بسام غنوم
يعيش تيار المستقبل في حالة من الارتباك لم يسبق لها مثيل. فبعد نتائج الانتخابات البلدية في طرابلس، التي فاز فيها الوزير أشرف ريفي على التحالف السياسي العريض الذي كان يقوده الرئيسان الحريري وميقاتي، جاءت المواقف التي أطلقها وزير الداخلية نهاد المشنوق تجاه المملكة العربية السعودية، وخصوصاً في ما يتعلق بدورها السياسي في لبنان بصورة عامة، وتأثيرها المباشر بالاستحقاق الرئاسي وتبني الرئيس سعد الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجية بصورة خاصة.
وقد ترافقت هذه المواقف التي أطلقها وزير الداخلية نهاد المشنوق، مع الأخبار الآتية من الرياض حول قيام العمال والموظفين في شركة سعودي أوجيه باقتحام مراكز الشركة وبعثرة محتوياتها، ولم يسلم مكتب سعد الحريري في الرياض من نقمة العمال والموظفين في سعودي أوجيه، حيث بُعثرت محتويات مكتبه الشخصي دون تدخل من الشرطة السعودية التي كانت موجودة في المكان، وهو ما ترك تساؤلات كثيرة عن ذلك، سواء لناحية عدم الرضى السياسي على الرئيس سعد الحريري من قبل القيادة السعودية، أو لناحية القضاء على إمبراطورية الحريري الاقتصادية في السعودية، في ظل الحديث والشائعات عن إفلاس سعودي أوجيه أو بيعها لمستثمرين سعوديين.
في ظل هذه الأجواء، هل كانت المواقف التي أطلقها الوزير المشنوق تجاه السعودية صرخة ألم من سعد الحريري، أم أن ما يجري في «تيار المستقبل» هو أبعد من ذلك بكثير؟
البداية من سلسلة المواقف التي أطلقها الوزير نهاد المشنوق بحق القيادة السعودية أيام الملك الراحل عبد الله، والتي نسب إليها كل ما قام به الرئيس الحريري سابقاً، سواء لناحية زيارة دمشق واللقاء مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وصولاً إلى تبني ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، حيث قدم الوزير المشنوق رواية مفادها أن الرئيس سعد الحريري اضطر إلى ترشيح فرنجية لأن وزارة الخارجية البريطانية هي التي كانت وراء تبني هذا الترشيح، وأقنعت الأميركيين والسعوديين بذلك.
هاتان الروايتان السياسيتان عن فترة الملك الراحل عبد الله وعن الفترة الحالية بقيادة الملك سلمان اللتان استند اليهما الوزير المشنوق لتبرير مواقفه المستجدة من السعودية تركتا تساؤلات عن خلفياتهما وأسبابهما في هذه الفترة بالذات.
البعض اعتبر أن الحريري اعترض عبر المشنوق على سياسة القيادة السعودية تجاهه في لبنان، التي تمثلت بنتائج الانتخابات البلدية في طرابلس عبر الدعم المادي الكبير الذي قدم للوزير أشرف ريفي.
وقد عزز أصحاب هذه الرؤية موقفهم بحالة الصمت التي أصابت الحريري بعد المواقف التي أطلقها المشنوق حيث يعرف عن سعد الحريري ردوده السريعة، وخصوصاً عبر تويتر، وهو ما تجلى سابقاً في الموقف من الوزير أشرف ريفي الذي خرج من جلسة مجلس الوزراء اعتراضاً على عدم مناقشة المجلس موضوع إحالة قضية الوزير ميشال سماحة على المجلس العدلي حيث بادر الرئيس سعد الحريري سريعاً الى القول: «ريفي لا يمثلني»، وقبل أيام قليلة وخلال مناقشة جنبلاط في مقابلة تلفزيونية موضوع تصريحات المشنوق ومواقف الحريري من حزب الله وقتاله الى الجانب السوري، بادر الرئيس سعد الحريري إلى الرد مباشرة على جنبلاط في تغريدة على «تويتر» بالقول: «يا صديقي وليد بك خط الاعتلال مش موقف أخذناه هو فعل قمنا به. الحسرة على يلي عمّ يقاتل في سوريا واليمن نحن مشوارنا طويل يا بك بدها صبر وحكمة».
ولذلك اعتبر صمت سعد الحريري عن تصريحات المشنوق محط تساؤلات، وأنها بمثابة صرخة ألم أطلقها بالواسطة عبر نهاد المشنوق، وهو ما عبّر عنه المشنوق بصراحة بالقول رداً على من قال إن مواقفه لا تعبّر عن تيار المستقبل: «صحيح أنني لا أمثل «المستقبل» في ما قلته، لكن كلامي يمثل الضمير المستتر لـ«المستقبل»، وقد حان الوقت لقول الوقائع كما هي من دون مواربة».
البعض الآخر رأى أن مواقف الوزير نهاد المشنوق تجاه السعودية وقيادتها وإدارتها للشأن اللبناني كانت بمثابة ضربة على الرأس افقدت الرئيس سعد الحريري صوابه بعد الضربة التي تلقاها من الوزير أشرف ريفي في طرابلس، وبالتالي فضل التريث قليلاً لتبين حقيقة الموقف السعودي مما يجري في لبنان، وتحديداً في ما يتعلق بمصير تيار المستقبل حتى يبني على الشيء مقتضاه.
ولذلك توجه إلى العاصمة السعودية الرياض من أجل اللقاء بالمسؤولين السعوديين قبل التورط في ردود على المواقف التي يطلقها الوزير المشنوق والوزير أشرف ريفي، وبناءً على ذلك سيعبّر الرئيس سعد الحريري عن مواقفه السياسية بصورة واضحة ومباشرة عبر الإفطارات الرمضانية التي ينوي إقامتها ابتداءً من الأسبوع المقبل في بيت الوسط. وقد أشارت إلى هذا الموضوع بصراحة أوساط في بيت الوسط بالقول: «لا أحد يتحدث عن سعد الحريري إلا هو».
بغض النظر عن اعتبار البعض مواقف الوزير المشنوق صرخة ألم مستترة لسعد الحريري تجاه القيادة السعودية، أو اعتبار ما يجري في تيار المستقبل نتيجة للإدارة السياسية الخاطئة لسعد الحريري للأمور في تيار المستقبل، وفي التعاطي مع الشأن العام، ولا سيما لناحية العلاقة مع حزب الله، حيث اعتمد الحريري على سياسة المواقف العالية تجاه تدخل حزب الله في الشأن السوري، فيما مارس الليونة المبالغ بها في الواقع العملي، فاستمر بالحوار مع حزب الله لأكثر من ثلاثين جلسة دون أن يقدم حزب الله للحريري شيئاً، وقد استفاد حزب الله من الحوار لناحية استمرار تدخله في سوريا، وللاستمرار في مهاجمة السعودية والدفاع عن المشروع الإيراني في المنطقة، ولذلك يمكن القول إن ما يجري في تيار المستقبل أبعد بكثير من قضية خلافات داخلية، وقد يكون له تأثيرات على مستقبل زعامة السنّة في لبنان.
بالخلاصة، يمكن القول إن زعامة السنّة في لبنان بعد التطورات الحاصلة في «تيار المستقبل» أصبحت محل إعادة نظر. فهل تُعاد زعامة السنّة في لبنان إلى مرحلة ما قبل الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟