إبراهيم محمد
كان محمد علي كلاي أو كاسيوس كلاي (1942-2016) رجلاً جسد البطولة وثقة النفس، وشاعراً، وسياسياً، وناشطاً، وهو ما حوّل لعبة الملاكمة إلى أكثر الرياضات شعبية عندما كان في أوج بطولته وعظمته. كان ملك حلبة الملاكمة حيث حصل على لقب بطل العالم لثلاث مرات.
محمد علي كلاي كان داعية حقوق مدنية، وارتبطت بطولته برفضه القتال في فيتنام، فلماذا يقاتل شعباً لم يضطهده وأبناء شعبه؟! ودفع ثمن الرفض الحرمان من ممارسة الملاكمة لسنوات، ولكنه انتصر على القانون الذي ظلمه وانتصر على خصومه، وغلبه المرض حيث أصيب بمرض الباركنسون الذي عاش معه لعقود. وجاء نتيجة الضربات الكثيرة التي تلقاها في رأسه خاصة في مباراته الفاصلة مع جو فريزر في مانيلا، التي كانت من أصعب المباريات التي خاضها للحفاظ على لقبه.
ولد كاسيوس ماركيلوس كلاي في لويزفيل في كينتاكي في 17 كانون الثاني 1942 وهو ابن خطاط يافطات، وسمّاه والده على اسم أحد دعاة إلغاء العبودية المشهورين في القرن التاسع عشر. وعندما كان في سن الثانية عشرة أخبر ضابط شرطة أن دراجته الهوائية سرقت منه وأنه سيسحق من سرقها. واقترح عليه ضابط الشرطة تعلم الملاكمة قبل أن يواجه سارق دراجته. وتدرب كلاي سريعاً حيث انتصر في أول ظهور له بمباريات الشباب غير المحترفين عام 1954.
وعلى مدى سنوات انتصر كلاي في أكثر من مباراة للمحترفين، وفاز بعدد من الجوائز منها جائزة القفازات الذهبية في مباريات عام 1959. وفي عام 1960 اختير لكي يكون من ضمن الفريق الأولمبي الأمريكي في أولمبياد روما. وبعد رفضه الذهاب لأنه كان يخاف من الطيران، إلا أنه اشترى باراشوتاً قديماً ولبسه طوال الرحلة. وكانت الرحلة مهمة، ففي 5 أيلول 1960 هزم البولندي زبينغو بييرتزكوسكي وأصبح بطل العالم في الوزن الثقيل. وعندما عاد إلى الولايات المتحدة استقبل استقبال الأبطال في مدينة نيويورك. ولكن الواقع الأليم للفصل العنصري ظهر واضحاً عندما عاد إلى ولاية كينتاكي، حيث رفض السماح له بدخول مطعم. وفي مذكراته قال إنه رمى ميداليته الذهبية لشعوره بالقرف، إلا أنه فقدها بعد عودته من روما بعام.
ورغم حداثة سنه (18 عاماً) فقد انضم إلى صفوف الملاكمين الذين يتلقون أجراً، وبدأ مسيرته الرياضية بعد عام حيث فاز بست جولات على تاني هانسكير، قائد شرطة في ويست فيرجينيا. ويذكر هانسكير أن «كلاي كان الأسرع مثل الضوء»، واستطرد: «حاولت استخدام كل حيلة أعرفها لأرميه وأخل بتوازنه ولكنه كان جيداً».
وتحول كلاي سريعاً إلى نجم كبير من خلال سلسلة من الانتصارات التي حققها والدعاية القوية التي قام بها لنفسه وأصبح نجماً عالمياً. وأضاف لجاذبيته الشعبية طريقته في الملاكمة، حيث كان يرقص حول منافسه في الحلبة بطريقة خفيفة وخاطفة.
بعيداً عن الحلبة كان كلاي معارضاً شرساً للعنصرية التي كانت سمة الولايات المتحدة في الستينات من القرن الماضي أو معظم مناطقها. وقبل مباراته مع ليستون، كان كلاي ناشطاً في حركة «أمة الإسلام» التي كانت تدعو لفصل السود عن البيض. وكانت على تناقض مع الدعوة التي يدعو لها داعية الحقوق المدينة مارتن لوثر كينغ. وغيّر كلاي اسمه وأصبح «محمد علي كلاي»، وقال إن كاسيوس كان اسم العبودية.
ثم جاء رفض كلاي التوقيع على الخدمة في الجيش الأمريكي والقتال في فيتنام، وقوله «لن أتشاجر مع الفيتكونغ» كان رده، فجرّد من حزامه وحكم عليه بالسجن خمس سنوات، حيث تم وقفه بعد الاستئناف. ومع زيادة الغضب على فيتنام بين الأمريكيين منح كلاي الفرصة للعودة إلى الحلبة في عام 1970 بعد ثلاثة أعوام من منعه وفاز على جيري كواري. ولكن غيابه عن الحلبة أثر على سرعته، وهزم لأول مرة في عام 1971 على يد جو فريزر إلا أنه هزمه بعد ثلاثة أعوام.
أهم لحظة في حياة كلاي كانت المباراة التي هزم فيها جورج فورمان في زائير عام 1974 التي أطلق عليها «رعد في الغابة». وفي سن الـ32 كان (علي) الرجل الثاني الذي استعاد لقبه. وبعد عام قابل جو فريرز للمرة الثالثة في مانيلا التي كانت أكثر المباريات وحشية في تاريخ الملاكمة. واعترف علي لاحقاً بأنه كان قريباً من الموت لكنه انتصر في الجولة 14. وكان عليه التقاعد في ذلك الوقت، لكنه عاد مرة ثانية للقتال في نيو أورليانز وفاز واستعاد لقبه للمرة الثالثة في سن الـ36 عاماً.
وراكم كلاي 60 مليون دولار من مبارياته لكنه كان كريما بها، وبحلول عام 1978 لم يملك سوى القليل، ولهذا السبب ظل مواصلاً اللعب، لكنه في تلك الفترة كان قوة تتراجع حيث خسر لقبه للمرة الأخيرة عام 1980 في لاس فيغاس. وبقيت أمامه مباراة ضد الكندي تريفور بيركك عام 1980 حيث خسر بالنقاط وبعدها تقاعد في سن الأربعين.
بدأ أثر الحلبة يظهر عليه، حيث تأثر كلامه وبدأ يشعر بالدوخة. وبدأت أعراض مرض الباركنسون تظهر عليه. وقام في عام 1996 بإشعال الشعلة الأوليمبية في أتلانتا. ورغم استمرار التكهنات حول صحة محمد علي إلا أنه ظل يسافر ويحصل على التكريم خاصة في دول العالم النامي، التي كان يحظى فيها باحترام واسع.
وفي استطلاع أجرته محطة «بي بي سي» اختير الشخصية الرياضية الأهم في القرن العشرين، وكرمه الرؤساء الأمريكيون وحصل على أعلى ميداليتين: ميدالية المواطن الأمريكي الرئاسية وميدالية الحرية. وكرس حياته الأخيرة للعمل الإنساني، وأصبح أيقونة أمريكية وممثلاً لمسلمي العالم، وأمريكا. وترك وراءه سجلاً حافلاً لم يحققه أي رياضي من قبل، فقد فاز خلال 21 عاماً بـ 56 مباراة، منها 37 بالضربة القاضية. ولكن العالم يتذكر كلاي ليس كملاكم ولكن كمتحدث ورجل استعراض وداعية سلام، وأصبح بطلاً للجميع تجاوز موقعه الرياضي بطريقة لم يحققها أحد من قبله.