هذا الاصدار من «الأمان» كمجلة ورقيّة، هو الأخير بين يدي القراء في لبنان والعالم. وإذا كانت أزمة الصحافة الورقية بدأت قبل عقود، فإن «الأمان» لم تلامس هذه الأزمة إلا منذ سنوات، لأنها مجلة تحمل رسالة، وتبلّغ دعوة، وليست مجرد صحيفة إخبارية تواكب الحدث وتنشر الخبر وتعلق عليه، وهي تتناول الشأن السياسي وتناقشه، سواء كان لبنانياً أو عربياً أو عالمياً، وبالتالي فإن القارئ -لا سيما المسلم الملتزم أو المتابع لشؤون العالم- لا يشفي غليله مجرد الاطلاع على الخبر، وانما هو يتوق الى متابعة الأحداث وتحليلها واعتماد موقف منها، سواء كان سلبياً أو ايجابياً. ولذلك فهو لا يكتفي بتصفح العناوين أو متابعة الأحداث بشكل عابر، وانما لا بدّ له أن يقرأ ويتابع التفاصيل ويضع يده على ما يجري، حتى يكون متابعاً جاداً لأحداث بلده وأمته، وأحداث العالم أجمع.
عندما صدرت مجلة الأمان الأسبوعية عام 1979، كانت المجلة الإسلامية الوحيدة، في لبنان والعالم العربي، نظراً لما كان يتفرّد به لبنان من حرية رأي، ولهيمنة الأنظمة الاستبدادية على معظم أقطار العالم العربي. ولم تكن المجلة الوحيدة التي أصدرتها الحركة الإسلامية في لبنان، فقد سبقتها إصدارات محلية، فصدرت «الثائر» ومجلة «الفجر» في طرابلس في خمسينات القرن الماضي، ومجلة «المجتمع» نصف الشهرية في الستينات، وبعدها مجلة «الشهاب» في السبعينات واستمرت حتى الحرب اللبنانية عام 1975، الى أن صدرت «الأمان» السياسية الأسبوعية عام 1979، واستمرت بعد توقف لسنوات في ظل الوصاية السورية، لتستأنف صدورها مطلع التسعينات، دون توقف حتى اليوم.
لكن أزمة القراءة لم تبدأ اليوم، فقد كان المراقبون يقولون ان المصريين يكتبون ويحرّرون، واللبنانيين يطبعون، والعراقيين يقرأون. وقد كانت مجلاتنا: «المجتمع» في عهد عبد الكريم قاسم، والشهاب في عهد عبد السلام عارف، والأمان في بداية عهد صدام حسين، يجري شحن ألف نسخة منها الى «دار النذير» بشارع المتنبي في بغداد. ويومها عند هيمنة الأنظمة العسكرية في معظم أقطار العالم العربي، اتجه المثقفون الإسلاميون إلى السعودية وأقطار الخليج، فكانوا يدرّسون في الجامعات والمدارس، ويأتون في الصيف الى لبنان قبل ان يتعرفوا على تركيا، ليصطافوا في قرى الجبل، وينتشرون خلال أيامهم في المكتبات ودور النشر والمطابع التي كانت تغص بها بيروت، وقد أغلقت معظمها أبوابها اليوم أو تحوّلت الى محلات لاستنساخ «السيديّات» أو لبيع الهواتف الذكية.
الإعراض عن القراءة ليس مشكلة لبنانية، لأنه انتشر في كل أنحاء العالم العربي. وقد جرى الإعلان في العام الماضي عن احصائية قالت ان متوسط قراءة الإنسان العربي لا تتعدى ست دقائق سنوياً، بينما يبلغ متوسط قراءة الإنسان الأوروبي مائتي ساعة. ونرى هذا بوضوح بين ركاب الطائرات الأوروبيين، فبينما نرى الراكب (أو الراكبة) يستخرج من حقيبته كتاباً أو مجلة، نرى الراكب العربي يعبث بهاتفه النقال، وإذا أخذ صحيفة من مضيفة الطائرة طوى صفحاتها ليستقر على صفحة الكلمات المتقاطعة أو شبيهاتها.
أما في الولايات المتحدة الأميركية فإن المشكلة تبدو في نفس المستوى، إذ وصف الرئيس الأميركي (ترامب) ناشر صحيفة النيويورك تايمز (سولز برغر) بأنه يعمل في صناعة الصحافة الورقيّة المحتضرة، أي الآخذة بالموت. ولا ننسى هنا صحيفة «الواشنطن بوست» التي تحولت إلى الكترونية، وهاتان أكبر وأوسع صحيفتين ليس في الولايات المتحدة فقط، بل في العالم.
بالعودة إلى مجلة الأمان، ليس سراً أن توزيعها الخارجي توقف منذ سنوات، وأن عدداً كبيراً من المشتركين، عرباً ولبنانيين، طلبوا الاكتفاء بالنسخة الالكترونية، لأن وصول النسخة الورقية إليهم يستغرق أسبوعاً كاملاً عن طريق البريد، بينما هم يتابعون النسخة الالكترونية يوم صدورها، وربما قبل وصولها الى القراء وتوزيعها في المكتبات اللبنانية.
وليس سراً كذلك أن صحفاً لبنانية وعربية كثيرة توقفت عن الصدور، أو هي قلّصت عدد صفحاتها، أو لجأت الى ما هو أسوأ، وهو أن تعمل لصالح هذه الدولة أو تلك، وهذه السفارة أو تلك، حتى تستطيع الاستمرار بالصدور، وهذا ما لا تستطيعه «الأمان» ولا ترتضيه لنفسها، حتى لو اضطرت الى التوقف الكلي عن الصدور. أما الزملاء المحررون في بعض الصحف اللبنانية، فقد آثر بعضهم التنسيق مع هذه السفارات، واضطر بعضهم الآخر الى العمل في مكاتب بعض الزعماء ورجال الأعمال، للتعبير عن وجهة نظر «الزعيم» أو التيار السياسي، حتى لو استمر الصحافي محرراً في هذه الصحيفة أو تلك.
وبالعودة الأخيرة الى مجلة الأمان، سوف تتابع بإذن الله أداءها الفكري والسياسي، معبّرة عن وجهة النظر الإسلامية، دون انحياز إلى هذا التيار السياسي أو ذاك، وإلى هذا المحور الإقليمي والدولي أو ذاك. وسوف تكون للقارئ المتابع فرصة للاطلاع على «الأمان» مرتين في الأسبوع بدلاً من مرة واحدة، فسوف تكون «الأمان» الالكترونية تحت ناظريه صباح الخميس من كل أسبوع، لتضاف إليها المستجدات السياسية، اللبنانية والعالمية ظهيرة يوم السبت.
وهكذا سوف تبقى «الأمان»، الناطقة باسم الساحة الإسلامية، اللبنانية والعربية وعلى المستوى العالمي، كما عهدها قراؤها، دون أي انحياز طائفي أو مذهبي. والأمل كبير في أن تحقق آمال وطموحات الرأي العام العربي والإسلامي ازاء القضايا الكبرى التي تعيشها الأمة العربية، بدءاً بالقضية الفلسطينية، مروراً بكل القضايا والظلامات التي يعاني منها العالم الإسلامي.
رئيس التحرير