بقلم: وائل نجم

مع الاقتراب أكثر من موعد إقفال باب الترشّح إلى الانتخابات النيابية المقبلة، بدأت تظهر أكثر فأكثر ملامح المواجهة الانتخابية في أغلب الدوائر، والتي ستكون أكثر وضوحاً وجلاء مع تشكيل اللوائح الانتخابية حتى السابع والعشرين من آذار.
مما لا شكّ فيه أن القانون الانتخابي الذي اعتمد النظام النسبي على مستوى الدائرة، والصوت التفضيلي على مستوى القضاء، أفسح في المجال لمنافسة أكثر جدّية من المرّات السابقة، التي كان يجري فيها اعتماد النظام الأكثري، ولذلك وجدت أغلب القوى السياسية لها فرصة في المنافسة في هذه المرّة، وإن كان شكل بعض الدوائر وحجمها لا يشي بأن القانون كان عادلاً أو متوازناً، ولكن على الرغم من ذلك، شرعت هذه القوى في ترتيب أوراقها لخوض غمار هذه المنافسة، علّها تدخل الندوة النيابية وتقوم بدورها في ما تعتقد أنه واجب للخروج من الأزمات، ومعالجة المشاكل التي يعاني منها اللبنانيون.
كما وأن النظام النسبي منح فرصة جديدة للعائلات كي تستعيد دورها وحضورها وفعاليتها في المشهد السياسي اللبناني. والجميع يذكر أنه تاريخياً كانت العائلات تؤدي الدور الأساسي في الحركة اليومية والسياسية، بغض النظر عن النظرة إليها على أنها كانت جزءاً من الاقطاع الذي كان يتحكّم بلقمة عيش الناس، ويصادر حقوقهم ومكتسابتهم، ولا ينفق عليهم إلا بمقدار الحاجة وضرورة البقاء.
لقد هُمِّشَ دور العائلات كثيراً خلال العقود الماضية لمصلحة القوى السياسية والأحزاب التي تمّ تصويرها عابرة للطوائف والمذاهب والمناطق، ولكن في الحقيقة كانت في نتيجتها لا تختلف عن نتائج تحكّم العائلات التقليدية بالقرار الوطني والسياسي في البلد، ولذلك بدأت حالة من التفكير تقارن بين نتائج أداء القوى السياسية على حالة المجتمع، وعلى أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية وغيرها خلال العقود الماضية، وبين نتائج أداء العائلات التقليدية على حالة المجتمع خلال المرحلة التي كانت فيها العائلية هي نقطة الارتكاز في ممارسة العمل السياسي.
اليوم، مع قانون الانتخاب الذي اعتمد النظام النسبي، تعود العائلات من جديد إلى المشهد الانتخابي في محاولة لاستعادة الدور السياسي والريادي في البلد، وفي محاولة لتقديم نموذج جديد في ممارسة السلطة، يكون في نتائجه ومخرجاته مختلفاً عن نتائج الممارسة السابقة لكل من العائلة والقوى السياسية. وأمام هذا المشهد نرى أن هناك محاولة عائلية لمنافسة القوى السياسية الرئيسية في بعض الدوائر الانتخابية دون تردّد، بل يمكن القول إن دخول هذه المنافسة ولّد نوعاً من الأرق لهذه القوى.
وإذا أردنا أن ندخل في التفاصيل أكثر، فإنه في العاصمة بيروت بدأت الأمور تتكشّف عن لائحة من أعرق العائلات البيروتية والشخصيات المشهود لها بالكفاءة والوطنية والمصداقية والمناقبية ستواجه لائحة تيار المستقبل من ناحية، ولائحة قوى 8 آذار المدعومة من النظام السوري من ناحية ثانية. وقد يجد الناخب البيروتي في هذه اللائحة (العائلات) أمله المنتظر، وفرصته للتعبير عن رأيه وما يجول داخله، خاصة أنها تنطلق من صلب العائلات البيروتية من دون أن ترفع شعار استعادة فترة تحكّم العائلية بالمشهد. وبكل تأكيد قد أربك ظهور هذه اللائحة تيار المستقبل، الفاعل الرئيسي إلى اليوم في العاصمة.
وإذا ما انتقلنا إلى دائرة أخرى، فإننا سنجد أن هناك توجهاً لتشكيل لائحة من العائلات البارزة والعريقة في دائرة جبيل كسروان لمنافسة التيار الوطني الحر، وقد تمكّنت بعض العائلات من صياغة اتفاقات مبدئية بينها وبين بعض القوى السياسية الأخرى لمواجهة تفرّد التيار بقرار هذه المنطقة، وإذا ما تمّت الأمور ومضت إلى ما تريده تلك العائلات، فإن ذلك سيُحرج التيار الوطني الحر، وسيقلقه في هذه الدائرة، وإن كان حتى الساعة لم يُظهِر أي قلق أو خوف من هذه الظاهرة.
وإذا ما انتقلنا إلى دائرة ثالثة، وقوة سياسية أخرى، سنجد أن «حزب الله» يواجه المأزق ذاته، والمشكلة ذاتها في دائرة بعلبك الهرمل. فهناك العائلات العريقة والكبيرة التي رفضت بشكل علني استفراد الحزب بقرار المنطقة، وبدأت مسار تشكيل لائحة منافسة من العائلات العريقة والكبيرة، وهو ما دفع قيادة الحزب إلى الدخول على خط المعالجة من خلال التركيز على أن المواجهة والمنافسة في هذه الدائرة هي بين «المقاومة» وبين مشروع استخباري أمريكي خليجي يريد النيل منها، وهذا يعكس بالطبع حجم القلق من اصطفاف العائلات الكبرى في مواجهته، ورفضها عملية فرض مرشحين على المنطقة بعضهم من خارجها.
هذه بالطبع عيّنة من صور المنافسة الانتخابية المقبلة، التي ستكون للعائلات دورها الذي لن يكون بسيطاً، خاصة أن الناس ملّت من وعود الطبقة السياسية، ومن فشلها في مواجهة التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية وعلى أنواعها، ومثّلت في شكل أخر، وجهاً آخر للإقطاع السياسي والمالي والاحتكاري الذي ما زلنا نعاني من نتائجه.}