أحمد صلاح الدين

عندما شنت عملية عاصفة الحزم في آذار 2015، وعد وزير الدفاع السعودي الأمير الشاب محمد بن سلمان، جميع من دعاهم إلى المشاركة في العملية، بأنها ستكون سريعة وجراحية. 
لقد فاجأت عملية عاصفة الحزم الحوثيين وأخذتهم على حين غرّة، وبعد ما تحقق لهم من زخم وانتصارات متعاقبة في بداية الأمر، ما لبثت قواتهم أن فقدت توازنها وذهبت ريحها. ولكن لم يكن يوجد أحد على الأرض، وخاصة في العاصمة صنعاء، يمكنه استغلال الفرصة للهجوم. منذ البداية وحتى هذه اللحظة، كانت المشكلة التي تواجه السعوديين في اليمن هي أنهم ألزموا أنفسهم بشرطين متناقضين لتحقيق النصر الاستراتيجي، فهم يريدون إلحاق الهزيمة بالحوثيين لكن دون أن يعود ذلك بالفائدة على «الإصلاح» المنافس لهم. 
كان بإمكان الرياض أن تنسق مع التجمع اليمني للإصلاح منذ بداية العملية، بحيث تقود الجماعة انتفاضة في صنعاء كان من شأنها أن تحرر العاصمة من الحوثيين، لكن السعودية اختارت ألا تفعل ذلك، وبذلك فقدت أول فرصة سنحت لها لكسب الحرب بسرعة. لقد جعلت المملكة العربية السعودية بسبب هذين الشرطين نجاحها في تحقيق النصر أكثر صعوبة إن لم يكن مستحيلاً، بل ساهمت بذلك في إطالة أمد الحرب. 
معادلة للسلام
يمكن التوصل إلى صفقة سلام في اليمن إذا ما تحقق التوافق بين أربعة من الفاعلين الكبار، ولم يتم تهميش أي واحد منهم. أول هذه الأطراف هم الحوثيون، الذين يسمّون أنفسهم «أنصار الله». وهؤلاء يمثلون الأصولية الزيدية، التي ثارت على التهميش بعد سقوط النظام الملكي عام 1962. وخلال العامين الماضيين، أصبح الحوثيون أكثر قوة وشعبية في شمال اليمن؛ لاستحواذهم على دعم رجال القبائل وقادة الجيش الذين قاتلوا ضدهم في الماضي. 
وأما الطرف الثاني فهو الرئيس السابق علي عبد الله صالح وحزبه السياسي، المؤتمر الشعبي، ذلك أن صالحاً وحزبه يمثلان النظام القديم الذي يرفض التخلي عن السلطة؛ لأنه يخشى المحاسبة على الماضي، ولأنه ليس على استعداد للتنازل عن حصته من المكاسب. 
بعد أن بدأت العملية التي يقودها السعوديون، وتحالف علي عبد الله صالح وحزبه مع الحوثيين، إلا أن العلاقة بين الطرفين غير مستقرة. ولذلك، تراهن الإمارات العربية المتحدة، شريك السعودية في حرب اليمن، على أن علي عبد الله صالح سوف يقطع في نهاية المطاف تحالفه مع الحوثيين من خلال ابنه أحمد، الذي يقيم الآن في أبو ظبي. 
أما الطرف الثالث فهو التجمع اليمني للإصلاح، الذي يرتبط في العادة بجماعة الإخوان المسلمين، ولديه كوادر شعبية هائلة الحجم. شاركت هذه المجموعة بفعالية في ثورة الشباب التي اندلعت عام 2011، وبإمكانها أن تنافس الحوثيين من حيث الشعبية. إلا أن المملكة العربية السعودية تسعى إلى إضعاف المجموعة بينما تحاربها أبو ظبي، والمفارقة هنا أن المجموعة، ستستفيد فيما لو ألحق السعوديون الهزيمة بالحوثيين. 
تجدر الإشارة إلى أنه عندما اختارت الرياض عدم التنسيق مع الإصلاح لاستعادة صنعاء عام 2015، صبت القوات الأمنية التابعة للحوثيين وللرئيس السابق علي عبد الله صالح جام غضبها على التجمع اليمني للإصلاح واعتقلت المئات من أعضائه، وبذلك وجد الإصلاح نفسه في وضع لا يحسد عليه، إذ يتعرض للقمع والاضطهاد في صنعاء، وللتهميش من قبل الرياض، وللحرب من قبل أبو ظبي.
أما الطرف الرابع فهم الجنوبيون، وهؤلاء يعتبرون لاعباً مهماً، على الرغم من أنهم قد يستبعدون من معادلة السلطة حين يتم التوصل إلى اتفاقية سلام؛ لأن المعركة الحقيقية التي تهدد أمن المملكة العربية السعودية هي تلك التي تجري في شمال اليمن. ولكنهم في الوقت الحالي جزء لا يتجزأ سياسياً ودستورياً من الأزمة التي تعصف باليمن بأسره، وما زالوا في حالة من الفوضى والتنافس بسبب السياسة المحيّرة التي تنتهجها الإمارات في جنوب اليمن. 
فالإمارات لا تكتفي بتشجيع انفصال الجنوب عن الشمال، ولكنها تشجع أيضاً الوحدة من خلال دعم المليشيات المناطقية المتنافسة. وفي الوقت نفسه الذي تسعى فيه الإمارات إلى إزالة أي أثر للإسلام الحركي في الجنوب، إلا أنها تدعم المليشيات السلفية هناك. 
ونتيجة لذلك ها هو جنوب اليمن، الذي كان بإمكانه أن يشكل نموذجاً يحتذى به في بقية البلاد من حيث المشاركة في السلطة، قد غرق في حالة عارمة من الفوضى. وعلى الرغم من أنه تحرر من نفوذ الحوثيين قبل أكثر من عامين، إلا أنه ما زال عاجزاً عن الوقوف على قدميه وتدبير شؤونه بنفسه. 
الفرصة الثانية (الضائعة)
سنحت الفرصة الثانية لوقف الحرب بعد أربعة شهور من بدايتها في تموز 2015، حين تمكن الجيش اليمني والمقاومة من تحرير عدن. ولقد أدت القوات الإماراتية دوراً مهماً في هذه المعركة، حيث تقدمت نحو تعز، التي تقع على مسافة 150 كيلومتراً، ورفعت المعنويات هناك، وعلى إثر ذلك تمكنت المقاومة المحلية في المدينة من إقصاء علي عبد الله صالح والحوثيين من مركز المدينة ونجحت في تحرير القصر الرئاسي. لماذا لم تستفد القوات اليمنية والإماراتية والسعودية من زخم الانتصار في عدن، ولم تتحرك نحو تعز لتحررها بالكامل؟
تكمن الإجابة في الشرط الاستراتيجي الذي حددته المملكة العربية السعودية، وهو إلحاق الهزيمة بالحوثيين، ولكن دون السماح للتجمع اليمني للإصلاح بالاستفادة وقطف الثمار. من المعروف أن تعز هي المدينة الثانية في اليمن من حيث الحجم، وفيها ينتشر أتباع التجمع اليمني للإصلاح بكثافة، وهم الذين يقودون المقاومة في المنطقة. لو أن السعوديين ومن معهم من القوات مضوا قدماً وحرروا المدينة، فقد يفضي ذلك إلى وضع يكون للتجمع اليمني للإصلاح فيه اليد الطولى. لكن لربما كان هناك سبب آخر لتوقف القوات دون تعز، وهو أن تعز المحررة يمكن أن تشكل في المستقبل موقعاً آمناً للحكومة اليمنية المنفية، التي تقيم حاليا في الرياض، بعيداً عن عدن التي باتت تحت سيطرة الإماراتيين وحلفائهم الانفصاليين.
وسوف ينتقل زعماء التجمع اليمني للإصلاح أيضا إلى حيث بإمكانهم أن يستعيدوا نشاطهم وينبعثوا من جديد. وبعد مرور عامين ما زالت تعز تحت الحصار، محرومة الأسلحة والتموين، رغم أن هذه الأشياء سهلة المنال عادة في اليمن. لقد سبب هذا الوضع الشاذ إطالة أمد الحرب واستمرار معاناة اليمنيين، وراكم الضغوط على السعوديين الذين باتوا مضطرين في عواصم العالم وأمام منظمات حقوق الإنسان للدفاع عن الأسباب التي تجعلهم يستمرون في الحرب. كذلك أدى هذا الوضع إلى تقوية الحوثيين وعلي عبد الله صالح، وشحذ همتهم للإصرار على مواقفهم، خاصة أنهم يعادون التجمع اليمني للإصلاح. 
وتماماً كما أن الرياض غيّرت موقفها الآن في سوريا، وتقترب أكثر فأكثر من معسكر القاهرة وموسكو، الذي هو معسكر إيران أيضاً، فقد يتغير الموقف السعودي في اليمن أيضاً. 
حينها فقط قد يتسنى حل لغز المعادلة السعودية الغامضة عبر التعديل التالي: السماح للحوثيين بالفوز، ضرب التجمع اليمني للإصلاح، وليذهب استقرار اليمن إلى الجحيم.}