العدد 1666 /4-6-2025

التفرد بقرار وسياسة وواقع ومستقبل فئة وبيئة من اللبنانيين، وتحميلها التداعيات والنتائج، اسس لانفصام وانفصال وانقسام في العلاقة بين هذه البيئة وباقي اللبنانيين.. خاصةً مع اطلاق مواقف سياسية، مباشرة من قادة الثنائي، واخرى غير مباشرة من اعلاميين وسياسيين مرتبطين بالثنائي، ومنها تحميل لبنان كل لبنان والعالم العربي، مسؤولية الاعمار والترميم والتعويض وابعاد النظر عن فكرة محاسبة او مساءلة من اتخذ القرار والتنفيذ، وتجهيل والتغافل عن الدور الايراني والقرار الايراني والتوجيه الايراني لكل ما حدث وما يزال يحدث، وانفجار جهاز (البيجر) بيد السفير الايراني(اماني) يؤكد الارتباط بين ما جرى ويجري بين قيادة الثنائي والادارة الايرانية لما يحدث على الاراضي اللبناني.. وهذا ما سبق ان اكده الامين العام الراحل نصرالله حين تحدث في مقابلة تلفزيونية عن طلب قاسم سليماني من حزب الله ارسال 120 قيادياً من حزب الله الى العراق للمشاركة في قتال الشعب العراقي..مما يؤكد ارتباط حزب الله وقيادته باوامر الادارة الايرانية بشكلٍ كامل والخضوع لطلباتها دون تردد..؟؟

ومع اصرار الثنائي الشيعي على مواصلة التفرد بالقرار والنهج، وترسيخ هذا المفهوم والسلوك، بالضغط السياسي والعائلي والحزبي وغيرها من الوسائل..للحصول على تزكية انتخابية في معركة البلديات الاخيرة، في مختلف المناطق التي يهيمن فيها ميليشيات هذا الثنائي.. كل هذا ادى بل ودفع الى ظهور حالة من التساؤل في اوساط هذه البيئة الشيعية للتساؤل بوضوح وصراحة.. الى اين..؟؟؟

حاول الثنائي، بقرارٍ اتخذته قيادته على مستوى عالٍ الطلب من الاعلاميين المرتبطين به، باضفاء واعطاء لقب الثنائي الوطني، بدل الثنائي الشيعي، للتخفيف من حالة الارتباط المذهبي، ولكن الالقاب والاوصاف لا يتم اسقاطها اسقاطاً بل هي خلاصة مسار سياسي ومواقف سياسية ونهج يتجاوز الطائفة والمذهب والبيئة، وهذا ما لم نلحظه مطلقاً سواء على مستوى شكل ومضمون اداء القيادة، والتأييد الاعمى لها من مرجعيات دينية اساسية مما جعل دور الثنائي مرتبط بل ويحظى بغطاء ديني من مرجعيات دورها احتضان الجميع من ابناء البيئة والمذهب وليس حزباً او فريقاً فقط.. الى جانب ان من مهامها حفظ وحدة الوطن المتعدد الاديان والثقافات والانتماءات.. !!

لذلك فإن عنوان الثنائي الشيعي سوف يبقى راسخاً على جبين هذا الثنائي، مهما حاول التذاكي والمداورة، ومحاولة اعطاء نفسه عناوين ومسميات مختلفة..(محور المقاومة، محولا الممانعة، او الثنائي الوطني)...!! ومهما تقدم اعلاميون مرتبطون على شاشات التلفزيون بتقديم هذه الاوصاف والتفسيرات والتسميات..!!

لذلك وبناءً على مشهدية التفرد بالقرار ومصير طائفة وبيئة ووطن، ورسم العلاقات بين هذه البيئة مع سائر المكونات اللبنانية، بالطريقة التي يراها مناسبه له، وهذا ما لمسناه في انتخابات بلدية بيروت، حيث تحالف الثنائي الشيعي مع حزب القوات اللبنانية، التي افاض واستفاض في اتهامها بالعمالة والصهينة، واذ انتخبت بيئة الثنائي الشيعي مرشحي حزب القوات اللبنانية بالتكليف الشرعي، وتباهى بري بأن فريقه قد اعطى اللائحة 18000 صوتاً.. مما يعني ان علاقة هذه البيئة بالاخرين خاضعة لمزاج الثنائي ومصالحه التي قد تقود الى المواجهة، او الى التحالف.. دون مبررات.. او تبرير منطقي ومقنع..!!

من هنا برزت على الساحة الشيعية حالة جديدة من الاعتراض تقوم على الرفض المنطقي والمنهجي لاسقاط الاحكام والقرارات والمواقف على جمهور الشيعة في لبنان بما يتناسب مع مصلحة المحور او الحزب او الحركة، ورسم علاقات البيئة الشيعية مع الآخرين بما يخدم مصالح السياسيين والتابعين للثنائي حصراً.. والبداية كانت مع حركة تحرر التي تم اطلاقها منذ حوالي العام..مع الدكتور علي خليفة، والدكتور هادي مراد وآخرين، ثم كان ومنذ ايام انعقاد (لقاء اللبنانيين الشيعة وثيقة نحو 2030).. الذي تم التحضير له بعناية وضم اكثر من مئة شخصية شيعية من المثقفين والناشطين وليس من المعممين..للتعبير عن الرفض بشكلٍ علني للهيمنة والاستئثار والتفرد بالقرار الشيعي وللقول بأن الطائفة الشيعية هي جزء اساسي من المكونات اللبنانية وان دورها وحضورها يجب ان يكون تحت سقف الدستور اللبناني، وان الطائفة لديها الكثير من الكفاءات والقدرات، لتقدم نفسها للآخرين بروحٍ وطنية.. كما لتقول انها ترفض ان يتحدث باسمها رجال سياسية واعلام يغطون شاشات التلفزيون والمواقع الالكترونية والمواقع الاجتماعية للدفاع عن الثنائي ونهجه وتبرير مواقفه وسياساته..

كما للقول بوضوح ان الاختلاف في وجهات النظر هو ظاهرة صحية تحمي الطائفة كما الوطن من الانقسام والمواجهة والصراع، وان الاختلاف والخلاف لاسباب سياسية وبشكلٍ حضاري دون الاحتكام للسلاح والتهديد والتهويل والابتزاز والتخوين، يؤدي الى بروز شخصيات سياسية وفكرية ورجال دين يحملون افكاراً مختلفة ووجهات نظر متقدمة..

ان الاصرار على احتكار القرار وفرض الشروط على الطائفة كما على اللبنانيين، وخوض مغامرات غير محسوبة وغير مدروسة، سوف يؤدي الى مزيد من الانعزال والانقسام والتراجع وصولا الى حالة من التخلف الفكري.. وبالتالي الابتعاد عن مواكبة التطورات التي تجري في بلادنا كما في محيطها..

إن العودة الى التعددية والاحتكام الى الدستور نصاً وروحاً واحترام افكار الاخرين وتفهم ثقافتهم ورؤيتهم السياسية كما الفكرية هو المدخل الحقيقي للخروج من دوامة التراجع والانخراط في صراعات داخلية وخارجية.. وخروج المقامات الدينية من التراشق السياسي يحمي الوطن ومن الانقسام والتشرذم..

حسان القطب