتصار من أجل تحقيق أهداف سياسية للشعب الفلسطيني،
وعليه فإنّها قد تعيد تسخين الجبهة ولا تنتظر الاحتلال في ذلك بهدف تأمين مصالح
الشعب الفلسطيني.
ما بعد طوفان الأقصى مزيد من
تحقيق الإنجازات للشعب الفلسطيني بغض النظر عن حجم الخسائر المادية والبشرية التي
وقعت في غزة، وهي بالمناسبة ثمينة وكبيرة، ولكنّ الانتصارات تُقاس بتحقيق الأهداف
السياسية وليس بحجم الأثمان التي يدفعها الإنسان. ما بعد طوفان الأٌصى عهد جديد
سيرسم معالم المنطقة لمرحلة جديدة قد تمتدّ لسنوات بل لعقود قادمة.
د. وائل نجم