العدد 1404 / 11-3-2020

د. وائل نجم

قرّرت الحكومة اللبنانية في ربع الساعة الأخير التخلّف عن سداد ديون مستحقة على لبنان إلى دائنين دوليين فيما يُعرف "سندات اليوروبوند"، وجاء قرار الحكومة بعد نقاش مستفيض على المستوى الحكومي وفي داخلها، وعلى مستويات أخرى لها تأثيرها ودورها في السياسة الداخلية والخارجية، وبعد اجتماعات مالية واقتصادية شارك فيها من هم في السلطة وبعض من هم خارجها، وقد جرى استعراض المشكلات والتداعيات التي يمكن أن يتأثّر بها لبنان فيما لو دفع هذه المستحقات من الديون أو تخلّف، وقد استقر الرأي، أو يمكن أن يُقال تمّ الخضوع لأصحاب الرأي الذي يقول بعدم دفع هذه الديون في وقتها على اعتبار ذلك أقلّ خطراً على البلد.

لقد خرج رئيس الحكومة، حسّان دياب، في ربع الساعة الأخير لموعد الاستحقاق، وأعلن الموقف الرسمي للدولة وهو تعليق دفع الديون التي كانت مستحقة الدفع يوم التاسع من آذار الجاري، والعمل لإعادة جدولة هذه الديون مع الدائنين، واتخاذ إجراءات وخطوات إصلاحية في الداخل من أجل تجاوز هذه المحطة وهذا التحدّي. ولكن السؤال البديهي الذي يطرحه كل لبناني، ماذا بعد هذا القرار؟ وما هي النتائج التي يمكن أن تترتّب عليه؟

بعيداً عن صوابية القرار من عدمه، وبعيداً عمّا إذا كان الدفع أوجب وأفضل من عدم ذلك، فإنّ لبنان الآن بات أمام هذا الواقع الذي يجب التعامل معه.

إنّ عدم دفع الديون المستحقة والحديث عن جدولة هذه الديون من جديد مع الدائنين، يعني أنّ الحكومة تدعو بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى مفاوضات جديدة مع الدائنين من أجل إعادة ضبط وجدولة هذه الديون، وهذا بدوره يعني، أنّ الجهات الدائنة يمكن أن تقبل منطق الذخول بمفاوضات جديدة لجدولة الديون، وهذا بدوره قد يعني شروطاً جديدة تفرضها أو تطلبها هذه الجهات على الحكومة اللبنانية، التي بدورها قد تكون مضطرة لاحقاً إلى الخضوع لتلك الشروط للتفادى أية خيارات أخرى يمكن أن تلجأ إليها الجهات الدائنة، وهذا أيضاً يعني الانخراط في تنازلات جديدة قد لا تكون أقلّ خطراً أو "تنازلاً" عن التنازلات أو السياسات التي انتقدها رئيس الحكومة عندما ألقى المسؤولية في كل ما وصل إليه لبنان على سياسات العهود والحكومات السابقة. كما يمكن أن يعني ذلك شروطاً وضمانات أكبر للجهات الدائنة لضمان حقّها في المستقبل، ما يعني الهيمنة الكاملة على مقدرات البلد، وهو ما يعني الوصول إلى النتائج ذاتها التي تمّ التهرّب منها فيما لو لجأ البلد إلى الأخذ بها وجرى الحديث على أنها تمكّن صندوق النقد الدولي من الهيمنة على القرار السيادي والمالي في البلد.

كما وأنّ عدم دفع الديون المستحقة أظهرت لبنان بلداً مفلساً وعاجزاً، وهذا يضرب سمعته على المستوى الدولي، ويؤثر بشكل كبير على فرص الاستثمار في أية قطاع من القطاعات التي يمكن أن تكون مجالاً للاستثمار. كما وأنّ التخلّف سيعني تهرّب أية جهة مانحة أو مُقرضة في المستقبل من التعامل مع الدولة اللبنانية، وهذا يحجب عنها الاستثمارات والقروض المخففة، وحتى الودائع المالية، وكل ذلك يفاقم الأزمة بشكل أكبر.

كما وأنّ التخلّف عن الدفع قد يدفع الجهات الدائنة للتوجّه نحو ملاحقة لبنان أمام الجهات الدولية المختصة، وهو ما يعني في مكان ما الحجز على الأموال والممتلكات اللبنانية، ومنها الثروات النفطية والغازية المكتشفة في البحر المتوسط، وكل ذلك يجعل لبنان يخسر الكثير من ثرواته، ويفاقم أزماته بشكل أكبر وصولاً إلى العيش في دوّامة لا تنتهي فصولاً.

إنّ الحكومة اليوم، وفي ضوء هذا القرار، مدعوة لاستعادة ثقة اللبنانيين من خلال إجراءات جدّية وحقيقة تتصل بمكافحة الفساد ووضع حدّ للتهرب الضريبي والتهريب، وحلّ أزمة الهدر في الكهرباء وفي غيرها، وكافة الإجراءات الحقيقية التي تحدّ من الأزمة وتستعيد الثقة بالدولة، وإلاّ فإنّ اللبنانيين سيكونون على موعد جديد مع انتفاضة جديدة قد تكون أكبر وأكثر عنفاً وشدّة قد تطيح بكل هذه الطبقة المسؤولة عن كل شيء، ولكنها ستكون في حينه قد أطاحت بالبلد أيضاً، هذا إذا اعتبرنا أن البعض لن يذهب إلى اعتماد سياسة حافة الهاوية من جديد، ولعبة التخويف من الفوضى على اعتبار أنّ ذلك قد يشكّل المخرج من الأزمة بالنسبة لها.

بيروت في 10/3/2020