العدد 1387 / 20-11-2019

لم يمر على قيادة حزب الله أزمة حقيقية ومعقّدة كالتي تمر به هذه الأيام. فأصعب المعارك العسكرية التي خاضها بمواجهة "إسرائيل" كان مستعداً لها ومتحضّراً لأسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تسلكها. أيضاً ما قام به الحزب في أيار 2008 من سيطرة عسكرية على بيروت وبعض المناطق، كذلك كان يقوم بتطبيق خطط سبق له أن وضعها، بينما الأزمة التي يواجهها هذه الايام المتمثلة بالتظاهرات الشعبية وقطع الطرقات وتعطيل المدارس والجامعات فقد جاءته من حيث لم يحتسب، ولم يكن متحضّرا لها كما يبدو، وهو ما جعل قيادة الحزب في وضع لاتحسد عليه.

لذلك، رغم الهدوء والصمت الذي يخيمّ على مواقف حزب الله الإعلامية، إلا أن حالاً من الارتباك تعيشها قيادة الحزب، التي انكبّت منذ الأيام الأولى للتظاهرات على دراسة ما يجري في الشارع ، وفهم خلفياته وأهدافه بعيداً عمّا يطالب به المتظاهرون. فما يحصل هذه الأيام يفرّط بالكثير مكتسبات حزب الله التي تطلّب سنوات لجمعها، سواء بتشكيل حكومة يملك فيها القرار، أو انتخاب مجلس نيابي يملك فيه إلى جانب حلفائه أغلبية وازنة، أو من خلال انتخاب رئيس جمهورية حليف لايحيد عن الخطوط الحمراء التي رسمها الحزب.

كما هو معروف، تحيط قيادة حزب الله تحركاتها واجتماعاتها بجدار من السرية، لكن بناء على المعطيات المتاحة للجميع، فمن غير الصعب التكهّن بما يدور في أجهزة الحزب خلف الجدران المغلقة. لذلك وضعتُ نفسي في أحد هذه الاجتماعات، وتنبأت بما يدور فيها.

حاج1: شو يا شباب، بعلمي نملك مراكز رصد ومتابعة لا يملكها أحد، وبعلمي نعرف كل شاردة وواردة، فكيف نتفاجأ بالتظاهرات في الشارع دون أن نملك أي معلومة مسبقة حوله؟

حاج 2: والله يا حاج، الشارع لم يكن ضمن اهتماماتنا، فالتركيز كان منصباً على "إسرائيل" وداعش وعلى خصومنا في الداخل والخارج. وكل المعلومات التي وردتنا حينها أشارت إلى أن الحراك في الشارع سيكون كما سبقه، يتجمّع عشرات أو مئات المتظاهرين لساعات، ثم ستضيّق عليهم القوى الأمنية ويعودون إلى منازلهم.

حاج 1: مراجعة التقصير الحاصل سيأتي وقته، لكن السؤال الآن ماهي الخيارات أمامنا للخروج من هذه الأزمة؟

حاج 3: تدرك يا سيد أن باستطاعتنا الإمساك بالبلد خلال ساعات، وسبق لنا أن نفذنا مناورات تجريبية وكانت ناجحة. الآن بعدما فتحت المصارف أبوابها، بإمكاننا إرغام إدارات المدارس والجامعات على فتح أبوابها كذلك، ولدينا جمهور يمكننا توجيهه للحضور في هذه المؤسسات لإظهار أن الحياة عادت طبيعية، لكن هذا الخيار سيجعلنا على المقلب الآخر المواجه للتحركات الشعبية، وسنبدو كأننا نعمل على إجهاض الشارع، وهو ما لم نأخذ قراراً به حتى اللحظة.

حاج1: خيارات أخرى؟

حاج3: يمكننا افتعال إشكالات متصاعدة مع المتظاهرين، طبعاً على أساس أنها عمل فردي لا علاقة لنا بها، بشكل تؤدي لإرهاق المتظاهرين واستنزافهم وإخافتهم وصولاً لتشتيتهم.

حاج1: رواية العمل الفردي لم تعد تنطلي على أحد، ثم إن إخواننا في حركة أمل بادروا بهذه الخطوة خلال الأسابيع الماضية، وجاءت نتيجتها معاكسة.

حاج4: بتسمحلي سيد؟

حاج1: قول يا خيي ما عندك.

حاج4: أقترح تنفيذ أحداث أمنية كبيرة متزامنة في أكثر من منطقة، تتسبّب بإراقة دماء، تُرغم الجيش اللبناني على التدخل لفضّها، وتدفعه لإعلان حظر تجوّل وإخلاء الساحات والتجمّعات بالقوّة بداعي الحفاظ على الأمن.

حاج1: لكن هذا الخيار قد يقدم ذريعة للخارج للتدخل بشكل مباشر، كما أنه لن ينهي الأزمة السياسية، التي ندرك جميعاً أن لاعلاقة للشارع بها...

حاج2: سيد ممكن سؤال؟

حاج1: تفضل.

حاج2: لماذا لانُحرج الجميع ونوافق على تشكيل حكومة تكنوقراط كما يطالب سعد الحريري, أولاً سنبدو كمن استجاب لمطالب الشارع، وثانياً سيضطر الحريري للقبول بتشكيل الحكومة.

حاج1: يبدو مطلب حكومة تكنوقراط بريئاً، لكنه سيضع حزب الله أمام المجهول، ولن يكون بالإمكان السيطرة على توجّهات الحكومة، ومن غير المستبعد أن تتخذ هذه الحكومة قرارات تضيّق على حزب الله وتحاصره بداعي الحفاظ على الاستقرار النقدي مثلاً. ثم من قال إن الشارع سيكتفي بمطلب تشكيل حكومة تكنوقراط، فربما ينتقل لهدف آخر هو المطالبة بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وإذا رضخنا له فربما يطالب باستقالة رئيس الجمهورية، وهذا غير مقبول وغير مسموح.

حاج2: معك حق، ولكن ما هو الحل، فما يحصل في الشارع يستنزفنا بشكل كبير، ويجب وضع حد له.

نظر حاج1 إلى كوب الماء الذي أمامه، وبدأ يحرّك قلماً بأصابعه، ثم تمتم بصوت خافت: خلينا نشوف آخرتها معهم.

أوّاب إبراهيم