العدد 1449 /17-2-2021

طغت الاجواء التشاؤمية على ما عداها في خطاب الرئيس سعد الحريري في الذكرى السادسة عشرة لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري حيث اعاد التأكيد على النقاط الرئيسية التي مازالت تقف عائقا امام تشكيل الحكومة الجديدة وهي تمسك الرئيس عون والتيار الوطني الحر بالثلث المعطل في الحكومة، وكذلك تسمية وزراء حزبيين وهو ما يتعارض مع مطالب المجتمع الدولي الذي يريد مساعدة لبنان على الخروج من ازماته المختلفة وخصوصا ازمته الاقتصادية وعبر الرئيس الحريري عن هذه المواقف بالقول:

"اذا كان هناك من يعتقد انه اذا ضمت هذه الحكومة أعضاء سياسيين، فان المجتمع الدولي سيبدي انفتاحا حيالنا او سيعطينا ما نريده فنكون مخطئين، ومخطئ كل من يعتقد ذلك. الفكرة الأساسية هي تشكيل حكومة تضم وزراء اختصاصيين لا يستفزون أي فريق سياسي ويعملون فقط لانجاز المشروع المعروض امامهم".

وأضاف متحدثا عن نتائج لقاءه بالرئيس عون في قصر بعبدا : "أن الرئيس عون لم يأتِ بجواب مشجع، و"عاد إلى نغمة الـ6 وزراء زائد وزير الطاشناق، وهو ما يعتبر من فريقه السياسي وإن أنكر الرئيس ذلك، أي أنه يريد الثلث المعطل، وهذا أمر مستحيل".

هذه المواقف للرئيس الحريري لم تكن محل قبول ورضى من الرئيس عون وفريقه السياسي حيث بادر هذا الفريق اولا الى اصدار بيان من المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية جاء فيه : "مرة جديدة استغل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ذكرى استشهاد والده ليلقي كلمة تناول فيها ملابسات تشكيل الحكومة وضمّنها مغالطات كثيرة وأقوالا غير صحيحة لسنا في وارد الرد عليها مفصلاً لتعذر اختصار 14 جلسة ببيان" ، وتبع ذلك حملة مبرمجة في مختلف وسائل الاعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي تتهم الرئيس سعد الحريري بمحاولة النيل من صلاحيات رئيس الجمهورية ، و التعدي على حقوق التمثيل المسيحي في الحكومة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : الى اين تسير عملية تشكيل الحكومة في ظل استمرار حالة التباعد في المواقف بين الرئيسين عون والحريري ؟

يعتقد البعض ان الازمة السياسية القائمة في لبنان داخلية ومن "عندياتنا" كما يقول الرئيس نبيه بري ، الا ان ما كشفه الرئيس سعد الحريري بعد زيارته لقصر بعبدا وفي ذكرى اغتيال والده وردود المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية على مواقف الرئيس الحريري يؤكد ان الخلاف ابعد بكثير من الحسابات الداخلية للرئيس عون وفريقه السياسي وهو ما اشار اليه الرئيس سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده بالقول انه "لن يتراجع، وجولاته الخارجية، هدفها حشد الدعم وترميم العلاقات مع الدول خصوصاً العربية، وكسب ثقة المجتمع الدولي"، رافضاً تحويل لبنان إلى "منصة للهجوم على الدول العربية والخليجية الشقيقة"، وأضاف متحدثا عن شكل الحكومة التي يسعى الى تأليفها : والعالم كله مستعد لمساعدة لبنان، ووقف الانهيار وإعادة إعمار بيروت، ولكنه ينتظر كبسة الزر، والزر هو بحكومة اختصاصيين وغير حزبيين، قادرة على تحقيق الإصلاحات التي فصّلتها المبادرة الفرنسية".

هذه المواقف لاتثير حفيظة الرئيس عون وفريقه السياسي فحسب بل انها تثير ايضا مخاوف "حزب الله" الداعم الرئيسي للرئيس عون حيث يرى هذا الفريق ان الرئيس سعد الحريري يريد تشكيل حكومة وفق المواصفات العربية والفرنسية والاميركية لمحاصرة "حزب الله" في هذه المرحلة التي تشهد حالة شد وجذب فيما يتعلق بالملف النووي الايراني ، ولذلك اعتبرت صحيفة الأخبار المقربة من اجواء "حزب الله" أن الحريري اعطى وعودا لمصر و الامارات وفرنسا بتشكيل حكومة وفق وعد بات متقاطعاً ما بين الامارات ومصر وفرنسا، من أجل الحصول على تأييد اميركي للمهمة المنوطة بالحريري ووفق الشروط تلك: "حكومة لا وجود فيها لـ"حزب الله" ولا نصاب فعلياً لعون، مقترنة بشرط ألحّ عليه الاميركيون وهو أن لا يؤثر تأليفها، إذا وقع، على المفاوضات الاميركية - الايرانية، ولا يكون أحد عناصرها" ، وهذا ما يعطي الخلاف هو تشكيل الحكومة بعدا خارجيا مؤثرا أكبر بكثير من البعد الداخلي.

باختصار عملية تشكيل الحكومة اصبحت جزءا من الصراع الاقليمي والدولي الدائر في المنطقة ، وبالتالي فان عملية تشكيل الحكومة اصبحت أكثر تعقيدا من ذي قبل ولبنان واللبنانيون يدفعون كالعادة ثمن الحسابات الشخصية والسياسية لبعض الاطراف ، والحسابات الاقليمية لاطراف أخرى ، والحلول مؤجلة حتى اشعار آخر.

بسام غنوم