بسام غنوم
احتفل الجيش اللبناني بعيده الـ71 في حفل غابت عنه العروض العسكرية التقليدية التي تُجرى عادة بمثل هذه المناسبة العزيزة على قلوب اللبنانيين، والسبب في ذلك -كما يعلم الجميع- هو الفراغ الرئاسي حيث يعيش لبنان منذ ما يقارب سنتين ونصف سنة دون رئيس للجمهورية، في ظل أزمة سياسية داخلية لم يسبق لها مثيل في تاريخ لبنان السياسي بعد الاستقلال، وفي ظل وضع إقليمي متفجر، خصوصاً في سوريا، حيث اختار بعض اللبنانيين القتال هناك دفاعاً عن النظام السوري، ولو على حساب لبنان واللبنانيين.
والتحديات أمام الجيش اللبناني في هذه الأيام كثيرة ومتعددة، أولها الحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان، في ظل الفراغ الرئاسي، والخلاف السياسي بين حزب الله وتيار المستقبل خاصة، وباقي القوى في 8 و14 آذار عامة، وهي مهمة صعبة جداً لأن لبنان الذي يقع على حدود سوريا يحاول التصدي عبر الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية الأخرى لخطر الإرهاب القادم عبر الحدود أو الموجود في لبنان بفعل الأزمة السورية.
هذه التحديات الكبيرة على الجيش اللبناني تضع قيادة الجيش أمام تحدي الحفاظ على وحدة الجيش وحياديته وجهوزيته أولاً، ومواجهة الإرهاب الذي يهدد لبنان والعالم ثانياً، وهو ما أشار إليه قائد الجيش العماد جان قهوجي في أمر اليوم إلى العسكريين بمناسبة عيد الجيش، حيث أكد أن «المواجهة الفاعلة للإرهاب الذي بات خطراً عالمياً شاملاً يهدد عادات وثقافات الشعوب كلها، ويستخدم في أعماله الوحشية مختلف الوسائل والأساليب الإجرامية، تتطلب استراتيجية شاملة، تأخذ بالاعتبار تنسيق الجهود الأمنية الدولية، ونشر الوعي الثقافي بين سائر الشعوب».
في ظل الفراغ الرئاسي والخلاف السياسي وخطر الإرهاب، ماذا يريد اللبنانيون من الجيش اللبناني؟
في البداية، يمكن القول إن مؤسسة الجيش اللبناني ربما هي الوحيدة في لبنان التي ما زالت تحظى بالاحترام والتقدير من اللبنانيين. فرغم الخلافات الطائفية والمذهبية والسياسية التي تعصف بلبنان واللبنانيين، حافظت مؤسسة الجيش على وحدتها وحياديتها وتماسكها، رغم بعض الملاحظات التي لا ترقى الى مستوى التشكيك بوطنيتها، وهذا الإنجاز يسجل أولاً لقيادة الجيش بقيادة العماد جان قهوجي، ولمؤسسة الجيش ضباطاً وعناصر.
فالبعض في لبنان يريد توريط الجيش اللبناني بمشروعه السياسي العابر للحدود، وقد تجلى ذلك في عمليات الدسّ الإعلامي، والتحرض السياسي من أجل دفع الجيش للدخول في مواجهة عسكرية مع أهالي عرسال.
إلا ان الجيش الذي يدرك الحساسيات الطائفية والمذهبية في عرسال والقاع وغيرها من المناطق اللبنانية تعامل ويتعامل مع هذه المحاولات بمنتهى الحكمة والتعقل، وبما يحفظ أمن لبنان واستقراره، ولذلك التفّ أهل عرسال حول الجيش اللبناني باعتباره رمزاً للبنان، والضامن للأمن والاستقرار، وينسحب ذلك على بلدة القاع التي واجهت خطر الإرهاب العابر للحدود، وعلى باقي المناطق اللبنانية.
وبالتالي من المهم بمكان حصر المهمات العسكرية والأمنية في يد الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية، وهذا الهدف هو ما يطمح إليه اللبنانيون في العيد الـ71 للجيش اللبناني.
فمن غير المقبول بأي صورة من الصور أن تكون هناك قوى موازية للجيش في لبنان، أكثر تسليحاً وربما عديداً من الجيش اللبناني، ولو كان ذلك تحت «عنوان المقاومة»، خصوصاً بعد أن تحولت المقاومة من مواجهة العدوّ الصهيوني في الجنوب الى مواجهة الخصوم السياسيين لـ«حزب الله» والمشروع الإيراني في الداخل اللبناني أولاً، والتدخل في سوريا عسكرياً وأمنياً دفاعاً عن النظام السوري، وعلى صعيد الإقليم امتداداً الى العراق واليمن والبحرين ثانياً.
وهذه النقطة بالذات كانت حاضرة في المواقف السياسية بمناسبة عيد الجيش، حيث حيّا الرئيس سعد الحريري الجيش اللبناني، وقال: «ستبقى الدعوة الى حصرية السلاح بيد الجيش والمؤسسات الشرعية العنوان الأساسي لقوة الدولة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية».
أما رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، فقد اعتبر انه «بدل التلهي بالمعايدات الفارغة، أفضل هدية نقدمها للجيش إعادة القرار الاستراتيجي والعسكري والأمني إليه كاملاً».
وهذا ما يريده اللبنانيون، خصوصاً في ظل خطر الإرهاب والأزمات التي تعصف بالمنطقة. وفي هذا الإطار لا بدّ من التذكير بأن بند الاستراتيجية الدفاعية وحصر المسؤولية الأمنية والعسكرية بالجيش اللبناني، والقوى الأمنية اللبنانية كان بنداً رئيسياً على جلسات الحوار في بعبدا التي انطلقت بمبادرة من الرئيس ميشال سليمان في 22 تشرين الثاني 2008، والتي انتهت الى الفشل بسبب رفض حزب الله الاتفاق مع باقي القوى السياسية اللبنانية على استراتيجية دفاعية واضحة المعالم، وقد اتضح بعد ذلك ان سبب رفض حزب الله الموافقة على الاستراتيجية الدفاعية ليس الخوف من عدم قدرة لبنان على مواجهة أي عدوان إسرائيلي جديد على لبنان، بل لأن الحزب يعتبر نفسه جزءاً من المشروع الإيراني في المنطقة وحتى على مستوى العالم.
باختصار، اللبنانيون يريدون شرعية السلاح بيد الجيش اللبناني وحده، وعلى أمل أن يأتي العيد القادم للجيش وقد انتخب رئيس للجمهورية، وعادت إلى لبنان وحدته وسلامة أمنه.