العدد 1433 / 21-10-2020

د. وائل نجم

بات بحكم المؤكّد أنّ الاستشارات النيابية الملزمة ستجري يوم الخميس كما هو مقرّراً، إلاّ إذا حملت كلمة رئيس الجمهورية التي أُعلن عنها فجأة ظهر الأربعاء جديداً (المقال كُتب قبل كلمة رئيس الجمهورية)، فعند ذلك قد تخلط الكلمة كل الأوراق من جديد، بل قد تدخل البلد في دوّامة جديدة من الجدل البيزنطي الذي لا ينتهي فصولاً، لأنّه من الواضح أنّ مفاجأة الرأي العام اللبناني بالإعلان عن كلمة للرئيس من دون مناسبة، ومن دون تخطيط مسبق، يعني أنّ لدى الرئيس ما يقوله في مسألة الاستشارات والحكومة وما يتصل بهما تحديداً، خاصة وأنّه كان قد برّر تأجيل الاستشارات قبل أسبوع بضرورة تأمين ميثاقية مسيحية لتكليف الشخصية التي ستكلّف مع إعلان تكتلي لبنان القوى والجمهورية القوية عن عدم رغبتهما في تسمية أحد لرئاسة الحكومة، أو لنقل بشكل أوضح تسمية سعد الحريري لهذا المنصب.

على كل حال، فإنّ الاستشارات الملزمة إذا جرت وسمّت سعد الحريري لتشكيل الحكومة وهو متوقع، لكنّه لا يعني على الإطلاق أنّ الحكومة ستكون حاضرة وجاهزة خلال أيام قليلة، فأمام ذلك عقبات كثيرة وكبيرة ولا حصر ولا عدّ لها.

غير أنّه لا بدّ من التذكير بأنّ الدستور واضح لناحية أن يجري التكليف ومن ثمّ التأليف، وليس العكس كما هو حاصل، أو كما يحاول البعض أن يفرض، بحيث يتمّ الاتفاق على شكل الحكومة وأسماء الوزراء وكيفية توزيع الحقائب قبل التكليف، هذا خرق واضح وفاضح للدستور يتحمّل مسؤوليته كل من يشارك به سواء كان رئيس الجمهورية أو الشخصية التي يمكن أن تكلّف أو القوى السياسية والكتل النيابية التي تحاول من جديد إخضاع التأليف لمنطق المحاصصة الذي أوصل البلد إلى هذه النتائج الكارثية على مستوى أغلب الملفات.

وبالعودة إلى الخيارات المتاحة فإنّ رئيس الجمهورية ليس أمامه سوى أن يجري تلك الاستشارات، ولْتقم الكتل النيابية بدورها وواجبها وتسمّي من تريد لتأليف الحكومة. وبعد ذلك من حق الرئيس دستورياً أن يكون شريكاً بالتشاور بالإطلاع على صيغ التأليف، ومن حقّه أيضاً بعد التأليف أن يقبل أو يرفض الحكومة المقترحة، وما سوى ذلك يكون خرقاً للدستور وخيانة لأمانة السهر على تطبيقه.

وكذلك بالنسبة للرئيس المكلّف، بغض النظر من يكون، فإنّ من حقّه الدستوري أن يجري مشاورات غير ملزمة مع الكتل النيابية ومع النواب، ومع غيرهم، وأن يتشاور مع رئيس الجمهورية بالصيغة التي يراها مناسبة، وأن يصرّ عليها أو يعتذر عن الاستمرار كما حصل مع السفير مصطفى أديب. لكن من غير المقبول أو الجائز أن يخرق الدستور من خلال الخضوع لمطالب القوى السياسية والكتل النيابية ويقع تحت هيمنتهم ويرضى بمشاركتهم حقّه الدستوري بتأليف الحكومة. إنّ ذلك يُعدّ خرقاً للدستور، وإقراراً لعرف جديد، وتنازلاً عن حقّ مكرّس. إنّ أيّة شخصية تقبل بذلك ليست مؤهلة لتولي هذا المنصب لأنّها قد تفرّط بحقوق اللبنانيين تحت عناوين وحجج وذرائع لا مسوّغ لها.

أمّا القوى السياسية والكتل النيابية فهي شريكة في إدارة البلد ولا أحد ينكر ذلك، ولكن من الموقع الذي تمثّله. فالكتل النيابية يمكنها أن تناقش وتحاسب الحكومة. والقوى السياسية يمكنها أن تكون في موقع السلطة أو في موقع المعارضة. أمّا أن نعيد إنتاج نظام المحاصصة من جديد فهذا يعني أنّنا نعيد إنتاج الأزمة من جديد.

أمام هذا المشهد، ومن دون إغفال التدخلات الخارجية والتجاذبات الإقليمية وغيرها، فإنّ الخيارات المتاحة ضئيلة جداً للخروج من الأزمة، فإمّا أن تخرج هذه الطبقة السياسية من منطق المحاصصة والكيدية السياسية وتتصرّف بمنطق رجال الدول لوضع حدّ لهذه الأزمة، وللاسف لا يبدو ذلك متوفراً وحاصلاً حتى الساعة، ولا فإنّ البلد سيتجه نحو المزيد من الأزمات الكبيرة التي ربما تنتج فوضى عارمة قد تقود إلى حرب مجنونة، أو إلى انقسامات جديدة تجهز على ما تبقّى من لبنان.