العدد 1403 / 4-3-2020

د. وائل نجم

هل كان رئيس الحكومة، حسّان دياب، صريحاً إلى درجة الاعتراف بهشاشة الوضع الذي تعيشه الدولة؟! أم تراه كان يبعث برسائله إلى من يعنيهم الأمر؟! أم أنّه كان يقدّم بين يدي الاعتراف بالفشل كمقدمة للاستقالة؟! أم هي زلّة لسان غير مقصودة صدرت في لحظة تخلّي أو في ظل غياب الحنكة السياسية.. عندما قال الرئيس ديّاب أمام السلك الدبلوماسي الغربي وأمام عدسات الإعلام إنّ الدولة بحالة ترهل وضعف والوطن يمر بمرحلة عصيبة إثر الوضع المالي والإقتصادي والمعيشي والإجتماعي والصحي، وإنّ الدولة لم تعد قادرة على حماية اللبنانيين لكن الأيام المقبلة ستشهد حسم النقاش لاتخاذ قرار مفصلي للحكومة.

هذا التصريح الخطير لرئيس الحكومة يوم الإثنين الماضي عن عجز الدولة عن حماية مواطنيها هو بمثابة اعتراف صريح وواضح بانهيار الوضع، بل بانهيار البلد في لحظة لبنان والحكومة والناس أحوج ما تحتاجه إلى ما يعيد بث الطمأنينة من جديد، والثقة بين كل الأطراف.

هذا التصريح هو بمثابة إضاعة فرصة كانت مُنحت للحكومة من أجل إثبات جدّيتها وصدقيتها واستقلالية قرارها واختصاصها في معالجة الملفات التي أتت من أجلها، فإذا بهذا التصريح يضرب بعرض الحائط كل شيء، ويركل هذه الفرصة، ويفتح المجال مجدّداً أمام تجدّد الحراك الشعبي الذي لم يثق بالحكومة منذ اليوم الأول، لكنّه ارتضى أن يمنحها فرصة إبراءً للذمة وحتى لا يُقال إنّ هذا الحراك لا يريد الحل، بل يريد خراب البلد.

عندما يعترف رئيس الحكومة، وهو رأس السلطة التنفيذية بعجز الدولة وعدم قدرتها على حماية مواطنيها، ترى ماذا تريدون من المواطنين أن يفعلوا؟ ترى ماذا تريدون من التجار أن يقدّموا؟ ماذا تريدون من المستثمرين أن يستثمروا؟ ماذا تريدون من السيّاح أن يختاروا؟ وماذا وماذا وماذا ...

عندما يعترف رأس السلطة التنفيذية أن الدولة غير قادرة على حماية مواطنيها فهل هو يطلب منهم أن يحموا أنفسهم؟ وكيف؟ وبماذا؟

عندما يعترف رأس السلطة التنفيذية أن الدولة غير قادرة فهل هذا يعني أنّ عجزها لأنّ قراراها مصادر في مكان ما؟ أم لشيخوختها؟ أم لأنّ دولة عميقة تسكن فيها وتديرها بالسرّ؟

عندما يعترف بالعجز فهل ذلك لأنّه أدرك أنّ الفساد أكبر من أن يعالج، وأنّ الفاسدين قادرون على تعطيل كل شيء؟ أم لأنّه أدرك حجم الأزمة الكبيرة التي تكبر يوماً بعد يوم في ظل التمادي من الطبقة السياسية؟ أم ماذا؟

عندما يعترف بالعجز فهل ذلك رسالة لكل من يقف في طريق الإصلاح كي يعود عن غيّه ويغيّر طريقته بالتعامل من أجل إنقاذ البلد؟ وهل أولئك أساساً يشعرون بالمسؤولية ويتحمّلونها؟

عندما يعترف بالعجز هل يريد أن يلقي بالمسؤولية التي ارتضى أن يحملها في هذه الظروف على غيره من شركائه؟

عندما يعترف بالعجز هل يريد أن يقفز من السفينة التي أدرك غرقها المحتّم؟ وهل نرى استقالته في وقت قريب؟

عندما يعترف بكل ذلك هل يملك الجرأة على الاستمرار في مصارحة اللبنانيين بالواقع الفعلي الحقيقي؟ هل يملك الجرأة ليقول حقيقة ما يجري؟ حقيقة من يسرق البلد؟ حقيقة من يصادر قراره؟ حقيقة من أوصله إلى هذا الوضع الكارثي؟ هل يملك الجرأة على البوح بكل شيء؟ أم أنّ المسألة أكبر من أن يصارح اللبنانيين بكل ذلك؟

المصارحة يا دولة الرئيس تقتضي اتخاذ القرار المناسب لإنقاذ البلد قبل خراب "البصرة" بمن فيها، وأنت ومن موقعك، أدرى أكثر من غيرك بالحالة التي وصلنا إليها والتي لم يعد يجدي معها الاعتراف بالواقع على أهمية البوح بالحقيقة، بل يحتاج إلى فعل جدّي حقيقي ينقذ ما تبقّى من هذا اللبنان.