العدد 1445 /13-1-2021
د. وائل
نجم
أنْ يزور الرئيس
المكلف تشكيل الحكومة، سعد الحريري، اسطنبول يوم الجمعة ويلتقي الرئيس التركي، رجب
طيب أردوغان، على مدى ساعتين تمّ خلالها البحث في العلاقات الثنائية وفي ملفات
تتصل بواقع المنطقة وبالداخل اللبناني، فهذا ليس شيئاً عابراً وعادياً يمكن المرور
عليه مرور الكرام.
من المعروف أنّ
علاقة الحريري بتركيا لم تنقطع يوماً، ولكنّها كانت تأخذ بالحسبان، في وقت من
الأوقات، العلاقة التركية السعودية على وجه التحديد، وتراعي جانب المملكة بالنظر
إلى العلاقة التاريخية العميقة التي كانت تربط الحريري الأب (رفيق) بالمملكة،
وبالتالي فقد فضّل الحريري الأبن (سعد) تبريد العلاقة مع تركيا خلال السنوات
الأخيرة التي فترت فيها العلاقة التركية السعودية بعد أزمة الدول الأربعة مع قطر.
ومن الواضح أيضاً
أنّ هذه الزيارة للرئيس سعد الحريري إلى اسطنبول، وهذا اللقاء المطوّل مع الرئيس
أردوغان جاء بعد أقلّ من أسبوع على المصالحة الخليجية، وعلى إعادة تطبيع العلاقة
بين المملكة من ناحية وبين قطر من ناحية ثانية، وهو ما يفتح الطريق أيضاً على
تطبيع العلاقة أيضاً بين المملكة وبين تركيا، خاصة وأنّ تركيا رحّبت بالمصالحة
الخليجية وأيّدتها وأبدت كل اسعداد لتطبيع العلاقة مع السعودية ومع بقية الدول
التي كانت تقاطع قطر. وفي هذا السياق جرى الحديث همساً عن وساطة قام بها الحريري
بين السعودية، وعلى وجه التحديد بين ولي العهد، محمد بن سلمان، وبين الرئيس أردوغان،
حيث جرى الحديث في الصالونات المغلقة عن لقاء سعد الحريري بالرياض بالأمير محمد بن
سلمان قبيل زيارته اسطنبول ولقائه أردوغان، ولا يُعرف على وجه الدّقة إذا كان
الحريري قد حمل رسالة ما من بن سلمان لأردوغان. على كل حال هذا ما ستكشفه الأيام
المقبلة، وهذا غير مستبعد بالنظر إلى التطوّرات الكثيرة والمستجدّات على مستوى
المنطقة.
وبالعودة إلى تأثير
المصالحة الخليجية على لبنان، وارتباط زيارة الحريري إلى اسطنبول ولقائه أردوغان
بذلك، فإنّ الحريري المكلّف بتشكيل الحكومة منذ قرابة الثلاثة أشهر يواجه تصلّباً
في المواقف من فريق رئيس الجمهورية، ميشال عون، ومن تياّره السياسي، يحول حتى
الساعة دون تشكيل هذه الحكومة، فيما يذهب البعض إلى القول إنّ عقدة تشكيل الحكومة
في شكلها الخارجي تظهر وكأنّها عقدة التيار الوطني الحرّ ورئيس الجمهورية ميشال
عون، ولكنّها في جوهرها الداخلي تتصل بموقف صلب من حزب الله وإيران يضع مسألة
التشكيل والتعطيل في إطار التنافس أو التفاوض مع الإدارة الأمريكية المنتهية
الولاية أو المقبلة، وبالتالي فإنّ ذلك ينعكس على التوازنات الداخلية اللبنانية
التي اختلت في الفترة الأخيرة لصالح رئيس الجمهورية وتيّاره السياسي الذي يرأسه
صهره، جبران باسيل، على حساب رئيس الحكومة المكلّف.
من هنا يمكن القول
إنّ الحريري وجد في المصالحة الخليجية، وفي أي تقارب محتمل بين السعودية وتركيا تحديداً
فرصة جدّية وحقيقية لإعادة التوازن إلى الداخل اللبناني حيث أنّ كل فريق سياسي داخلي
يتكىء على داعم خارجي يوفّر له مظلّة تجعله يملي بعض الشروط والمواقف ويسعى لتغيير
المعادلات والتوازنات. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنّ الحريري راهن خلال
الفترة الماضية، التي شعر فيها أنّ الممكلة تخلّت عنه، على دور فرنسي في المنطقة،
لكن يبدو أنّ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خيّب أمله، وبالتالي وجد الحريري
الفرصة سانحة بعد المصالحة الخليجية لتوفير دعم خليجي تركي مشترك لموقفه ليقوم
بتعزيز دور وحضور المكوّن الذي ينتمي إليه ويمثّله في البلد في هذه المرحلة
المصيرية التي تمرّ بها المنطقة ومنها لبنان، فضلاً عن إعادة شيء من التوازن الذي
كان قائماً.
ما من شكّ أنّ
المصالحة الخليجية، وإعادة تطبيع العلاقة بين السعودية وتركيا، سيكون له أثر
إيجابي في لبنان خاصة لناحية الحفاظ على التوازنات بين المكوّنات السياسية
والطائفية اللبنانية، وسيعيد الأمل لكثير من اللبنانيين الذين تسلّل إليهم الإحباط
من إمكانية الحفاظ على لبنان وإعادة بناء مؤسساته.
بيروت في 13/1/2021