قاسم قصير
شكل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية نهاية مرحلة طويلة من الانتظار والانقسام السياسي الداخلي. فقد كان لبنان منقسماً خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية بين تحالفي 8 و14 آذار، وشهدنا انقساماً عمودياً وسياسياً قاسياً، وعانى لبنان طوال السنوات الماضية من تحديات كبيرة أمنية وسياسية واقتصادية، مروراً بمرحلة الفراغ الرئاسي التي طالت نحو سنتين ونصف وأدت الى تراجع دور المؤسسات الدستورية والتمديد للمجلس النيابي الحالي وعدم إنجاز أية اصلاحات مهمة من النظام السياسي اللبناني.
فما هي طبيعة التحالفات السياسية والحزبية الجديدة بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية؟ وهل سنكون أمام انقسام جديد يشبه الى حد ما الانقسام الذي كان قائماً بين قوى 8 و14 آذار، أم اننا سنكون أمام خريطة جديدة للتحالفات السياسية قائمة على الثنائيات المشتركة وليس على أساس جبهات موحدة؟
نهاية التحالفات السابقة
بداية أين أصبحت التحالفات السياسية والحزبية التي كانت قائمة خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية؟ وكيف انعكست معركة الانتخابات الرئاسية على التحالفات السياسية؟
جواباً عن هذا السؤال لا بدّ من التأكيد ان معركة الانتخابات الرئاسية قد أدت الى نهاية الانقسام السياسي بين قوى 8 و14 آذار، فلم يعد هناك تحالف متماسك بين قوى 14 آذار، فيما برزت الخلافات الكبيرة بين قوى 8 آذار، فترشيح الرئيس سعد الحريري لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية أدى الى ابتعاد القوات اللبنانية عن قوى 14 آذار وقيام الدكتور سمير جعجع بترشيح العماد ميشال عون للرئاسة ونشوء تحالف جديد بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، كذلك توقفت نهائياً اجتماعات الأمانة العامة لقوى 14 آذار ولم يعد المنسق العام للأمانة العامة النائب السابق الدكتور فارس سعيد يقوم بأي نشاط بهذه الصفة، بل أصبح يتحرك إما بصفته نائباً سابقاً عن بلاد جبيل أو باسم «لقاء سيدة الجبل» الذي يجمع شخصيات متنوعة. وبالمقابل، انتهى تحالف قوى 8 آذار في ظل الخلاف الشديد بين الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون، وكذلك الخلاف بين عون ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، في حين ان حزب الكتائب أصبح يغرد وحده من خلال معارضة كل القوى. كذلك تفرق النواب المستقلون ولم يعد يجمعهم أي لقاء، وأما الحزب التقدمي الاشتراكي الذي كان أحد الأركان الأساسية في قوى 14 آذار فقد تحول الى الموقع الوسطي منذ عدة سنوات، فيما برز «لقاء الجمهورية» الذي جمع عدة شخصيات سياسية وحزبية وأكاديمية برعاية رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان.
وأما على صعيد حزب الله، فقد حافظ على تحالفاته الثنائية مع قوى 8 آذار ولكن مع كل فريق على حدة (الرئيس نبيه بري وحركة أمل، التيار الوطني الحر والرئيس العماد ميشال عون، النائب والوزير السابق سليمان فرنجية).
وعلى صعيد «تيار المستقبل» فقد واجه تحديات جديدة حيث برزت ظاهرة الوزير أشرف ريفي في طرابلس والذي بدأ ينشط لتكوين حالة مستقلة، وقد اتخذ عدد من الشخصيات والنواب في التيار مواقف مخالفة لرأي الشيخ سعد الحريري بترشيح العماد ميشال عون، وقد بدأ التيار الاستعدادات لعقد مؤتمره العام في آخر شهر تشرين الثاني الحالي وسيكون لديه رؤية سياسية جديدة داخلياً وخارجياً.
ومن جهة القوى الإسلامية فقد حافظت الجماعة الإسلامية على استقلاليتها وابتعادها عن قوى 8 و14 آذار وانتهجت منحىً خاصاً بها، في حين ان التيارات السلفية لم تعد حاضرة بقوة في الواقع السياسي اللبناني وهي تنشط أحياناً من خلال هيئة علماء المسلمين.
الخريطة السياسية الجديدة
لكن كيف ستكون الخريطة السياسية في العهد الجديد، ولا سيما بعد تشكيل الحكومة؟
من يراقب عملية الانتخابات الرئاسية يلحظ وجود كتلة كبيرة معارضة للعماد ميشال عون وكان عددها حوالى 44 صوتاً توزعت بين الأوراق البيضاء والتصويت بشعار «ثورة الأرز باقية» أو من خلال وضع أسماء متفرقة، وحسب بعض الأوساط السياسية والمواقف المعلنة فقد توزعت الكتلة المعارضة على النحو الآتي: كتلة الرئيس نبيه بري، الجماعة الإسلامية، نواب من اللقاء الديمقراطي، تيار المردة، النواب المستقلون، الحزب العربي الديمقراطي، حزب البعث، كتلة الرئيس نجيب ميقاتي، بعض نواب تيار المستقبل وحزب الكتائب.
لكن هل سيشكل هؤلاء كتلة معارضة أم أننا سنشهد تغيرات في المواقف السياسية والحزبية بعد تشكيل الحكومة؟
حسب بعض المصادر المطلعة فإن الرئيس نبيه بري وكتلة التنمية والتحرير وحركة أمل لن يتجهوا إلى المعارضة بشكل نهائي بل ستُبذل جهود كبيرة لضمهم إلى الحكومة الجديدة، ما يعني عدم انضمامهم لجهة المعارضة.
أما حزب الكتائب وتيار المردة وبعض النواب المستقلين فقد يتجهون إلى المعارضة في المرحلة المقبلة وقد ينضم إليهم الحزب العربي الديمقراطي وقوى وشخصيات أخرى، لكن ذلك لا يعني نشوء كتلة سياسية موحدة.
وسيبدأ فرز المواقف السياسية في المرحلة المقبلة من خلال التصويت لاختيار رئيس الحكومة الجديد الذي سيكون رئيس تيار المستقبل الشيخ سعد الحريري، ومن ثم من خلال تشكيلة الحكومة الجديدة ومن يدخل في هذه الحكومة ومن يبقى خارجها.
وبانتظار وضوح صورة الخريطة السياسية المقبلة، فإن التحالفات الثنائية ستتقدم على التحالفات المشتركة، فحزب الله سيحافظ على تحالفاته الثنائية مع كل من حركة أمل والتيار الوطني الحر وتيار المردة، كما ان التحالف الثنائي الذي يجمع التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية سيقوى ويشتد في المرحلة المقبلة، في حين ان حزب الكتائب سينشط لتشكيل معارضة مشتركة مع قوى وشخصيات متنوعة، وأما تيار المستقبل فإن المهمة الأساسية له في المرحلة المقبلة فتتمثل بإعادة ترتيب أوضاعه الداخلية ومن ثم دراسة تحالفاته الجديدة.
اذن، نحن سنكون أمام خريطة سياسية مؤقتة في المرحلة المقبلة بانتظار اقرار قانون جديد للانتخابات واجراء هذه الانتخابات، لانه من خلال ذلك يمكن ان نشهد فرزاً سياسياً وحزبياً جديداً قائماً على رؤى ومواقف مختلفة عما كانت عليه الانقسامات والتحالفات في السنوات الإحدى عشرة الماضية.