العدد 1676 /13-8-2025
شهد لبنان
منتصف ليل أول من أمس، انقطاعاً شاملاً للتيار الكهربائي بسبب عطل أصاب عمل
المحطات جراء الوضع المناخي الحالي، الأمر الذي دفع السكان لتكثيف اللجوء إلى
مولدات الديزل الخاصة ومصادر بديلة أكثر تكلفة خصوصاً في ظلّ موجة الحرّ التي تضرب
البلاد منذ أيام. وأوضحت مؤسسة كهرباء لبنان أن سبب حصول العطل هو انخفاض عزل أحد
عوازل جسور التوصيل لأحد محوّلات التوتر العالي في محطة التحويل الرئيسية في معمل
الذوق الحراري بسبب الرطوبة والحرارة العالية، وأن هذا الانقطاع الشامل المتكرر
للشبكة قد أدى إلى حدوث جهد حراري على المجموعة البخارية في معمل دير عمار، ما أثر
على محور المجموعة، وأعاق عملية الدوران.
فتح تحقيق حول
احتمال التخريب
وبينما تعمل
مؤسسة الكهرباء على معالجة العطل، طلب وزير الطاقة والمياه جو الصدي، الاثنين، فتح
تحقيق للتأكد من عدم وجود عمل تخريبي متعمّد بالتزامن مع العطل، خصوصاً مع
"ورود معلومات تفيد بشكوك حول طبيعة بعض حوادث انقطاع الكهرباء"، على
حدّ تعبيره. وانعكست أزمة الكهرباء بدورها على المياه، بحيث أعلنت مؤسسة مياه
بيروت وجبل لبنان أنّه، بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن مصنع الضبية، توقّفت بعض
المضخات عن العمل، ما سيؤدي إلى انخفاض ساعات التغذية بالمياه في العاصمة بيروت
ومناطق المتن الساحلي، وذلك حتى عودة التغذية الكهربائية إلى وضعها الطبيعي،
داعيةً المواطنين إلى ترشيد استهلاك المياه.
وتضرب لبنان منذ
أيام موجة حرّ شديدة، بحيث تجاوزت درجات الحرارة في بعض المناطق اللبنانية عتبة
الـ43 درجة، خصوصاً في البقاع، مع ارتفاع كبير سُجِّل في نسبة الرطوبة، ما دفع
أكثر المواطنين إلى رفع الصوت عالياً، داعين المسؤولين إلى معالجة العطل بسرعة،
خصوصاً أن المماطلة يضعهم أكثر تحت رحمة أصحاب المولدات الخاصة الذين يسارعون عند
كل أزمة إلى التحكّم بالناس، واستغلال الوضع، لرفع التعرفة أو التقنين. ويعاني
السكان في لبنان منذ سنوات طويلة، من انقطاع التيار الكهربائي، بلغ أوجها بعد
الانهيار المالي عام 2019، وذلك لأسباب متعددة، تصبّ كلها في دائرة إدارة الدولة
السيئة للقطاع، والإهمال المتأصّل، والسياسات غير المستدامة، والفساد المستشري،
الأمر الذي يفاقم معاناة المواطنين، الحياتية والمادية.
ومع دخول
البلاد عهد جديد في 9 يناير/كانون الثاني الماضي، بانتخاب قائد الجيش العماد جوزاف
عون رئيساً للبلاد، ومن ثم تأليف حكومة الرئيس نواف سلام، في 8 فبراير/شباط
الماضي، شعر اللبنانيون ببعض الأمل ببناء دولة القانون والمؤسسات، خصوصاً في ظلّ
التعهدات التي رُفِعت بالإصلاح ومكافحة الفساد، وعلى رأسها في قطاع الكهرباء، الذي
كبّد الدولة ديوناً تفوق الأربعين مليار دولار. ومنذ توليه وزارة الطاقة في حكومة
الرئيس نواف سلام، يؤكد الصدي، المحسوب على حزب القوات اللبنانية (برئاسة سمير
جعجع)، والذي كسر هيمنة التيار الوطني الحر (برئاسة النائب جبران باسيل) على
المقعد الوزاري لسنين طويلة، بأنه لم يأتِ إلى الوزارة للترقيع أو زيادة تغذية
الكهرباء ساعة أو ساعتين، بل هدفه وضع القطاع على السكة والعمل على حلول مستدامة.
علاقة تقنية
بين الطقس والكهرباء
في الإطار،
يشرح الباحث في مجال الطاقة بمعهد عصام فارس في الجامعة الأميركية ببيروت، مارك
أيوب، لـ"العربي الجديد"، أن العلاقة بين الكهرباء والطقس تقنية بحت،
حيث إن ارتفاع درجات الحرارة له تداعيات على شبكة الكهرباء، وتكون التداعيات أكبر
عندما تكون أساساً الشبكة غير ثابتة كما الحال في لبنان. ويشير أيوب إلى أن
"معملي إنتاج الكهرباء في دير عمار والزهراني يمكن أن يوفّرا بين 500 إلى 700
ميغاواط بالحدّ الأقصى لإبقاء الشبكة ثابتة قدر الإمكان، وهذه كمية غير كافية
لتحقيق الاستقرار المطلوب، وهذه من المشاكل التي تتفاقم في حال ارتفاع درجات
الحرارة".
لبنان وزخم
الإصلاحات المالية المفقود
ويلفت أيوب إلى
أن ارتفاع درجات الحرارة من شأنه أن يؤثر على الإنتاج والكفاءة، ويستدعي في
المقابل رفع عمليات التبريد، وبمجرد أن تكون الشبكة غير مستقرة بشكلٍ كافٍ،
والمعامل لا يتمتعون بالكفاءة اللازمة، فمن الطبيعي أن يحصل الانقطاع، عدا عن أنّ
الطلب على الكهرباء والفيول يزداد في فصل الصيف، خلال موجات الحرّ، بسبب لجوء الناس
إلى استخدام المكيّفات، ما يعني إجهاد شديد على الشبكة الكهربائية، وهذا يستدعي
كذلك حاجة أكبر لعمليات التبريد، وكل ذلك يؤدي إلى حالات انقطاع للكهرباء.
ويلفت الباحث
في مجال الطاقة إلى أن من تداعيات الأزمة، العتمة على لبنان، في مقابل تسجيل زيادة
في استخدام المولدات الخاصة أو مصادر أخرى قد تكون خاصة، ما يعني صرفا أكبر لمادة
المازوت، أي تلوثا بيئيا أكبر، وغيرها من التداعيات، التي تؤثر بالتالي على كل
الأنظمة غير القادرة على العمل 24 ساعة. ويرى أيوب "أننا في لبنان لا نزال في
الدوامة نفسها إذ نحن بحاجة لزيادة الإنتاج حتى تصبح الشبكة ثابتة، الأمر الذي
يتطلّب تأمين الفيول بالكميات اللازمة، إلى جانب ضرورة إعادة تأهيل المعامل
الحالية والعمل على بناء معامل جديدة".
ويشير إلى أنه
في العهد الجديد وربطاً الحكومة الجديدة، لا يزال العمل في القطاع وفق ما يسمّى
إدارة الطوارئ مع وضع بعض الرؤى للمرحلة القادمة، لكن خلال هذا المسار، هم مضطرون
للتعامل مع تداعيات الأزمة الحالية وهي كبيرة خصوصاً في فصل الصيف، وذلك كله في ظل
عدم وجود سرعة في التجاوب مع هذه الحاجات، معتبراً أن العملية بطيئة في وقت يجب أن
تكون الرؤية صريحة وواضحة ما يعني إعادة تأهيل وبناء المعامل، إصلاح الشبكة
والتوجه نحو الطاقات المتجددة. وبحسب أيوب فإنّ الأمور معقدة حالياً باعتبار أن
دعم القطاع مشروط خارجياً، يعني بأننا سنبقى بهذه الدوامة طالما أنه لا يوجد
استقرار سياسي ولا أفق للمستثمرين سواء الأجانب أو العرب.