أواب إبراهيم

لست من المغرمين بالمقاطع المصوّرة التي يتم تنزيلها على مواقع التواصل الاجتماعي التي تكشف عن ممارسات الجماعات المتشددة، خاصة أن معظم هذه المقاطع تتضمن مشاهد دموية وهمجية وإجرامية تأنفها النفس الطبيعية. إلا أن مقطعاً مصوّراً نشره أحد الأصدقاء على صفحته أغراني العنوان الذي أرفق معه المقطع المصور، وهو «ستخسر نصف عمرك إذا لم تشاهده». لذلك وحرصاً على نصف عمري ارتكبت خطيئة مشاهدة المقطع المصور، الذي من الواضح أنه تم تصويره في إحدى قرى سوريا، حيث تجمع العشرات من رجال وشبان وفتيان القرية وقوفاً في ساحة القرية، قبالتهم يقف أحد رجال تنظيم النصرة، وهو ينصحهم بأهمية ستر أهلهم، وأنه «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، وأن ذلك يساهم في تحصين المجتمع من المغريات وأن....، تنتقل الكاميرا لنقل ملامح الرجال والفتيان الذين يفترض أنهم ينصتون باهتمام لما يسمعون، لكن ملامحهم تشي بتوتر وخوف غامضين.
انتهى صاحبنا من نصيحته الإيمانية اللطيفة، ليتسلم منه الميكروفون زميل له، وبعد البسملة دخل صلب الموضوع مباشرة فقال «مش حكتر حكي، هالموضوع: صرنا حاكيين فيه مائة مرة، اللي منشوف أمه أو أخته أو بنته بالشارع وهي لا تلتزم اللباس الشرعي سنقيّد رجليه كل واحدة بسيارة ونسلخه نصفين، وهذه آخر مرة أتحدث بالموضوع، فهمتو ولاّ ما فهمتو؟». 
الرد السريع والجاهز لكثير من الإسلاميين، هو إنكار علاقة هذا الكلام وصاحبه بالإسلام والمسلمين، وأن أميركا وسوريا وروسيا ومن في الأرض جميعاً نجحوا في اختراق التنظيمات المتشددة وزرعوا عملاءهم لتنفيذ أجندات خارجية هدفها الإساءة لصورة الإسلام. هو الرد الأسهل والأكثر إراحة للضمير والقلب، لكن لا أحد يكلف نفسه عناء البحث في خلفية هذا الأداء، وهل فعلاً هو نتاج اختراق مخابراتي أم أنه نتاج تربية مشوّهة وأفكار عمياء وخُطب ألقيت على منابر المساجد مليئة بالكراهية والحقد والضغينة والرغبة بالقتل وإذلال الآخر فقط لأنه لايؤمن بما يُراد له أن يؤمن؟!.
الرد الأكثر سهولة هو الادعاء بأن المتشددين والإرهابيين هم قلة هامشية تسلط عليها وسائل الإعلام ضمن المؤامرة العالمية للإساءة لصورة الإسلام. ذريعة ربما تكون مقنعة للبعض، لكن هذه الذريعة تدحضها مواقف الكثير من الإسلاميين الآخرين الذين يؤمنون بأفكار مشابهة لأفكار التنظيمات الإرهابية المتشددة، لكن لم تسنح لهم الفرصة لممارسة إرهابهم وبطشهم، لأنهم لم يمتلكوا السلطة والقوة التي امتلكتها التنظيمات المتشددة. الكثير من الإسلاميين يملكون الأرضية الفكرية الجاهزة لممارسة الإرهاب والعنف والقتل، تنقصهم فقط الأدوات لتطبيق أفكارهم. على سبيل المثال: بعض الإسلاميين يؤيدون الثورة السورية فقط لأنها ترفع رايات تناسب أفكارهم، أما إذا لم تعد هذه الرايات مرفوعة تصبح الثورة عدوة الإسلام والمسلمين يجب محاربتها والقضاء عليها «وإلى جهنم وبئس المصير» كما قال لي أحد الإسلاميين. ولكن ماذا عن السوريين الذين يؤيدون الثورة ويحاربون النظام الظالم ويسعون للحرية والكرامة والعدالة، لكنهم لايحملون هوية دينية أو قومية؟ الجواب: طالما أن هؤلاء لايرفعون راية الإسلام يجب محاربتهم وقتلهم. ماذا عن المسيحيين وأبناء الطوائف الأخرى الذين يؤيدون الثورة ويشاركون فيها ودفعوا فيها دماءهم وأرواحهم؟ على هؤلاء أن ينتظروا أن ننتصر، حينها سنتصرف معهم مثلما يأمرنا ديننا. أفكار كثيرة تدفعك للاعتقاد أن بعض الإسلاميين جاؤوا من جزر الماوماو  أو خرجوا من فيلم الرسالة، لايفقهون مايجري من حولهم، توقف الزمن عندهم قبل 1400 سنة. 
هل تعتقدون أن الشعب السوري الذي خرج من بينه أهم علماء الأمة وحفظة كتاب الله، الذي تضع نساؤه الحجاب وتلبس الجلباب بالفطرة بحاجة لمجرم أتى من أقصى الأرض كي يعلمهم ما يرتدون ومتى يخرجون؟ هل ينتظر السوريون بعض الحمقى كي ينظّروا عليهم من وراء شاشات هواتفهم الذكية حول هوية ثورتهم والراية التي يرفعونها؟ 
الثورة لأهلها وأبنائها، الذين دفعوا ثمنها من دمائهم وحرياتهم، هم فقط من يقررون مصير ثورتهم وهويتها.