باسل طلوزي

سبعة.. ثمانية.. تسعة.. اقتربنا من الرقم عشرة، وأنت لم تنهض بعد يا كلاي، فأين أخطأنا هذه المرّة؟.. ربما تأخرنا قليلاً، لكنها ليست «الضربة القاضية» بالتأكيد.
المعذرة، فقد اختلط علينا الأمر في حمأة «الضربات القاضية» التي نتلقاها يومياً، فنسينا كيف تكون الضربة القاضية الأخيرة. ولهذا، لم نودّعك بما يليق بقبضتيك، ولا عذر لنا وقد علّمتنا قفازاتك، ذات حلبةٍ، كيف يكون النهوض عظيماً، قبل انتهاء العدّ العاشر.
كنا نعدّ مع الحَكم، كلما رأيناك ملقىً على الحلبة، نستنهض فيك غيبوبتنا عن العالم، وكأننا نعدّ لأنفسنا نحن كي ننهض معك، فيما كنتَ، من جهتك، تسمعنا، فتستعيد عروقك دماءها، وينتزع جسدك روحه من براثن الموت، لتثبت أن هذه الأمة لا تموت، وإن طالت غشيتها.
والحال أننا خذلناك قبل ذلك بكثير، يا كلاي دون أن تشعر، أو ربما كنت تشعر، فتقاوم الخذلان بمرض «باركنسون»، لعلك تنسى، ولو قليلاً، ما أصبحت عليه أمةٌ قرّرتَ الانحياز لها منذ زمن بعيد، بملء قبضتيك. لم يكن رهانك في محله هذه المرّة، فطال العدّ كثيراً، حتى أغمضت عينيك، وأصبحت خصماً لنا بعد أن كنت نصيراً على حلبات الملاكمة والسياسة معاً، إذ لا فرق بينهما، ما دامت القفازات التي تنهال على وجوهنا واحدةً في الحالين.
كنت أمةً وحدك في بلادك، تعرف خصومك الذين يصفقون لك داخل الحلبات وخارجها، وتعرف كيف تطلق ضربتك القاضية، في اللحظة التي يظن الجميع أنك انتهيت، أو ساومت على مبادئك، وكنت مسلماً لا على الفطرة، بل على الفكرة، فأشهرت إسلامك في بلادٍ تعرف قيمة الحرية، في خضم تنافس الأفكار لا اللكمات، ولم ينقص ذلك من وزنك شيئاً، قبل دخول الحلبة أو بعدها.
أما نحن الذين نشهر إسلامنا على الفطرة، فقد أصبح لنا آباء آخرون «يدعّشون» إسلامنا، أو يذهبون به إلى أكثر من «بضع وسبعين شعبة»، لأن العدّ هنا، لا نهاية له، في ظل تواطؤ «الحكّام»، والطغاة، وحزمة قبائل متناحرة على فتات الوجاهة والمناصب، فيما تتحلق جماهير المتفرجين حول الحلبات، تعدّ خيباتها ونكساتها التي تجاوزت الرقم مليون بكثير.
هل بات علينا نحن أيضاً، يا كلاي، أن نعيد نطق الشهادتين على حلبات أميركا والغرب، كي ننجو من تخاريف «آبائنا»؟ ومن يضمن لنا أن القاتل لن يصل إلينا هناك، مع وصول الأحزمة الناسفة إلى سطح القمر؟
يقولون في بلادنا يا كلاي إن من يعدّ العصيّ ليس كمن يُجلد بها، لكننا نعدها ونجلد بها، ولك أن تسأل الضحية والجلاد معاً، وقد ننسى العدّ أحياناً، مع طول الرقم، فنعاود البدء من جديد.
ومع كل هذه المفارقات في «حلباتنا»، أصبحنا أمةً لا تتقن غير العدّ، يا صديق اللكمة، فالقسم الأكبر منا يعدّ موتاه، وقسم آخر يعدّ أرصدته، وما بين هذا وذاك يسقط أطفالٌ على شواطئ اللجوء بالضربة العربية القاضية، تلك التي لا نهوض بعدها، حتى لو تجاوز العدّ سعة الحواسيب كلها. 
والآن، من يعدّ لمن يا كلاي، أنت أم نحن؟ أراهن بأنك، كنت تعدّ لنا قبل أن نعدّ لك، وأراهن أيضاً بأنك اخترت هذه الضربة بنفسك، حتى لا ترى قادة «الفتوحات» العربية الجدد، الذين ملأوا شوارع أوروبا وأميركا بالدماء، لأنهم أرادوا «الفتح» بقتل الحرية.
سبعة.. ثمانية.. اسمع، يا كلاي، اسمع بعض أصواتٍ باهتة، ما تزال لا تصدق أنها سقطتك الأخيرة، ربما لأنها من الفلول التي ما تزال تراهن على حتمية النهوض، وها هي تلحّ على مواصلة العدّ لك وللأمة، على السواء، ولن يوقفها، ولا حتى بلوغ الرقم مليار ونصف المليار، هم تعداد المسلمين في العالم، لأنها لم تعد تكترث بالعدد، قدر اهتمامها بمسلمٍ واحد يصنع فرقاً بإسلامٍ يحترم الحرية والتعدّد والثقافات، على غرارك أنت يا كلاي.