العدد 1332 / 10-10-2018

في مقابلته التي أجراها مع قناة "MTV" يوم الخميس (4/10/2018)، كشف رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، أن تشكيل الحكومة سيكون خلال أسبوع إلى عشرة أيام. لقد أطلق موجة تفاؤل جديدة في الأجواء السلبية التي كانت سائدة خلال المرحلة التي سبقت. ولكن وزير خارجيته في حكومة تصريف الأعمال، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، سرعان ما بدّد هذه الأجواء التفاؤلية من خلال مواقفه التي أطلقها في مؤتمره الصحفي الذي عقده على مسافات ساعات قليلة من تعهّد الحريري، ما دفع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وغيره إلى الحديث عن عودة إلى المربع الأول. كان موقف باسيل عن المعيار الجديد الذي وضعه، خمسة نواب كل وزير، صادماً لكثير من القوى السياسية، حتى تلك الحليفة له، فضلاً عن المنافسة، وفي طليعتها القوات اللبنانية التي لم تتأخر في الردّ على باسيل.

هذا الأسبوع، وبعد اجتماع كتلة المستقبل برئاسته، عاد الرئيس الحريري وأكد على تفاؤله بقرب تشكيل الحكومة خلال المهلة التي تحدّث عنها، ولكنه أضاف إلى ذلك إمكانية الاستعانة ببضعة أيام إضافية، بمعنى قد تمتدّ الفترة إلى حدود الأسبوعين. وفي الوقت ذاته أشار لأول مرّة إلى إمكانية الإعتذار عن تشكيل الحكومة، وهذا لم يكن يرد في حديثه سابقاً عندما كان يقطع أنه لن يعتذر عن تشكيلها طالما أن الدستور لا يقيّده بأي سقف زمني، وكان يؤكد أيضاً أنه دائماً يعمل على تشكيل حكومة وطنية تجمع أغلب أو كل الأطراف السياسية الفاعلة بما في ذلك حزب الله.

لماذا أشار الحريري إلى مسألة الإعتذار وعدم قبول التكليف مرّة ثانية ؟ وهل يرتبط ذلك بثقة لا حدّ لها بإمكانية تشكيل الحكومة خلال المهلة المتبقية التي حدّدها وألزم نفسه بها؟ أم ترى هو أيقن أن فرصه في تشكيل الحكومة باتت ضعيفة جراء "فيتوات" وعراقيل موجودة أمامه من أكثر من جهة؟ ولذلك أراد أن يضع حدّا لهذه الحالة القائمة.

الجميع في لبنان يدرك أن العقبات التي حالت وما زالت تحول دون تشكيل الحكومة حتى الساعة هي في ظاهرها عقبات داخلية تتصل بحجم ونوعية الحصص والمقاعد الوزارية التي سيحصل عليها كل طرف، والحقيقة ان هذه عقبات جدّية لا يمكن إغفالها أو عدم الإلتفات إليها. ولكنها في أساسها وجوهرها تتصل أيضاً بأجواء، وربمتدخلات خارجية، إقليمة ودولية، وإن كانت هذه التدخلات غير منظورة للمراقبين، إلا أن تأثيرها أكبر من تأثير العقبات الداخلية، على أهميّتها.

والجميع يدرك أن الاستحقاقات التي تقع في لبنان غالباً ما تكون متأثرة بشكل كبير بالأجواء الخارجية، خاصة عندما يكون التنافس والصراع هو الذي يحكم العلاقات بين دول الإقليم. واليوم، وكما هو معروف، فإن العلاقات الإقليمية بين أبرز دول الإقليم، تقوم على أساس الصدام، وليس فقط التنافس والصراع، وبالتالي فإن لبنان، بكل تأكيد محكوم بهذه الأجواء، وعلى وجه الخصوص العلاقات الإيرانية السعودية كأبرز دولتين في الإقليم تؤثران في لبنان.

وبالعودة إلى مسألة تشكيل الحكومة فإن إلزام الرئيس الحريري لنفسه بمهلة لا تتجاوز الأسبوعين قد يكون عائداً إلى تفاؤل أسداه وعد فرنسي للحريري بإقناع الرئيس ميشال عون، ومن خلفه التيار الوطني الحر بضرورة تشكيل حكومة في هذه المرحلة نظراً إلى المخاطر التي تحدق بلبنان على المستوى الاقتصادي، والوضع المضطرب على المستوى الإقليمي، وسيكون لرئيس الجمهورية لقاء في العاصمة الأرمنية على هامش انعقاد مؤتمر الفرنكوفونية هناك، فضلاً عن أن الرئيس الفرنسي أرسل مندوباً له إلى بيروت لتفيعل مسألة الإفادة من مقررات مؤتمر "سيدر" بخصوص إنقاذ الاقتصاد اللبناني، وإذا ما نجح الرئيس الفرنسي بإقناع الرئيس عون ومن خلفه التيار الوطني الحر، فإن الحكومة قد تبصر النور خلال الأيام المقبلة، وبذلك يتجاوز الحريري هذا القطوع والتحدّي الذي وضع نفسه فيه. لأنه من الواضح للجميع أن العرقلة الداخلية كانت في شكلها الأساسي تتمثّل بالعقدة المسيحية بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، التي كان التيار يحاول أن يحجّم القوات قدر المستطاع.

أما إذا لم يستطع الرئيس الفرنسي أن يقنع الرئيس عون بضرورة التنازل والحلحلة، فإن الحريري يدرك عند ذلك أن فرصه في تشكيل الحكومة ليست بسيطة، وأن الوقت لا يعمل لصالحه ولا لصالح البلد، فضلاً عن أن بعض المعلومات تحدثت عن رغبة سعودية بعرقلة مهمة الحريري تمهيداً لإخراجه من المشهد السياسي، واستبداله بشخصية أخرى، خاصة أن البعض يتحدث عن علاقة مقطوعة بين الحريري والمملكة، ولذلك فإنه أشار لأول مرة إلى أنه إذا اعتذر عن التشكيل فلن يقبل به مرة أخرى، لأنه يدرك أنه سيكون متروكاً كما أول مرّة، وعليه فإن هذه الأيام ستكون حاسمة فعلاً في تحديد البوصلة التي سيتجه نحوها لبنان.

وائل نجم