العدد 1436 / 11-11-2020
د. وائل
نجم
بعد تفشّي وباء
كورونا في البلد وازدياد أعداد الإصابات بشكل ملحوظ حيث باتت تتخطّى الألف إصابة
يومياً، وحالات الوفاة باتت يومية أيضاً حيث يُسجّل كل يوم عدة وفيّات؛ وبعد صرخة
المستشفيات والقطاع الصحّي بشكل عام من أنّه لم يعد بإمكانه استيعاب أعداد
الإصابات، فقد لجأت حكومة تصريف الأعمال والمجلس الأعلى للدفاع إلى اتخاذ قرار
بإقفال البلد لمدة أسبوعين تقريباً إقفالاً تاماً على اعتبار أن ذلك يحدّ من حجم
الإصابات من ناحية، ويعطي القطاع الصحّي فرصة لالتقاط الأنفاس، ويتيح المجال أمام
التفكير بمعالجات أو على أقل تقدير يعيد بث الوعي المجتمعي بخطورة الاستهتار
واللامبالاة تجاه "الفيروس".
غير أنّه في مقابل
ذلك، وفي مكان آخر هناك صرخة من نوع آخر، إذ أنّ المواطن اللبناني يئن منذ فترة
طويلة من ضغط الضائقة المعيشية والاقتصادية والتي جعلته يفقد جزءاً كبيراً من قيمة
أمواله ودخْله الشهري أو الأسبوعي، وبالتالي باتت بحاجة إمّا إلى عملية تقنين في
مصروفاته على الحاجات الأساسية فضلاً عن الثانوية، وإمّا البحث عن موارد جديدة
لزيادة دخْله وبالتالي تعويض ما فاته جراء خسارة فيمة أمواله بسبب انهيار قيمة
العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية الأخرى؛ وهذه الزيادة المطلوبة غير متوفرة
لأنّ البلد كلّه يعيش أزمة اقتصادية خانقة دفعت العديد من مؤسسات القطاع الخاص إلى
الإقفال، وهو بحدّ ذاته جعل الكثيرين يفقدون فرص العمل التي كانوا يتمتّعون بها.
خلاصة القول إنّ
المواطن اللبناني بات اليوم يعيش بين مطرقة الوباء المتفشّي والذي ينذر بأزمة
صحيّة خطيرة تطال كل المجتمع، وبين سندان الضائقة الاقتصادية التي أجبرت الناس على
خيارات لم تكن واردة عندهم قبل عام من الآن، وأكثر من ذلك جعلتهم يفقدون الأمل بكل
شيء في ظل عجز الحكومة والطبقة السياسية الحاكمة عن إيجاد الحلول المطلوبة
والتمسّك بمنطق المحاصصة والاستئثار دونما التفات إلى المصائب التي يعيشها الناس. وما
بين مطرقة الوباء وسندان الضائقة بات اللبناني يموت بشكل بطيء كل يوم وهو يبحث من
ناحية عن فرصة عمل لتوفير قوت عياله، ومن ناحية ثانية يهرب من الوباء الذي يخشى أن
يصيبه أو ينتقل إلى أفراد أسرته وهو لا يملك مقوّمات الصمود أو الحجر أو دفع
الرسوم المتوجبة لمعرفة ما يتصل بالوباء والشفاء وغير ذلك. وما بين هذه وتلك تأتي
الحكومة التي تصرّف الأعمال لتصرف جل اهتمامها في إقفال البلد وكأن عملية الإقفال
ستضع حدّاً لتفشّي الوباء وبعده يرتاح الناس من هذا "الشر".
لقد جرّبت الحكومة
والجهات المعنيّة من قبل إقفال البلد شهرين أو أكثر، وقد التزم الناس على الرغم من
الضائقة والمعاناة، فما بين الضائقة والجائحة فضّل الناس الصبر على الضائقة ظنّاً
منهم أن ذلك سيريحهم وسيدعهم بعد ذلك التفرّغ لمواجهة الضائقة، فماذا كانت النتيجة
يا ترى؟!
لقد عزلت الحكومة
الناس في بيوتهم لشهرين، وبعد ذلك انتشر الناس زرافات ووحداناً وتفشّى معهم الوباء
بشكل واسع. هم لم ينتشروا لأنهم لا يعرفون خطورة الوباء، ولا لأنهم قليلو وعي، ولا
لأنّهم من دون مسؤولية. لو كان الأمر كذلك لما امتثلوا في أول مرة وثانية مرة
وثالث مرة لقرار الإقفال، بل لأنهم وجدوا أنّ أطفالهم يموتون من الجوع أو من البرد
أو من عدم تأمين المستلزمات الطبيّة والصحيّة. استنتجوا ببساطة أنّ كلفة الضائقة
المعيشية عليهم أكبر وأخطر من كلفة الجائحة الصحيّة، فهذه تفتك كل يوم بألف من
الناس، وتقتل منهم بضعة أشخاص، وتلك تفتلك بكل المجتمع وتحوّل الطبقة التي كانت
وسطى إلى فقيرة، والفقيرة إلى معدومة، وتقتل كل يوم بشكل بطيء وفيه كثير من الذلّ
والإهانة مئات المواطنين إن لم نقل آلافهم.
ولو اعتبرنا أنّ
قرار الإقفال قد نجح بشكل كامل وتام، وقد التزم الناس بالكامل، فهل هذا سيعني
الانتهاء من الجائحة، أم سنأتي إلى آخر تشرين الثاني ونتخذ قراراً آخر بإقفال آخر
إلى منتصف كانون وهكذا دواليك؟!
إنّ المشكلة
الحقيقة تكمن في عقم هذه الطبقة السياسية عن إنتاج واجتراح الحلول لإنها غير
مسؤولة بكل بساطة. لو كان أفراد هذه الطبقة رجال دولة ومسؤولية لما وصلت الأمور
الاقتصادية والمعيشية إلى هذا الدرك، ولكان بالإمكان اتخاذ القرارات الصحيحة
لمعالجة الوباء والجائحة، أمّا وأنّ منطق المحاصصة والمناكفة والكيدية هو الباقي
والمسيطرة فلن تقوم للبلد قائمة، وسيظل الناس يموتون ببطء بين الكورونا من ناحية
والضائقة المعيشية الاقتصادية من ناحية ثانية حتى ينشدوا التغيير المطلوب والثورة
على كل هذا الواقع المزري.
بيروت في
10/11/2020