بسام غنوم
أقفل عام 2017 على موضوع لبناني حساس لطالما أثار حساسيات طائفية وسياسية، ألا وهو الوجود الفلسطيني في لبنان.
هذا الوجود الفلسطيني الممتد من نكبة فلسطين في عام 1948، كان دائماً موضع خلافات لبنانية - لبنانية أولاً، ولبنانية - فلسطينية ثانياً، حيث كان العامل الطائفي هو الأساس في اعتراض المسيحيين في لبنان على هذا الوجود، باعتباره يهدد التوازن الطائفي والديموغرافي بين المسلمين والمسيحيين، وهو ما استُغلَّ في الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت في عام 1975، عندما استغلت القوى المسيحية في لبنان الوجود الفلسطيني المسلح، متمثلاً بمنظمة التحرير الفلسطينية للقول إن الحرب في لبنان هي «حروب الآخرين»، وهو ما رفضه المسلمون في لبنان، لأنهم يعتبرون الوجود الفلسطيني مؤقتاً بسبب احتلال اليهود لفلسطين، وعلى لبنان واللبنانيين الوقوف الى جانب القضية الفلسطينية لإنهاء الاحتلال الصهيوني لفلسطين وعودة الفلسطينيين الى أرضهم.
وقد رفض المسلمون مقولة «حروب الآخرين» على أرض لبنان، لأنهم كانوا يعتبرون ان السبب الرئيسي للحرب الأهلية في لبنان هو الغبن اللاحق بالمسلمين في الدولة اللبنانية، سواء بالنسبة إلى موقع رئاسة الجمهورية وصلاحياته الواسعة قبل تطبيق اتفاق الطائف، أو في ما يتعلق بالتمثيل في المجلس النيابي الذي كان وفق معادلة 6 إلى 5، فضلاً عن الخلل الذي كان قائماً في كل إدارات الدولة.
أما بالنسبة إلى الفلسطينيين في لبنان، وخصوصاً منظمة التحرير الفلسطينية، فهي كانت تعتبر وجودها المسلح ضرورياً من أجل الاستمرار في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ولذلك وقّعت اتفاق القاهرة مع الدولة اللبنانية في عام 1969 لتنظيم الوجود الفلسطيني المسلح. وقد حصل الاتفاق برعاية عربية، إذ وقّعه في القاهرة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وعن لبنان قائد الجيش العماد إميل البستاني. ويرى الفلسطينيون أن ما جرى بعد ذلك من حروب أهلية في لبنان إنما هو بسبب رغبة فئة من اللبنانيين في الاستمرار بالاستئثار بالسلطة على حساب باقي اللبنانيين، وأنه جرى توريط منظمة التحرير الفلسطينية في الحرب الأهلية اللبنانية خدمة للمشروع الصهيوني في المنطقة.
هذه المقدمة التاريخية الموجزة للوجود الفلسطيني في لبنان وللصراع اللبناني - اللبناني والفلسطيني - اللبناني حول هذا الوجود، تكشف الأسباب الحقيقية للخلافات والحساسيات التي يسببها هذا الوجود منذ عام 1948 وحتى الآن.
فالمسيحيون والقوى السياسية المسيحية في لبنان ما زالوا يعتبرون الوجود الفلسطيني فيه تهديداً لهم، رغم انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي، ورغم تطبيق «اتفاق الطائف» الذي وُقِّع عام 1989 والذي أنهى الحرب الأهلية، وأعاد توزيع الصلاحيات الدستورية بين الرؤساء، وجعل المجلس النيابي مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وجعل المناصفة أساساً في الفئة الأولى في إدارات الدولة، وأكد رفض توطين الفلسطينيين.
لذلك، ما زالت قضية الوجود الفلسطيني في لبنان لازمة ثابتة في كل المواقف التي تطلقها القوى والشخصيات السياسية المسيحية، وكذلك البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي ربط بين النازحين السوريين في لبنان والنازحين الفلسطينيين، وقال في هذا الإطار: «بالنسبة الى الذين لجأوا الى لبنان من سوريا، وهم أكثر من مليون ونصف، ومع الفلسطينيين أصبحوا نصف الشعب اللبناني، فقد باتوا عبئاً كبيراً على لبنان بل خطراً ديموغرافياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً وأمنياً». وقد رفض كثير من اللبنانيين هذا الموقف العنصري من الوجودين السوري والفلسطيني في لبنان، لأنه اعتبر هذا الوجود تهديداً ديموغرافياً وثقافياً، وهذه قمة العدائية والعنصرية، وهناك نقطة أساسية في موقف البطريرك الماروني، هي اعتقاده أن الفلسطينيين في لبنان هم نحو نصف مليون نازح، على أساس ان اللبنانيين هم أربعة ملايين.
هذه المواقف التي ما زالت تتفاعل تجاه الفلسطينيين والوجود الفلسطيني في لبنان أصيبت بصدمة سياسية كبرى مع نتائج الإحصاء للاجئين الفلسطينيين في لبنان الذي أُجري في العام الجاري عبر شراكة بين إدارة الإحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني تحت مظلة لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني، ولقد أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري النتائج الرسمية لهذا الإحصاء الذي جاء فيه: «إن عدد اللاجئين في المخيمات والتجمعات بلغ 174422 فرداً خلال عام 2017، يعيشون في 12 مخيماً و156 تجمعاً فلسطينياً في المحافظات الخمس في لبنان».
وقال الرئيس الحريري تعليقاً على هذا الإحصاء: «كان هناك كلام على عدد اللاجئين الفلسطينيين في البلد وتهويل بعضنا على بعض، وكنا نسمع أرقاماً قياسية تستعمل في السياسة والتجاذبات... كان البعض يتحدث عن رقم 500 ألف أو 600 ألف أو 400 ألف، ولكن اليوم أصبح العدد واضحاً، وهو 174 ألفاً، هذا هو الرقم الحقيقي، وعلينا واجبات يجب القيام بها كدولة ضمن إطار المؤسسات وتحت سقف الحوار والتفاهم، والأهم ان نستمر بالحديث بعضنا مع بعض».
فهل يتوقف الحديث الطائفي والعنصري الذي يستهدف الوجود الفلسطيني في لبنان بعد هذا الإحصاء الرسمي؟ وهل تقوم الدولة بواجباتها تجاه الفلسطينيين من الناحية الإنسانية، ومن ناحية الحقوق المدنية كما يفترض بالدولة، كما قال الرئيس الحريري؟
أسئلة كثيرة يرسمها إحصاء الوجود الفلسطيني في لبنان، فهل نرى في القريب العاجل إعادة نظر جدية من قبل الدولة في هذا الوجود؟}