مليشيات عراقية فهمت ما لم يفهمه حزب الله
العدد 1695 /24-12-2025
أرنست خوري
لم يُعرف عن مليشيات عراقية تابعة لإيران ذكاء
سياسي حاد في عمرها القصير منذ ولادتها في ذلك العام الداعشي، 2014. كذلك لم تُعرف
عنها وطنية جيّاشة جعلت زعماء عدد منها يعربون قبل أيام عن حماستهم لتسليم سلاحهم
للدولة. يقول الخبر إن زعماء مليشيات "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي،
و"أنصار الله الأوفياء"، حيدر الغراوي، و"كتائب الإمام علي"،
شبل الزيدي، والمتحدث باسم "كتائب سيد الشهداء"، كاظم الفرطوسي، قالوا
في بيان إنهم "منسجمون مع دعوات حصر السلاح في يد الدولة". حتى أن حيدر
الغراوي اكتشف أن نتيجة الانتخابات التشريعية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي (فاز
فيها نحو 90 نائباً تابعين لمليشيات) تفيد بضرورة فرض "مبدأ السيادة الكاملة
للدولة، وحصر السلاح بيدها". ولمزيد من الوضوح، يروي قيس الخزعلي لأنصاره أن
"موضوع تسليم السلاح وحصره بيد الدولة مطلب الحكومة وسنعمل على تطبيقه".
وكان لا بد أن يجد كلام أمراء الحرب مباركة سياسيين من الطيف السياسي نفسه في درجة
القرب من إيران، بوزن رئيسي الوزراء السابقين نوري المالكي وحيدر العبادي وأحد
زعماء الإسلام السياسي الشيعي عمّار الحكيم، يوم السبت الماضي. وحدهما
"النجباء" و"كتائب حزب الله" تمثلا بحزب الله اللبناني، ورفضا
نزع السلاح أو تسليمه أو حصره أو البحث فيه، وهاجما الفصائل الأخرى صاحبة الإعلان،
ووصفا كالعادة كل من يسير في شعار حصر السلاح بأنه "إسرائيلي". أما
الطرافة القصوى فيجدها المتابع في ذريعة "النجباء" و"كتائب حزب
الله" لتمسكهما بالسلاح، وهي ليست سوى وجود قوات أميركية في العراق (بات
عديدها بالمئات)، وكذلك قوات حلف شمال الأطلسي (فرقة مهمتها غير قتالية بقيادة
فرنسية)، إلى جانب الوجود التركي شمالي العراق. وكأنّ فدائيي النجباء وكتائب حزب
الله قادرون على محاربة أميركا وتركيا وحلف شمال الأطلسي في ظهرهما. شيء شبيه بما
يخبره صبحاً وظهراً ومساءً مسؤولو حزب الله في لبنان عن هدف سلاحهم الرادع والذي
يبقي إسرائيل واقفة على رجل واحدة، وهم لا يملّون من السباحة في عالمهم المتخيّل
حيث الانتصارات الإلهية تتوالد كلما كثرت الهزائم في العالم الواقعي الحقيقي.
في التحليل، سارع متشككون إلى وضع بيان تسليم
السلاح في خانة المناورة لاتقاء التهديد الأميركي الجاد بشن حملة قصف على الفصائل
المسلحة المنضوية في صفوف هيئة الحشد الشعبي أو العاملة من خارجها. آخرون وضعوا
البيان في ميزان المساومات الضرورية لاختيار رئيس حكومة من التحالف (الشيعي)
الحاكم (الإطار التنسيقي) على ضوء الرسالة الأميركية التي وصلت إلى بغداد ومفادها
رفض واشنطن التعامل مع أي حكومة عراقية فيها تمثيل لتلك الفصائل التي لا تميّز
إدارة دونالد ترامب ما بين منضوٍ منها في "الحشد" بوصفه مليشيا هائلة هي
جزء من القوات المسلحة، وغير منضوٍ. أما حسنو النية فالقصة جدية بالنسبة إليهم،
ذلك أن جماعة بيان تسليم السلاح فهموا الرسالة الأميركية من دون لبس، ولديهم شاشات
تلفزيون في مكاتبهم وشاهدوا عبرها ماذا حلّ ويحل بحزب الله منذ صيف 2024، وأدركوا
أن مصيرهم قد يكون أسوأ مما حصل مع مثالهم اللبناني ــ الإيراني الأعلى إن لم تبدأ
رحلة تفكيك كوكب المليشيات في العراق. وما يرجّح أن يكون الخزعلي وإخوانه من
موقّعي بيان تسليم السلاح جادّين في استشعارهم الخطر، أن آخر مرة طارت مسيّرة من
العراق باتجاه إسرائيل انتقاماً لغزة أو لبنان أو اليمن، كانت في نوفمبر/ تشرين
الثاني 2024.
في الاحتمالين، احتمال مناورة المليشيات العراقية
لشراء الوقت، أو استيعابها أن عدم تسليمها السلاح سيعني القضاء على وجودها، فإنّه
قد يكون جديراً بحزب الله (الأصلي) أن يتذكّر أن سلاحه الباقي لم يعد قادراً لا
على مقاومة إسرائيل ولا ردعها، وليس نافعاً إلا لحرب أهلية إن اندلعت فإنها ستقضي
على ما تبقى منه ومن لبنان.