نتنياهو وإيران: الماء واليورانيوم
العدد 1677 /20-8-2025
صابر غل عنبري
ركّز رئيس حكومة
الاحتلال بنيامين نتنياهو في رسالته المصورة قبل أيام إلى الشعب الإيراني على أزمة
المياه في إيران، ووعد بحلّها، مستخدماً خطاباً دعائياً لاستمالة عواطف المتلقين
الإيرانيين. غير أن التجربة الإسرائيلية مع الجوار تُثبت زيف هذه الوعود، فعلى
الرغم من تقدّم تل أبيب في تقنيات المياه، تسرق مياه فلسطين، ومياه الأردن رغم
معاهدة السلام، إذ لا تلتزم ببنود اتفاق وادي عربة المائية. وفي سورية، تسيطر
إسرائيل منذ عقود على موارد الجولان المحتل المائية، ومطلع العام الحالي احتلّت سد
المنطرة؛ أكبر مصدر مائي في جنوب البلاد.
وتبدو رسالة نتنياهو
ودعوته الإيرانيين إلى الاحتجاج غير بعيدة عن تصريحاته، الثلاثاء الماضي لقناة
"24 آي" الإسرائيلية، بشأن بقاء 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي
التخصيب في إيران وعدم تدمير البرنامج النووي بالكامل. فالرسالة وحديثه عن بقاء
اليورانيوم يشكّلان، أولاً، اعترافاً ضمنياً بعدم تحقق كامل أهداف حرب
يونيو/حزيران الماضي، وثانياً، تمهيداً لتبرير السعي إلى بلوغ تلك الأهداف
مستقبلاً عبر مسارين: تفجير الداخل الإيراني، أو شنّ عدوان جديد.
لكن أيّ المسارين يراه
نتنياهو أولوية؟ إن إلحاحه في دعواته المتكررة إلى الشعب الإيراني للعصيان، يدل
على أنه يعتبر الانهيار الداخلي الضمان الأكيد لتحقيق أجندته الاستراتيجية في
الملف الإيراني. كما يتضح من رسالته الأخيرة وسابقاتها قبيل الحرب، أنه كان يأمل
أن يعقب العدوان الأخير حراك شعبي واسع لاستكمال ما بدأه، وهو ما لم يتحقق. وقد
دفع ذلك صُنّاع القرار في إسرائيل إلى استخلاص أن الحرب وحدها غير كافية، بل قد
تأتي بنتائج معاكسة، وأنها إن لم تُطفئ مفاعيل الغضب الشعبي من أزمات المياه
والكهرباء وارتفاع الأسعار، فستؤجلها على الأقل. ولهذا تعطي إسرائيل أولوية لتفجیر
الأوضاع الداخلية في إيران بدلاً من خوض مواجهة عسكرية شاملة قد تُضعف الهدف
الأسمى آنف الذكر، وتكون مكلفة إقليمياً. وعليه، يبدو أن الهدف الأساسي لإسرائيل
والرئيس الأميركي دونالد ترامب في المرحلة الراهنة، هو تصعيد الأزمات الداخلية
الإيرانية، مع الإبقاء على أجواء الحرب والتوتر. وفي هذا السياق تأتي المحاولات
الأوروبية لتفعيل الـ"سناب باك" (آلية فض النزاعات في الاتفاق النووي
عام 2015) لإحياء العقوبات على إيران وقرارات مجلس الأمن.
وبناءً على ذلك، فإن
التحدي الأكبر الذي تواجهه إيران اليوم يتمثل في أزماتها الداخلية؛ فالمعركة
الحقيقية هي أزمات الكهرباء والماء والتضخم وغلاء المعيشة وانعدام الثقة، لا الحرب
الخارجية، رغم الترابط القائم بينهما. فهذه الأزمات بالدرجة الأولى نتاج سوء
الإدارة وتراكم الإخفاقات. وفي ظل العقوبات ومناخ الحرب والمواجهة، لا توجد حلول
سحرية لهذه الأزمات، غير أن تبنّي سياسة ورؤية داخلية جديدة قد يخفف من حدتها، وهو
ما لا تلوح له حتى الآن مؤشرات واضحة. مع ذلك، يبقى خيار هجمات قصيرة وارداً إذا
حصلت واشنطن وتل أبيب على معلومات دقيقة عن مواقع اليورانيوم وأنشطة نووية جديدة
في إيران، أو إذا تعثّر سيناريو الانهيار الداخلي. عندها تبقى المواجهة محدودة
المدى، لأن الطرفين لا يرغبان في حرب طويلة الأمد.