العدد 1664 /21-5-2025
نجحت الحكومة في إجراء الانتخابات
البلدية والاختيارية في خمس محافظات على مدى ثلاثة أيام آحاد من شهر أيّار، وسجّلت
إنجازها الأول الذي يحتاج لاحقاً إلى تأمين الموازنات اللازمة للبلديات الفائزة من
أجل القيام بمهمّة ووظيفة الخدمات والإنماء. ولعلّ انتخابات العاصمة بيروت كانت
التحدّي الأبرز في كلّ العملية الانتخابية نظراً لطرح البعض من القوى السياسية
وحتى المرجعية مسألة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في بلدية العاصمة على الرغم
من الفارق الهائل على مستوى أعداد الناخبين الموزّعين على المكوّنات، وقد ذهب
البعض تحت حجّة حماية المناصفة إلى طرح تقسيم بلدية العاصمة تكريساً لمنطق
الانقسام والتقسيم، فيما حاول البعض التقدّم باقتراح قانون لحماية المناصفة من
خلال فرض لائحة مغقلة على الناخبين البيارتة، وقد سقط هذا الاقتراح أيضاً، وأمام
ضغط الوقت من ناحية ورفض تقسيم العاصمة من ناحية ثانية، وضمان عدم مقاطعة مكوّنات
بيروتية للانتخابات كما حصل في بعض البلدات، تبرّع أحدٌ ما، أو ربما تبرّعت جهة ما
برعاية تحالف جمع الأضداد والاتجاهات المتناقضة في لائحة واحدة أُطلق عليها تسمية
لائحة "بيروت بتجمعنا" وشارك في هذه اللائحة كلّ من الأحزاب والقوى
التالية: القوات اللبناية، الكتائب، التيار الوطني الحرّ، التقدمي الاشتركي،
الحوار الوطني (النائب مخزومي)، الأحباش، الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله)،
الطاشناق، الهاشناق وقيل أنصار النائب وضّاح الصادق. بالطبع هذه المتناقضات التي
اجتمعت في هذه اللائحة لكلّ منها روايته التي تبرّر لجمهوره هذه المشاركة. فالبعض
كما الأحزاب الموسومة بالمسيحية برّرت المشاركة بتأمين المناصفة بين المسلمين
والمسيحيين في البلدية؛ والبعض الآخر أراد تخفيف الضغط عنه واسترداد الشرعية التي
بدأ يفقدها بسبب الحرب والعدوان الإسرائيلي كما في حالة حزب الله، والبعض يبحث عن
شرعية تخرجه من العزلة التي يعيشها منذ حوالي عقدين عندما خرج النظام السوري
المخلوع من لبنان كما في حالة الأحباش؛ والبعض يريد تكريس الزعامة البيروتية كما
في حالة مخزومي؛ والبعض أراد تكريس الزعامة الوطنية الضامنة للجميع كما في حالة
الرئيس نبيه برّي وحركة أمل. وتمّ في الإعلام إطلاق تسمية "لائحة
السلطة" على لائحة "بيروت بتجمعنا".
في مقابل هذه اللائحة تمكّنت قوى
وشخصيات أخرى من تشكيل لوائح منافسة كان أبرزها لائحة "بيروت بتحبّك"
المدعومة من النائبين عماد الحوت ونبيل بدر ومن الجماعة الإسلامية في العاصمة ومن
بعض القوى والجمعيات والشخصيات الإسلامية البيروتية، وترأّس هذه اللائحة العميد
المتقاعد محمود الجمل. كما شكّل نوّاب التغيير إبراهيم منيمنة وبولا يعقوبيان
لائحة ثالثة باسم لائحة "بيروت مدينتي".
شهدت العاصمة معركة حامية الوطيس
انتخابياً، غير أنّ حسابات النتائج التي أفرزتها الصناديق، وعلى الرغم من فوز
لائحة السلطة مع تسجيل خرق واحد لها عبر العميد محمود الجمل من لائحة "بيروت
بتحبّك" أظهرت أنّ فوز لائحة السلطة كان بنكهة الهزيمة، وأنّ خسارة لائحة
"بيروت بتحبّك" كان بنكهة الانتصار مع أنّها لم تسجّل سوى خرق واحد
للائحة السلطة.
فالفائز الأول على لائحة السلطة حاز
على قرابة 46 ألف صوت، بينما حاز آخر الفائزين على قرابة 34 ألف صوت في حين سجّل
العميد الجمل حصوله على قرابة 37 ألف صوت بينما حاز أول الخاسرين من لائحة
"بيروت بتحبّك" على قرابة 32 ألف صوت وبقية أعضاء اللائحة على رقم قريب
من ذلك. في حين لم يتعدّ أصوات المرشحين على لائحة "بيروت مدينتي" على
أكثر من 5 آلاف صوت.
الأرقام تظهر منافسة شديدة وقويّة
بين لائحة السلطة ولائحة "بيروت بتحبّك" على الرغم من اجتماع كلّ أو
أغلب الأحزاب والقوى الأخرى المنضوية في الحكومة في لائحة "بيروت
بتحمعنا" التي لم تتمكّن من تسجيل فوز كاسح أو أن يكون الفارق بينها وبين
اللوائح المنافسة كيبراً جداً.
وفي قراءة أكثر دقّة للأرقام يظهر
للمتابع أنّ الثنائي الشيعي رفد لائحة السلكة بقرابة 20 ألف صوت كما أعلنت ماكينة
الثنائي. بينما أعطى الأحباش اللائحة قرابة 10 آلاف صوت. في حين أعطت بقية القوى
والأحزاب المنضوية في التحالف الهجين اللائحة قرابة 15 الف صوت هي بمجموعها حوالي
45 ألف صوت وهو ما تحصّل عليه الفائز الأول في لائحة السلطة.
في مقابل ذلك حصلت لائحة
"بيروت بتحبّك" على معدل وسطي من الأصوات قدره قرابة 32 ألف صوت هي
بمعظمها من أصوات السُنّة في بيروت وهم المكوّن الأكبر في العاصمة، ويتضح من خلال
هذه الأرقام التالي:
فوز لائحة السلطة "بيروت
بتجمعنا" كان جرّاء تحالف هجين وظرفي فرضته الظروف والاعتبارات الخاصة بكل
مشارك فيه، وكلّ داعم داخلي أو خارجي له، ولا يعبّر حقيقة عن مزاج الناخب
البيروتي، وبالتالي فهو سيعود إلى طبيعته لحظة إقفال صناديق الاقتراع.
الأرقام أظهرت أنّ المزاج العام
البيروتي مع لائحة "بيروت بتحبّك" حيث اقترع لها ما نسبته 45% ولم يقم
هذا الناخب اعتباراً للإيحاءات الخارجية ولا للتمويل الذي أُغدق على لائحة السلطة
من جهات خارجية.
الأرقام أظهرت أنّ الناخب البيروتي
محافظ بطبعه ولكنه منفتح على المكوّنات الأخرى ويؤمن بالعيش الواحد والمناصفة
الحقيقية وأرقام المشاركين في لائحة "بيروت بتحبّك" تؤكّد على ذلك.
بدأت الأرقام والنتائج تكرّس في
العاصمة قوى وشخصيات وزعامات جديدة من خارج منظومة السلطة، بل ومن خارج المنظومة
التي كانت قائمة، وأداء هذه القوى والشخصيات والزعامات الجديدة سيكون كفيلاً
بتوسيع قاعدتها الشعبية أكثر فأكثر في الاستحقاقات المقبلة.
ربما اسدل الناخب البيروتي الستارة
على تجربة التغييريين بعدما أعطاهم فرصة وتبيّن له أنّهم بعيدون عن مزاجه وتقاليده
وتاريخه.
بعض القوى والشخصيات البيروتية التي
كانت مشاركة في لائحة السلطة ستعيش حالة أكبر من العزلة البيروتية في المرحلة
المقبلة جراء قبولها أداء دور "التيس المستعار" في لائحة السلطة.
د. وائل نجم