العدد 1391 / 18-12-2019
تتسارع التطورات السياسية والأمنية في لبنان بشكل غير
مسبوق ويحدث ذلك في ظل مناورات سياسية تمارسها القوى السياسية الممسكة بالقرار
السياسي في البلد .
فبعد مناورات التأليف قبل التكليف والسجال الذي استمر
أكثر من شهر حول دستورية تأخير الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل حكومة جديدة من
قبل الرئيس عون ، كان اللبنانيون على موعد مع لعبة "ميثاقية التكليف" في
الاستشارات النيابية قبل التكليف التي اعلن عنها تيار المستقبل بعد تبليغه امتناع
كتلة الجمهورية القوية التي تمثل "القوات اللبنانية" وكتلة لبنان القوي
التي تمثل التيار الوطني الحر عن تسمية الرئيس سعد الحريري في الاستشارات النيابية
في قصر بعبدا ، وهو ما اعتبره بيان تيار المستقبل انه "ينتج تسمية من دون
مشاركة اي كتلة مسيحية وازنة ، خلافاﹰ لحرص الرئيس الحريري الدائم على مقتضايات
الوفاق الوطني" ، وهو ما ادى الى تأجيل الاستشارات النيابية عدة أيام وتأجيج
المواقف السياسية في البلد .
وقد تزامن التأجيج السياسي مع ارتفاع في منسوب التوتر
الأمني في مختلف الناطق اللبنانية ولاسيما في بيروت وصيدا حيث اندلعت مواجهات بين
المتظاهرين والقوى الامنية في وسط بيروت وتطورت الى مواجهات حملت طابعاﹰ مذهبياﹰ
بين مجموعات من الشباب قادمة من منطقة الخندق الغميق ومجموعات من الشباب الطرابلسي
قدموا الى وسط بيروت لدعم شباب الحراك ، والتطور الاخطر كان في مدينة صيدا حيث قام
شبان من حارة صيدا في منتصف ليل الثلاثاء الماضي بالهجوم على شوارع مدينة صيدا وهم
يهتفون بشعارات مذهبية ، وقاموا بحرق خيام الحراك الشعبي في ساحة ايليا وحطموا
العديد من السيارات وعاثوا بالأرض فساداﹰ ، وهو مادفع بأهالي صيدا الى الرد عليهم
ولو لا لطف الله لوصلت الأمور الى مالا يحمد عقباه .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : الى متى تتلهى القوى
السياسية بالمناورات فيما لبنان يغرق في المجهول؟
في بداية الاسبوع كان اللبنانيون يأملون ان تكون
الاستشارات النيابية التي دعا اليها الرئيس عون من أجل تكليف رئيس حكومة جديد بداية
خير او بالأحرى بداية مسار لانهاء حالة التأزم السياسي الذي يعيشه لبنان منذ
انطلاق الحراك الشعبي في 17 تشرين اول الماضي ، لكن بعد قرار تأجيل الاستشارات
النيابية عدة ايام بطلب من الرئيس سعد الحريري بذريعة فقدان "ميثاق
التكليف" بعد تبلغه عدم تسميته من قبل التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية
تبين للبنانيين ان القوى السياسية الممسكة بالقرار السياسي في البلد تمارس المناورات
والالاعيب السياسية دونما اعتبار لما يمر به لبنان من فوضى واضطراب سواء على
الصعيد السياسي وكذلك على الصعيد الأمني ناهيك عن حالة الانهيار الاقتصادي التي
يعاني منها الشعب اللبناني .
فهذه الطبقة السياسية تتصرف كأن الأمور والبلاد بخير ،
وتتجاهل الحراك الشعبي ومطالبه المحقة والمستمرة منذ شهرين ، ولذلك تمارس ترف
الوقت في اللعبة السياسية لاختيار رئيس للحكومة الجديدة التي يفترض ان تنتشل لبنان
من ازمته الحالية .
فالرئيس سعد الحريري لم يكتفي باعلانه سابقاﹰ قراره بعدم
المشاركة في الحكومة وتأكيده انه لا يريد العودة مجدداﹰ لرئاسة الحكومة ، لكنه قام
في الوقت نفسه ﺑ "حرق" الشخصيات المقترحة لرئاسة الحكومة مثل بهيج طبارة
وسمير الخطيب ومحمد الصفدي حتى وصلت الأمور الى انه لم يبقى هناك من مرشح لرئاسة
الحكومة الا سعد الحريري ، ومع خلو الساحة له لرئاسة الحكومة وبعد فقدانه لتأييد
التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية تم ابتداع بدعة الميثاقية في التكليف وهي
بدعة لم يسبقه اليها أحد ، وكان ذلك محل استنكار من قبل الرئيس ميقاتي وغيره من
القيادات السياسية الذين أكدوا أن الميثاقية ضرورية بعد تشكيل الحكومة وليس في
مرحلة الاستشارات .
هذا الوضع السياسي المتأزم انعكس سلباﹰ على الشارع عبر
الصراعات التي اخذت طابعاﹰ مذهبياﹰ , يبدو
ان هناك من يعمل عليه من أجل افشال الحراك الشعبي الذي يطالب بتغيير الطبقة
السياسية ومكافحة الفساد ، وكذلك من أجل الابقاء على هذه الطبقة السايسية التي
اوصلت لبنان الى مرحلة الخراب ، والا فما معنى ان تتحرك مجموعات وجهات مجهولة
اعلامياﹰ وعلى الارض وفي اكثر من منطقة من أجل ايقاع الفتنة بين اللبنانيين
والعودة الى المعادلات الطائفية والمذهبية بعد ان ادى الحراك الشعبي منذ 17 تشرين
اول الماضي الى حالة من الانصهار الوطني بين اللبنانيين في مختلف المناطق ، وكذلك بين
الطوائف والمذاهب .
باختصار ، ما يشهده لبنان حالياﹰ هو بمثابة الثورة
المضادة التي تقوم بها قوى السلطة للانقلاب على مطالب اللبنانيين بالعيش في بلد حر
وكريم وخال من الفساد والمحسوبيات والمحاصصات وهو مايطالب به الحراك الشعبي ، والابقاء
على الوضع على ماهو عليه من أجل المحافظة على سلطتها ومكاسبها ، فهل ستنجح قوى
السلطة بمساعيها ام يفشلها تضامن اللبنانيين ؟
بسام غنوم