العدد 1450 /24-2-2021

للاسبوع الثاني على التوالي يعيش اللبنانيون في ظل حمى المواقف والخطابات السياسية للأطراف المسؤولة عن عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة التي يبدو أنها اصبحت تدور في حلقة مفرغة بكل ما في الكلمة من معنى.

فبعد خطاب الرئيس سعد الحريري في 14 شباط بذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري والذي تحدث فيه عن الأسباب التي تعيق تشكيل الحكومة وعن اصرار الرئيس عون على الحصول على الثلث المعطل في الحكومة وعلى تسمية الوزراء المسيحيين ، تحدث السيد حسن نصر الله عن انفجار المرفأ وعن معوقات تشكيل الحكومة وأنها غير مرتبطة بأي شكل من الاشكال بملف المفاوضات الاميركية - الايرانية حول الملف النووي الايراني ، وانه لامانع لديه من توسيع الحكومة الى عشرين او اثنان وعشرين وزيرا كما يطالب الرئيس عون ، أطل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يوم الاحد الماضي على اللبنانيين بمؤتمر صحافي اعاد فيه تأكيد المؤكد فقال عن الاسباب التي تعيق تشكيل الحكومة : «رئيس الجمهورية ليس رئيس كتلة نيابية ليُقال له أعطني الاسماء وأنا أختار منها. تأليف الحكومة ليس لغزاً يحضره رئيس الجمهورية بل الاتفاق يكون بين الطرفين بشكل واضح، و‏عندما يقول رئيس الحكومة المكلّف لرئيس الجمهورية: أنا أشكّل وأنت توقّع، فهو يضرب بذلك وحدة البلد وينحر الدستور و«بعدين بيصيروا يبكوا على الطائف: بينحروه وبيبكوا عليه!». واضاف: «نريد حكومة برئاسة سعد الحريري رغم إقتناعنا انّه لا يقدر ان يكون عنواناً للإصلاح، ولهذا لم نقم بتسميته» ، وهو ما يؤكد ان عملية تشكيل الحكومة الجديدة مازالت عالقة في المربع الأول اي مربع الصلاحيات الرئاسية التي يصر عليها الرئيس عون والتي يعتبرها "حقوقا دستورية يجب المحافظة عليها وحمايتها" كما جاء في بيان المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية.

والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذا الصراع المحتدم هو : استمرار المراوحة في ملف تشكيل الحكومة لماذا ولمصلحة من ؟

كشف المؤتمر الصحفي لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أنه يعيش عقدة الصلاحيات الرئاسية والحقوق المسيحية وان هذين الأمرين هما الذين يعيقان عملية تشكيل الحكومة التي لايمكن أن تتشكل دونهما ، واللافت أن تركيز باسيل على موضوعي الصلاحيات الرئاسية وحقوق المسيحيين لم يعد ينطلي على أحد حتى في الساحة المسيحية فقالت مصادر القوات اللبنانية في معرض ردها على المواقف التي اطلقها باسيل في مؤتمره الصحافي "بدلاً من البحث في كيفية الخروج من الأزمة الكارثية، ينبري النائب جبران باسيل بالكلام عن حقوق المسيحيين، معتبراً انّه بهذه الطريقة يستطيع ان يُدخل اللبنانيين في مواجهة طائفية تُنسيهم فقرهم وتعتيرهم وعوزهم ومجاعتهم، وتنسيهم، وهنا الأهم، من أوصلهم إلى هذه الكارثة، اي السياسات التي قادها باسيل وأدّت إلى عزل لبنان عن الخارج، وأفقرت اللبنانيين في الداخل، ودفعتهم إلى انتفاضة مليونية في 17 تشرين، ما زالت محاولات إجهاضها مستمرة، وآخرها إطلالة باسيل وحرفه للنقاش عن مكمن الأزمة الفعلية"، ورأت المصادر انّ "من يريد ان يتحدث عن حقوق المسيحيين عليه ان يرفع عنوان الدولة أولاً، لأنّه من دون دولة لا حقوق لجميع اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين"، وهذا الموقف القواتي من كلام باسيل ينسجم ايضا مع موقف البطريرك الراعي الذي كرّر في عظة الاحد دعوته إلى «مؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية منظمة الأمم المتحدة، من أجل إعادة إحياء لبنان، عبر تحصين وثيقة الوفاق الوطني الصادرة عن مؤتمر الطائف سنة 1989، وتطبيقها نصاً وروحاً، وتصحيح الثغرات الظاهرة في الدستور المعدّل على أساسها سنة 1990» ، وهو رد مباشر على رفض السيد حسن نصر الله لدعوة البطريرك الراعي لمؤتمر دولي خاص بلبنان، وكذلك على مواقف الرئيس عون والنائب باسيل التي تعطل تشكيل الحكومة تحت حجة المحافظة على حقوق المسيحيين.

وتؤكد هذه المواقف المسيحية من طروحات باسيل انه لا يوجد غطاء مسيحي ديني وسياسي وشعبي لطروحاته ومواقفه التي يدعي فيها الحرص على حقوق المسيحيين ، فيما هو يبقي اللبنانيين رهينة لطموحاته السياسية ورهاناته الداخلية والخارجية التي تتركز على حلم العودة بلبنان الى ماقبل اتفاق الطائف ، وعلى تسلمه موقع رئاسة الجمهورية خلفا للرئيس ميشال عون .

باختصار لبنان اصبح رهينة طموحات جبران باسيل الرئاسية والطائفية من جهة ، والحسابات الاقليمية للبعض الآخر من جهة أخرى ، وهذه الدوامة التي يغرق فيها لبنان واللبنانيين مرشحة للاستمرار طالما هناك من يضع يده على خناق اللبنانيين .

بسام غنوم